18 ديسمبر، 2024 1:45 م

مدن وبلديات في مواجهة الفقر والتطرف

مدن وبلديات في مواجهة الفقر والتطرف

ليس لديّ أوهام حول الانتخابات البلدية والمحافظاتية، لكن يجب أن نظل ننظر إلى المآلات الممكنة للمدن والمحافظات في ظل اللامركزية والنتائج المفترضة للانتخابات، ذلك أنها تعكس ببساطة ولاية الناس على شؤونهم ومشاركة الحكومة المركزية في المسؤولية والتخطيط، وفي ذلك نتطلع بطبيعة الحال إلى مدن قادرة على أن تساعد أهلها في تحسين الحياة والتماسك الاجتماعي ومواجهة التحديات الأساسية التي تشغلنا بإلحاح، وهي الفقر والتطرف.
إن القادة الاجتماعيين في المدن مثل أعضاء المجالس البلدية والنشطاء الاجتماعيين يمتلكون مهارات معرفية واجتماعية تتفوق على المؤسسات الاجتماعية والإرشادية المركزية، ويمكن أن تتولى البلديات ومجالس المحافظات، بالتعاون مع المنظمات الاجتماعية المحلية، مسؤولية التماسك الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، وفي ذلك تستطيع البلديات أن تنجز بكفاءة عالية وبكلفة أقل أعمال الحكومة المركزية المفترضة في الرعاية والتنمية الاجتماعية، كما تستطيع أن تنتقل بها من طابعها “الإحساني والمساعداتي” إلى عمليات مشاركة وتضامن ومتابعة ترصد اتجاهات التطرف والتهميش كما المشكلات والأزمات الاجتماعية.
ثمة فكرتان أساسيتان يجب أخذهما بالاعتبار في إدارة وعمل المجالس البلدية والمحافظاتية، أولاهما أن التطرف والكراهية تمتلكان بيئة آمنة واسعة وممتدة في المجتمعات، وأن فرص نمو التطرف الديني والانحيازات العشائرية والاجتماعية التي تقسم المجتمعات وتهددها قوية، وهي حالة يمكن الاستدلال عليها بالنزاعات والمشاجرات العشائرية والمواقف والاتجاهات الدينية المعبر عنها في شبكات التواصل، والجرائم وحالات الانتحار والإدمان المعلن عنها، وأسلوب قيادة السيارات والسلوك الاجتماعي؛ وبدون الاعتراف بهذه المشكلة وعمقها فإنها ستظل تنخر في نسيج المجتمعات، وتغذي جماعات التطرف بالأنصار والمؤيدين، والفكرة الثانية أن المواجهة مع الفقر والتطرف والإرهاب ليست في الواقع سوى عمليات التنمية الاجتماعية والثقافية وبناء التماسك والمنعة لدى الأفراد والمجتمعات.
ولذلك فإن المجتمعات في تنظيمها لمصالحها ووعيها لذاتها تحتاج إلى معرفة وفحص ثقافتها وتطوير هذه الثقافة لتكون استجابة صحيحة لتشكل المجتمعات حول أهدافها ما تريد أن تكون عليه من تقدم حضاري واجتماعي واقتصادي، وأن تشكل ثقافتها على النحو الذي يمكنها من التوافق الصائب ثقافيا واجتماعيا مع البيئة المحيطة والموارد والتقنية وسبل الحياة والرفاه، وعلى النحو الذي ينشئ الناس به كفايتهم ويحققون الأمن والاستقرار والرضا والسعادة والانسجام مع متطلبات حياتهم وتطلعاتهم وآمالهم بحياة أفضل.
ولم يعد مستهجنا الربط بين التقدم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، فقد كرس التقرير العالمي للتنمية البشرية هذه المقولة على نحو بدأ يغير في خطط واستراتيجيات التنمية في العالم، ولكن الأمر يحتاج ربما لتوضيح وتأكيد متواصل ومتكرر للقدرة على الربط بين الثقافة المجتمعية والتقدم أو الفشل.

نقلا عن الغد الاردنية