كنّا نظن حتى قبل أيام معدودة، أن معيار التوظيف في القطاع العام هو الكفاءات العلمية والمؤهلات الأكاديمية والقدرات الذاتية، فاكتشفنا أننا كنا مخطئين!
في العقود الماضية كان جميع المواطنين يؤمنون بأن «الواسطة» هي طريقك السريع والمضمون للتوظيف، وقد اختصروا الكلمة في حرفٍ واحدٍ، واعتبروها نوعاً من الدواء، فقالوا فيتامين «و». فبدون هذا الفيتامين النادر يتعذر عليك العمل سابقاً في القطاع العام، وأحياناً حتى في القطاع الخاص! أما اليوم فقد اكتشفنا أن الواسطة نفسها لم تعد تؤدي مفعولها السابق، مثل دواء «السعلة» القديم الذي انتهت صلاحيته، بحكم زيادة السكان، وشراسة تنافس الغرباء، وتوجّه الاقتصاد لتوفير 90 في المئة من الوظائف الجديدة للأجانب، فلا يتبقى للسكان المحليين إلا الفتات!
الجديد في السوق أن هناك فتوى مريبة حول المعايير الجديدة للتوظيف، التي لم تعد الكفاءة أو الشهادة العلمية أو القدرات ولا الخبرات، وإنّما هناك شيء جديد اسمه فيتامين «ا ل و ل ا ء». فالمطلوب أن تثبت أنك تؤمن بما تريده السلطات، وترى ما تراه، وتردّد ما تهواه، وإلا فإنك مشكوكٌ في أمرك ودينك وعلمك وشهاداتك!
بعد اليوم، لا داعي للشهادات ولا للكفاءات ولا للخبرات ولا لاختبارات القدرات. فلماذا تدرسون أيها الطلاب والطالبات؟ لماذا ينفق المهندسون أربعة أو خمسة أعوام من الدراسة الجامعية وبعدها سيتم استبعادهم وتعيين آخرين ليس مهماً أن يكونوا غير حاصلين حتى على شهادة الدبلوم أو البكالوريوس. فبالإمكان أن تبني الدولةُ وشركاتُ المقاولات منازل الإسكان دون قواعد أو مخططات هندسية أو مهندسين أكفاء!
لماذا تدرسون الطب يا طلاب الطب لمدة سبعة أعوام، وتنقطعون عن العالم من حولكم وتسهرون الليالي والأيام، مادام يمكن تعيين ممرضةٍ لم تنهِ دراستها الأكاديمية في منصب جرّاحٍ أو طبيبة أسنان بسبب «فيتامين و»!
ما هي حاجتنا إلى بناء المدارس بعد اليوم وصرف كل هذه الأموال على التعليم؟ وما هي حاجتنا إلى لجان الجودة التي تدور طوال العام على المدارس العامة والخاصة للتفتيش والتقييم؟ بل وما هي حاجتنا أصلاً إلى مدارس المستقبل مادمنا نفكّر بطريقةٍ متخلفةٍ لم يكن يُعمل بها حتى في مدارس الماضي قبل سبعين عاماً؟
ثم ما هي حاجتنا إلى المعاهد التقنية ومعهد البحرين للبوليتكنيك والدراسات المالية والمصرفية ما دام كل شيء يتم بالولاء؟ وما هي حاجتنا إلى جامعة البحرين وجامعة الخليج، فضلاً عن أكثر من عشر جامعات أهلية يتعلّم فيها آلاف الطلاب والطالبات؟ ويا لخسارة العلم والخريجين، ويا لخسارة الدولة التي تنفق جزءًا من موازنتها، والأهالي دمَ قلوبهم لتعليم أبنائهم، إذا كان مصير كل هؤلاء الخريجين جميعاً سيتوقف فقط على توفير فيتامين «واو»!
أيها الطلاب الطامحون الحالمون كالورد! أيتها الطالبات المجتهدات المتفوقات الجميلات! لا تتعبوا أنفسكم بعد اليوم. ضعوا عقولكم في رؤوسكم ولا تضيّعوا أجمل سنوات شبابكم في الدراسة والكتب والاجتهاد! اختصروا الطريق إلى عالم المال والأعمال! ضعوا الوظيفة التي تحلمون بها واعملوا على التسلق للوصول إليها خلسةً في الظلام، دون مشقة أو عناء.
هل فهمتم أيها الطلاب والطالبات المجتهدات المتفوقات؟ يا أصحاب مجاميع الـ99.9 والـ 99.8 والـ 99.7! دعوا الدراسة والاجتهاد وابحثوا عن فيتامين «واو» كما كان يبحث آباؤكم عن الفقع في البرّ بعد هطول الأمطار!
نقلا عن الوسط