15 نوفمبر، 2024 11:37 ص
Search
Close this search box.

استلاب الشعر وثرثرة القصيدة

استلاب الشعر وثرثرة القصيدة

الكتابة الشعرية دائما هي تعبير عن الذات الموضوعية حيث لا يقتصر إفصاحها على حدود ما يعتمد داخل خصوصية الأصوات و حالات صنعة الأشياء المعروضة في مجريات مفردات أحلامنا و أحاسيسنا و هواجسنا المتوحدة داخل فوضى تفاصيل الحياة اليومية المبعثرة المضامين . و هذا لا يعني بدوره أن نتقبل قصيدة ذات خواطر شكلية و تلفظية لا نعرف حدودها و مصادرها و مواردها ، ألا من حدود صوت الشاعر نفسه ، و هو يحاول أن يقول ثمة أشياء ما هي بالنتيجة ألا فيض من عواطف و خربشات تنطوي وراء كلام ينبثق من أعماق مراهقة لا تجيد سوى تلفظ ما هو سطحي و هامشي و مبتذل من مشهد موائد الطامحين في الصعود الى مسرح القصيدة الشعرية : الشعر بهذا التصور أضحى لنا اليوم كأنه ساحة يصطخب فيها صراع أجنحة الذباب و الجدل العقيم بين عناصر الثبات و عناصر الحركة . ساحة تفنى فيها عناصر و تخلق عناصر ، و تتخذ من خلالها فعاليات عابثة لتوليد مقادير كمية هشة من رؤى الفراغ و الكلام المنبثق من تصورات حركة جزئية قاصرة عن بلوغ قابلية الابداع الشعري الجاد . في شارعنا الثقافي الشعري العراقي اليوم نشاهد زمن الشعر يموت يوميا و في كل صباح نعاين من على صفحات صحافتنا اليومية الثقافية ، بأن هناك موت حقيقي للشعر و من على أبواب مشرعة تركض نحو أصداء أصوات شعراء يلهثون كالجياد في تكوين القصيدة و في

أنشاء أزمنتها الضبابية الصامتة في القول و المعنى و الدلالة : فهل هذا بدوره إيعاز واضح و صريح الى بداية زمن الموت الشعري أو النهاية الشعرية و حلول زمن أسئلة (ثرثرة القصيدة ) . أن ما نقرأه اليوم من شعر مطبوع و منضد في الأعمال الشعرية و الصحافة ، ما هو ألا تحقيق لمجال الذكريات عن طريق أسلوب ضمير المتكلم ، حيث نرى بأن عناصر القصيدة قد باتت أشبه بالبطاقات التعريفية البالغة التوتر في تنويعات حديث ذكريات ضمير المتكلم و ليس ضمير الدلالات في القصيدة ، لأن في الحقيقة ، ليس هناك غير طوابير من مفردات صادرة عن فضاء سطور طويلة من التكرارات المقطعية و صيغ علامات الأستفهام و التعجب و الحديث عن مستوى صور تجربة لا هي بالداخلية و لا هي من ناحية بالخارجية ، بل أنها مجرد حفنة مشاعر بلا مصادر و لا موارد ولا حتى أساس من المعقول و الصواب فيها .. فهل هذه هي قصيدة الشعر اليوم التي ينادي بها الشعراء و يضج بها ضجيج مسارح المهرجانات و المحافل الأدبية في مقرات اتحاد الأدباء و الكتاب في العراق ؟ هل هذه هي شعرية القصيدة اليوم التي باتت مجرد آفاق حرية كلامية في أجواء تخلف الذوق و المعرفة الدراسية و الأصولية و المنهجية الحقيقية بماهية مفردة و صورة الشعر الحقيقي . نحن اليوم و بإزاء ما يكتب و ينضد من شعر و قصائد بحاجة حقيقية الى صرخة استغاثة و صرخة انقلاب و دموع وداع و مناديل طويلة تلوح الى نهاية الشعر و القصيدة ، بل نحن بحاجة ماسة الى مقادير غير منتهية من الأستدعاءات لقبور لوركا و رامبو و بدر شاكر السياب و محمود درويش و البريكان و نازك الملائكة لمحاولة انقاذ ما تبقى من القصيدة و الشعر و من الأنقراض و الهلاك الشعري الذي نحن فيه و ألا

فسوف يحدث يوما ما و قريبا جدا ما يسمى بنهاية الشعر . في الحقيقة أنا شخصيا كنت دائما أطالع و اراجع ما يقوم بأهدائه لي الأصدقاء الشعراء من أعمالهم الشعرية ، حيث يلازمني طويلا ذلك السؤال الجارح و القلق : ما مصدرية كل هذه الارتسامات القولية و حول ماذا تتحدث بالضبط ؟ فهل هي موارد مخططات مواء قطط في ليالي الجوع و حاجة الأخصاب التناسلي أم هي محض أشتهاءات غرائبية في تنويعات عنوانات اللادلالة و الدال ؟ . منذ زمن قريب كنت أطالع بعض من الأعمال الشعرية لبعض من الأصدقاء الشعراء المعروفين في الأوساط الثقافية في العراق ، و لكنني مع الأسف لم أجد في أعمالهم الحديثة سوى جاهزية الخطاطة كفكرة خضعت لهندسة شكلية في لحظة الخواء الشعري المهدد بدخول القصيدة الى دائرة نص الفراغ و دائرة ثرثرة القصيدة ، و عندما حاولت الكتابة عن تلك الأعمال ، لم أجدني أحاورفيها سوى مجموعة أصوات دلالية مهشمة أغرقت في حالة كابوسية خاضعة لثرثرة الفقر الدلالي و الجوع الجمالي الأكيد . و بأختصار شديد هذه هي حقيقة شعرنا العراقي اليوم مجرد مهرجانات احتفائية تصب في دائرة الضجيج الأسمي و الأعلامي و الأخواني المزيف ، ليس هناك في القصيدة أسئلة مستجدات تأويلية تفترض حالة قراءة جديدة ، فقط هناك أسئلة أعتمدت مفردات الأستعمالات اليومية و الأهمال الواضح في عملية الأسقاط الدلالي المناسب ، كما و هناك وضعا سكونيا في امكانيات الأنتقال و التحول المدلولي و علاقات المتخيل الممكن . و إزاء كل هذا لا يمكننا تقدير حالات مرحلة ( نهاية الشعر ) و سلطة ( ثرثرة القصيدة ) في مجريات ثقافتنا الشعرية في العراق ، سوى أنها أرتبطت و أقترنت بفعل وظيفة علامات غير أنتاجية في

تماثلات تصوير مخيلة الشاعر ، كما أنها في الوقت نفسه ، جاءتنا نتيجة عدم حسن و أحسان الذائقة القارئة لتلك الأنتاجات المترهلة ، كما أنها أيضا جاءتنا نتيجة حيازة الشعراء في الأوساط الثقافية و منحهم صفة (شاعر) داخل بطاقة تعريف نقابة الأدباء ، و السماح لهم بصورة غير مشروعة بأن يقولوا ما يريدون من كلام و يسمى بالنتيجة شعرا و قصيدة . و لكن المشكلة الكبرى اليوم هو ان الجيدين من الشعراء ، قد أصبحت قصائدهم هم أيضا محض صياغات عشوائية في لوحة أقوال و أفعال غريبة ، حيث نراها باتت تشكل في ذاتها رقما قياسيا عال سوى من جهة صالات المهرجانات الثقافية وفي صالات مقاهي الأدباء العتيقة . أما أننا نضعها داخل جداول قياسات التصور الابداعي القيم ، فلا نجد لها من صدى و لا حتى من مستقر ما في أذهاننا لمدة خمس دقائق . و في الختام أود أن أوجه ثمة نصح و نصيحة لهؤلاء الشعراء الى مراجعة ما يكتبوه من نصوص ، حيث يعوزها في الحقيقة ، عمق الدلالة و المشاهدة الفاحصة و أثر المنظور الجمالي و الشغل الشاغل ، و لعل من المفيد لهؤلاء الشعراء أن لم يجدوا فيهم مسكنة الموهبة الشعرية في كتابة القصيدة ، الذهاب الى الفراش و النوم العميق حتى يزول خطر مرحلة نهاية الشعر و ثرثرة القصيدة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات