بعد ان شنت الحكومة الحالية حملة على الفضائيين , ليس من رجال الفضاء وإنما اولئك الذين هم من جماعة ( إسمه في الحصاد ومنجله مكسور ) , وبالفصيح ممن توجد اسمائهم في قوائم الرواتب ولكنهم من غير عمل أو دوام , فقد تفاجأ الكثير بتداول وثيقة تتضمن قرار مجلس الوزراء رقم 65 لسنة 2015 , والذي ينص على قيام وزارة المالية ببرمجة دفع رواتب موظفي الدولة كافة والعاملين فيها بتأخير عشرة أيام لكل شهر ويتكرر ذلك تراكميا في كل شهر ولحين توفر السيولة النقدية , ويعني هذا القرار من الناحية العملية بان عدد الرواتب التي ستدفع في سنة 2015 هي 9 وليس 12( عند عدم توفر السيولة ) , كما تعود عليه الموظفين ونصت عليه القوانين الوضعية بخصوص دفع الرواتب في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية القديمة والحديثة ولحد الآن .
وشخصيا , توقعت بان تلك أكذوبة او مجرد تحريف لغرض إشاعة الرعب والقلق لدى الموظفين الذين يبلغ تعدادهم 4 ملايين على الاقل , حيث يشير القرار بأنه اتخذ في جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية المنعقدة بتاريخ 10 / 2 / 2015 , فحين راجعت موقع مجلس الوزراء العراقي وتصفحت قرارات الجلسة السادسة لم أجد هكذا قرار في تلك الجلسة , ولكن الاعلام روج لثلاث تصريحات بخصوص الموضوع , أولهم حين أعلن مكتب رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي ، إذ قال المتحدث باسم المكتب سعد الحديثي في تصريح صحفي , إن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بشأن صرف الرواتب كل 40 يوماً هو اجراء احترازي مشيراً الى أن الحكومة لن تلجأ لذلك إلا في حالة عدم وجود سيولة مالية وأضاف المتحدث ، أن تأخير صرف الرواتب عشرة ايام سيكون اجراءا دوريا ويطبق في حال عدم تمكن الحكومة من تغطية رواتب الموظفين .
أما التصريح الثاني فقد جاء من النائبة عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيف , التي أكدت بعدم قانونية قرار مجلس الوزراء بتأخير دفع الرواتب معللة ذلك , بان الموازنة اقرت على اساس الرواتب الشهرية وليست على اساس الرواتب الأربعينية , وقالت نصيف إن تخصيصات الموظفين وفق الموازنة التشغيلية قد اقرت من خلال الموازنة العامة , وهو قانون واجب التنفيذ , وليس لأي احد ان يصدر أنظمة وتعليمات مخالفة للقانون , باعتبار ان القانون هو الاعم والأشمل , وإذا كانت تصريحات الناطق باسم الحكومي صحيحة وغير مفبركة , فان مجلس الوزراء ليس بحاجة الى نفي ما يتم تداوله بخصوص الموضوع باعتباره صحيح وواجب التطبيق , وفي مثل هذه الحالة فانه يتوجب توضيح كل ما يتعلق بالموضوع للحد من التداعيات السلبية وردود الافعال , فالكل قد نادى بان الرواتب خطا احمرا وفي مقدمتهم المرجعية الدينية في النجف الاشرف .
وفي التصريح الثالث , هددت اللجنة المالية النيابية بطعن قرار دفع رواتب الموظفين في دوائر الدولة كل اربعين يوما ، مبينة ان هذا القرار غير جائز من الناحية القانونية ولا يمكن تطبيقه لمخالفته بنود الموازنة , وقال عضو اللجنة عبد القادر محمد ان قرار دفع راتب الموظفين كل اربعين يوما جاء استحداثا لقانون الادخار الوطني الذي يراد به توفير ( تريليونين دينار عراقي ) , في حين ان هذا القرار الذي يحمل رقم (65) بحسب الوثيقة الصادرة عن مجلس الوزراء فانه سيوفر خلال سنة ( 12 تريليون دينار عراقي ) وهذا لا يتوافق مع نص القانون الذي اوردته الموازنة , وأضاف ان هذا المبلغ الذي تتم جبايته من جيب المواطن العراقي المثقل بالأعباء يعد كبيرا جدا ويضر بالموظفين ويربك اوضاعهم المعاشية لاسيما وان اغلبهم يعتمد اعتمادا كليا على هذه الرواتب , وان اللجنة المالية لا تؤيد هذا القرار و ستطعن بالقانون في حال تنفيذه والعمل به في بالموازنة بعد نشرها في الجريدة الرسمية .
وقد سبق هذا الاجراء اعتقادا ساد بين الاغلبية ومفاده , بان الدولة في حالة إفلاس وسوف يتوقف دفع الرواتب لمستحقيها خلال الشهرين القادمين على الاكثر , والسبب في هذا الشعور الذي تحول الى مصدر قلق لذوي الدخل المحدود من الموظفين الحكوميين وغيرهم , ما تم سماعه من تصريحات اثناء التداول بموضوع مشروع موازنة 2015 عند إحالتها الى اللجنة المالية في مجلس الوزراء , فاخطر هذه التصريحات اشارت بان البلد يحتاج الى تصدير 3 ملايين برميل نفط يوميا لدفع رواتب الموظفين , وفي الوقت نفسه كانت التقارير الرسمية تؤكد بان معدل الصادرات اليومية الفعلية لا يزيد عن 2,5 مليون برميل يوميا , كما ان بعض السياسيين أكثروا من تصريحاتهم التي تقول ان خزينة الدولة خاوية وقد نفذت خلال عام 2014 بسبب غياب الموازنة الاتحادية .
وسوف يفتح الاجراء المتعلق بتأخير دفع الرواتب ( في حالة تطبيقه ) أبوابا واسعة لانتقاد الحكومة لكونه سابقة خطيرة لم يتم ولوجها في أصعب الحالات التي مر بها العراق , كما انه سيزيد من الدعوات الشعبية لمساءلة المتسببين بهدر المال العام والمطالبة بمحاكمة الفاسدين , ونعتقد بان المناخ الذي أتاحه رئيس مجلس الوزراء الحالي بعدم التعرض للمتظاهرين , باعتبار ان التظاهر حقا كفله الدستور ومن حق الناس التعبير عن آرائهم بشرط ان لا يتسبب ذلك بتوقف الاعمال , سيشهد تظاهرات في عموم البلاد باعتبار ان موضوع الرواتب شأنا يخص معيشة أغلب العراقيين , سيما وان مجلس الوزراء وافق في الجلسة 7 المنعقدة أمس (17 / 2/ 2015 ) بإطلاق رواتب منتسبي شركات التمويل الذاتي والإيعاز الى وزارة المالية بتنفيذ ذلك , كرد فعل على التظاهرات التي شهدتها مدن العراق بسبب إيقاف صرف رواتبهم خلال الاشهر الماضية .
وفي كل الاحوال , فإننا نستغرب أشد الاستغراب من اصدار مثل هذا القرار دون ان يواكبه توضيحا وظهورا إعلاميا من قبل وزير المالية او من يمثله , باعتبار ان وزارته هي الجهة المعنية بتنفيذ القرار , كما نستغرب الصمت البرلماني والإعلامي عن الموضوع ( نفيا او تأييدا ) رغم مرور اسبوعا كاملا على صدوره , فقد تعود الجمهور ان يرى حضورا اعلاميا واسعا للبرلمانيين والمحللين والخبراء والفقهاء في مختلف الامور , فموضوع رواتب الموظفين مادة دسمة للإعلام , ليس من باب الدعاية والتفاخر واستثمار الفرصة للمدح او الذم , وإنما لكونه موضوعا مهما جدا انطلاقا من المقولة ( قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ) , وللأسباب التي ذكرناها فإن هناك من لا يزال تصدق صدور هذا القرار اعتقادا منهم بان هذا الامر ( فضائي ) , فمن الصعب حقا ان تتحول سنة 2015 الى سنة فضائية من خلال إختزال عدد رواتبها الى 9 بدلا من 12 , حتى وان كان الموضوع احترازيا ومن التحوط لأصعب الظروف .