كثيراً ما يلجأ علماء الطبيعة بجميع اختصاصاتهم للعناصر المكوّنة للأشياء ومراقبة حركة بيئاتها البدائيّة , ومنها “السلوكيّات” ومن مستخلصها “التدبّر” أو عمليّة نموّ العقل , فالمجموع أو المكوّن العشائري مقالنا هذا أو في الّذي سبقه اخترناه كعيّنة اجتماعيّة لا ضير تكون بدائيّة لمحاولة فهم ولو بشكل مبسّط بدايات مشايعة الإسلام لتماهي اللبنة الاجتماعيّة البدائيّة “العشيرة” مع صور العمليّات الحياتيّة السلوكيّة “المضمون الغير مجسّد” كما بتشخيص “دولوز” في هضم المفاهيم فيتناولها الفرد طريّة لم يدخلها الفساد وقبل دخولها “المدينة” ف”تتسفطط” , والإسلام على هذا وكما أفهمه ويفهمه غيري بتقديري هو هكذا “لحظة تجلّي إصلاحي تطبع سريعاً حيّزها ثمّ محيطها بعد انبلاجها وتتشكّل بمسمّيات عدّة ـ الإسلام ـ أحدها” , فمهما كانت المواضيع الّتي تُطرح بهذا الشأن مخالفة لأولئك أو لهؤلاء هي بالتالي إغناء “إجباري” أحياناً للمعلومة وإثراء معرفي , واختياري “للمشايعة” كان في مقال سابق كنت أعني به الإسلام مثلما يُفهم “كلحظة تحرّر” قد يتعرّض لها أيّ مجتمع , ولم أكن أعني التشيّع , فالتشيّع بمعنى “راكد” وكلّ راكد يصبح تلقائيّاً معادياً لدينمايكيّة الإسلام “إن افترضنا الإسلام متفاعل بذاته” ومعادية للمشايعة “الأصل” الّذي ومض في ضمير جنوبيّنا لحظة دخول “الكفّار” , وفي نفس الوقت فإنّ التسنّن يمثّل النصّ الشكلي للإسلام الأصل “راكد” أيضاً , ما يعني انّه لم يعد يصلح كوسيط سلوكي موائم بقوالب طرحها القديمة .. فمن الواضح , أنّ من يتجاوب مع طروحات من هذا النوع تراه لا زال يفهم معنى “أخلاق البيئة المفتوحة” أصفى وأنقى من دين أبناء المدن , وأفرادها أكثر تمنّعاً عن الغلوّ أو الإسهاب الفضفاض الّذي يتّشح به أهل المدن , وحين نختار هذه الشريحة “العشائريّة” فلضرورة بيئيّة ثابتة غير متنقّلة تنقّل البداوة مثلاً , هنا لربّما أسجّل وجهة نظر ربّما جديدة بخصوص بعض الجوانب المتعلّقة بالأسباب الّتي دعت “الحسين” لإصراره الذهاب إلى الكوفة انسجاماً مع دعوات أهلها لمبايعته رغماً عن محاولات كثيرة لثنيه , لكنّي أراها كاستنتاج , أن الحسين “صدّق بالعشائر” حين وردته دعواتهم للقدوم لمبايعته وفور وصولها , ذلك لثقته العالية بالعشائر العراقيّة بعكس محيط الحسين البدوي في الجزيرة “الأعراب” وما غدر به إلاّ من بين أهل المدينة “الكوفة” لرواجها بالموالي “الفرس” وبالأفكار المحتدمة من الّذين كانوا يكتمون غلًّا بسبب تهديم العرب حضارتهم العظيمة.
“وهي برأيي كان ذلك شرّاً لا بدّ منه” أتاه العرب , أو لنقل لا نعلم الظروف بأوجهها المختلفة الّتي عاصرت ذلك الفعل , فلو ترك لنا المزوّرون ما يسمّون أنفسهم “علماء دين” جوانب تاريخيّة من عصر ما قبل الإسلام دون طمس أو تزوير أو تقديس متعمّد لنصوص مغايرة لربّما كنّا فهمنا بشكلّ أدقّ بما قد نعذرهم عليه , والدليل على الطمس المقصود أنّ العداوة لا زالت قائمة بين العرب وبين الفرس منذ معركة ذي قار لا معركة القادسيّة !” وما معركة القادسيّة إلاّ جزء ثان من معركة ذي قار طمس جزئيّتها هذه بتفاصيلها التاريخيّة المتديّنون أنفسهم , وهم برأيي أحد أسباب طمر أيّ أمل بتصالح عربي فارسي على ضوء الإسلام , فهم , “علماء الدين” أو المراجع , السبب , فوجودهم على طريق الإسلام بدعة بحدّ ذاتها لم يوصي بها الإسلام لان الإسلام “تنافس علمي بين جميع الاتباع” وبعكس ذلك يتحوّل تلقائيّاً إلى كهنوت لاستفراد فئة معيّنة بأيّة رسالة “سماويّة” , فتوسيع الهوّة بين المجتمعات الاسلاميّة سفه من عطش دين منحرف , فمن دعاة التديّن اليوم مثلًا من افترى على الرسول حديثاً غير مبال “بجنّة” هو بنفسه انتمى للإسلام لأجلها ومع ذلك لم تقف حائلاً تلك المتعة الأبديّة الموعود بهادون تقويل الرسول ما لم يقله ؛ أنّ رسول الله قال , كما يزعمون : “انتصف العرب من الفرس يوم ذي قار وبي نُصروا”! وذلك وغيره من المؤكّد يحرف العقائد عن مسارها الصحيح , وعلى العموم فإنّ ما حصل بمجموعه سنّة من سنن الكون لا بدّ وقوعها .. وعليه “فالثورة تعبير عن ظلم تتحدّد قوّتها بحسب درجة ذلك الظلم ونوعيّته شرط أن لا تأكل منجز قبلها” , كما حصل بعد الإسلام , فالمنجز الحضاري ليس من السهل إعادة بنائه , والإسلام الأوّل كما نفهمه: “لأتمّم” , لا لألغي , فالثورات نفسها بحاجة لتطوير ذاتها , والمشايعة ثورة في النفوس من رجال “معارضون” قلّة جدّاً مشابهة للثورة الّتي كانت تغلي في ذات النبي نفسه , ومشابهة في نفس الوقت لثورات العصر الحديث بكافّة أشكالها , فحين ندرس العوامل والأسباب الّتي دفعت النبي مثلاً للإصلاح كانت لتغيير مجتمع استوجب تغييره .