من يقف وراء تسمية ” عيد الحب ” ومن هو الحب الذي يستحق عيدا ؟
الى متى نظل تابعين مقلدين للآخرين الذين يصدرون لنا مايجعلنا أمة بلا وزن ثقافي ولا معيار سياسي ولا فهم عقائدي , لذا حتى نجلو ملابسات مايطفو على سطح ألآجتماع العراقي المحاصر بألآرهاب التكفيري وبالمعاناة ألآقتصادية والفساد المنتشر في كل مفاصل الدولة والمجتمع , وأحتفال البعض بما يسمى ” عيد الحب ” ومعرفة هؤلاء البعض وتوجهاتهم لايجعل ألآحتفال يكتسب حقيقة الفرح ولا معنى العيد , بمقدار مايمثل نزوات ضحيتها ” المرأة ” كجسد , والشباب كمستقبل , ومن هنا وجب دراسة ألآمر حفظا لبناتنا وشبابنا من ألآنزلاق فيما لاتحمد عقباه , وحماية لمجتمعنا من ألآختراقات التي تقف ورائها مخططات عدوانية ؟
قال ألآمام علي “ع ” في معنى الحب الحقيقي شعرا :-
الهي حليف الحب في الليل ساهر ..يناجي ويدعو والمغفل يهجع
الهي وهذا الخلق مابين نائم .. ومنتبه في ليله يتضرع
بينما يقول شاعر العشق والغرام المعروف بين الناس بالحب :-
قالوا تحبها قلت بهرا .. عدد النجوم والحصى والتراب
ويقول أمرء القيس عن أفلاس العشاق الولهين :-
غيضن من عبارتهن وقلن لي .. ماذا جنيت من الهوى وجنينا
يرسم لنا ألآمام علي بن أبي طالب عليه السلام صورة للحب الحقيقي وللمحب ألآنسان وللمحبوب الخالق , لذلك قامت جدلية الكون والحياة على وحدانية ” المحبوب ” وهو الله تعالى ,وعلى مجازية ” المحبوبة ” وهي المرأة لتأسيس مشروع الخطبة والزواج ” ولاجناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لاتواعدوهن سرا ألآ أن تقولا قولا معروفا ولاتعزموا عقد النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وأعلموا أن الله يعلم مافي أ نفسكم فأحذروه وعلموا أن الله غفور حليم ” – 235- البقرة – وعلى كثرة ” المحبين ” وهو مجاز أخر لمحبة الوالدين لآبنائهم , ومحبة ألآولاد لآبائهم ولآخوانهم , ومحبة ألآصدقاء لآصدقائهم , وهؤلاء هم خلق الله الذين سماهم القرأن ” ألآنام ” حيث قال تعالى في سورة الرحمن ألآية العاشرة ” وألآرض وضعها للآنام ” وقد أجمعت التفاسير المنقولة عن الرعيل ألآول ” أبن عباس , وأبي بن كعب , ومجاهد عن رسول الله “ص” أن ألآنام هم : الجن وألآنس , ثم زاد بعضهم فقالوا : هم كل ذي روح , وبذلك أدخلوا ” الحيوانات والنباتات ” , وعلى ذكر تفسير القرأن الكريم , وأختلاف أراء المفسرين تبعا لآختلاف الروايات , وقد عرف سبب أختلاف الرواية وما لعبه العامل الذاتي للمفسر وللراوي المتأثر بالسلطة الزمنية , وهذا مما لاينكره علم أجتماع المنظومة البشرية السياسي وعلم النفس التحليلي الوضعي المسبوق بالفهم الشرعي الذي لايغادر القرأن الكريم الذي يقول ” بل ألآنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة “
وأختلاف التفاسير لايعطل فهم القرأن كما قد يتصور البعض , لآن القرأن حدد وشخص للمسلمين وللبشرية أجمع أن القادرين على تأويل ألآيات هم ” الراسخون في العلم ” وهم كذلك أهل الذكر , وسارع رسول الله “ص” لبيان الراسخين في العلم وقال : هم أل الرسول , وقال هم الثقل الثاني بعد كتاب الله , وأنهم معلمون فلا تعلمونهم , ولا تتقدموا عليهم فتفشلوا , ولا تتخلفوا عنهم فتندموا , ومن يقارن أختلاف التفاسير بأختلاف كتب التوراة وألآناجيل يقع في أشكالية معرفية لايحسد عليها , ومن يقول : أن رسول الله “ص” لم يفسر القرأن وأنما فسره عبدالله بن عباس هو ألآخر يكشف عن عدم معرفة بمواكبة حركة التفسير التي كان يقودها رسول الله “ص” الذي كان يراجعه جبرئيل في كل أية , وفي كل حزب وجزء وسورة , ومع وجود العترة النبوية التي أفاضت علينا كل ماللقرأن من تفسير وهم الذرية الصالحة التي أمتدت الى سنة 260 هجرية , وأختتمت بألآمام المهدي المنتظر الذي شاءت حكمة الله ولطفه أن يكون ممكنا له في ألآرض كما مكن لذي القرنين , وأعطي من طول العمر كما أعطي نوح نبي الله وليس ذلك على الله بعسير , ولكن المشكلة تكمن في عقول أعتادت أن تقيس ألآمور على قياسها الذي يرى الظاهر ولايعرف الباطن , ولكل شيئ ظاهر وباطن , ولذلك قال تعالى ” هو ألآول وألآخر والظاهر والباطن ..”
وظاهر مايسمى بعيد الحب هو السعي نحو الفرح وهو أمر حسن ولكنه فرح غير حقيقي لآنه ليس نابعا من توجهات خالصة يتحقق فيها معنى الحب الحقيقي وهو حب الخالق “الله ” ومنه تتفرع أغصان شجرة الحب التي أصلها في ألآرض وفرعها في السماء , وألآرض والشجر والسماء مخلوقة لله وحده لايشاركه أحد , فالحب الحقيقي والخالص هو حب المخلوق للخالق , وعندما ننطلق من ينبوع ذلك الحب يمكننا أن نعطي لحبنا معنى ونعطي لمن نحب هيبة وأحتراما يعزز وجوده , لكن وجود الفرح غير الحقيقي الذي كرست له مهرجانات صاخبة بالغناء وهو تدليك للعواطف وتحريك للغرائز التي تجعل من هرمونات الجسم وكيمياء الدم تظهر ألآنفعال والحركات ألآأرادية التي تقترب من هستيريا فقدان الشعور الى ألآشعور كالثمل الذي قال عنه الشاعر :-
شربت ألآثم حتى ظل عقلي .. وأن ألآثم تذهب بالعقول
والفلاسفة يقولون : أذا سقط العقل سقط مادونه , لآن العقل هو ألآرادة الذاتية للآنسان , والشرع هو ألآرادة الخارجية , وبمعنى أخر أن العقل هو العين , والشرع هو الشعاع المنعكس الذي تراه العين , فأذا أختفى الشعاع لم تر العين شيئا , وأذا أنعدمت العين لم ير الشعاع , وهذا التلازم بين الشرع والعقل اليه أشار رسول الله “ص” عندما قال “ص” : لله على الخلق حجتان : حجة ظاهرة هي أنزال الكتب وأرسال الرسل , وحجة باطنة وهي العقل , وهذه علاقة تكاملية .
ومايسمى بعيد الحب لو كان الداعون اليه قد أخذوا بالعلاقة التكاملية مابين الشرع والعقل لسموه بعيد ” المحبة ” وليس بعيد الحب , لآن كلمة ” الحب ” أصبحت تحمل تراكمات سلوكية كما مرمعنا في أشعار أهل ” العشق ” و ” الغرام ” بحيث أصبحت كلمة ” الحب ” شبهة لاتسلم منها الفتاة العفيفة ولا الشاب العفيف المتزن , ولذلك منعت الشريعة ألآسلامية كما في ألآية “235 ” من سورة البقرة- منعت ” المواعيد السرية أو اللقاء في الخفاء بين الفتى والفتاة حرصا على الفتاة ومستقبلها , وأستثنت الشريعة ” اللقاءات التي يكون فيها الكلام بالمعروف , والقول المعروف هو كلام طيب لايجلب شبهة , ولايخدش سمعة مما يجعل علنه مقبولا لآسر الطرفين وللمجتمع وبهذا المستوى تمضي الخطبة صحيحة سليمة حتى يبلغ الكتاب أجله فتتم عقدة النكاح المسبوقة بما يكنه الفتى والفتاة في نفسيهما , وهذا ألآكنان وأن لم يعلمه ألآهل والمعارف وألآصدقاء , ولكن الله يعلمه ” يعلم خائنة ألآعين وماتخفي الصدور ” فنحن أمام مرجعية كونية تعلم هل أن عيد الحب هذا الذي يحاول البعض أشاعته وفرضه على المجتمع بدون أستحقاق جدير به وبدون ظرف مناسب , وهذا العمل ماهو ألآ محاولة جديدة لآستدراج الشباب الى فوضى هرمونات الجسد التي تعصف بجوانح الشعور وجوارح ألآعضاء بحيث لايمكن السيطرة على النتائج , ولا يسلم من هذا ألآغراء ألآ من سلم قلبه وكمل عقله ومثاله يوسف الصديق النبي “ع” الذي رأى برهان بصفاء روحه وتوهج عقله , وتلك أمثلة منها تعرف القدوة الحسنة التي ضربت المثال الناصع والعبرة الصادقة , فأعطت لزليخة زوجة العزيز التي شغفها حب ” عشق ” يوسف وهو أجمل أبناء أدم من الرجال , ولكنها تحولت بفعل أستقامة ” يوسف ” وصدقه مع ربه ومع الناس , وأخلاصه لعقيدته , مما جعل زليخة تتحول من عاشقة للجمال البشري الزائل , الى عاشقة ومحبة لجمال الخالق “الله ” والى عظيم مشيئته وتفوق قدرته التي أرجعتها من عجوز شمطاء خائرة القوى ذابلة البشرة , فاقدة البصر , الى فتاة تسترجع بصرها ونظارتها ووسامتها بقدرة الله القادر على كل شيئ , ومن هنا أنطلق شلال الحب الوجودي الهادر في نفس زليخة العائدة للحياة بمعنى جديد وفهم جديد وحب جديد , وهذا مانريده لشبابنا وفتياتنا أن نجعل من هذه المناسبة عيدا ” للمحبة ” وليس للحب المحمل بالشبهات , فالمحبة للجميع هو مشروع حضاري تنموي ينعكس على الطفل والمرأة والرجل , كما ينعكس على من يعيشون معنا من حيوانات ونباتات حتى تتكامل الحياة على قاعدة ” ولو أن أهل القرى أمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء” وبركات السماء معروفة بخيرها ونفعها , وعندئذ يكون عيد ” المحبة ” بلا شبهات , وبلا أنقسامات , وبلا صراع ومعارك أدناها غسل العار أو زواج الشغار , حيث تكون المرأة دائما هي الضحية , فالى الذين يهللون ويطبلون لمايسمى بعيد ” الحب ” من فضائيات وأذاعات , ومنظمات , وصحف , ومجلات , وندوات ولقاءات تعقد بالسر والخفاء , عليكم مراجعة ماتدعون اليه , فأنه ليس له دعوة من عقل ودين , ولا سابقة تمتلك اليقين , وأعلموا أنكم ستغرقون أنفسكم ومجتمعكم بللج وأمواج تغرق السفين وتميت ألآصيل من الحنين , وتبعث الكراهية في نفوس ألآدميين عندما يجدوا السفاد مشاعا , والبلاء واقعا في كل حين.