تتدهور الأوضاع في سوريا والعراق بصورة سريعة ومخيفة، ولا أحد يستطيع إيقاف عجلة الدمار والخراب التي تدهم البلدين في المنطقة، وكأن العالم يريد أن يعاقبهما بسبب سجلهما التاريخي الأسود المليء بالقتل والفساد والإبادة الجماعية، نظام الحكم في البلدين ينهل من المعين العروبي الراديكالي الذي فرض نفسه بالقوة عن طريق انقلاب عسكري دموي، وهو لا يختلف كثيرا عن السياسة التي تتبعها التنظيمات الإسلامية الإرهابية في قمع الناس وإرضاخهم لتوجهاتها الفكرية، وفي مقدمتها تنظيم «داعش» الذي يقوده ويشرف عليه قادة وضباط مخابرات بعثيون عراقيون وسوريون، وبسقوط نظام البعث العراقي عام 2003 لم يبق للفكر العروبي المتشدد أي وجود يذكر في الساحة السياسية العربية، ولم يستطع «بشار الأسد» أن يحافظ على خط والده العروبي (الدعائي الشعاراتي)، وتحول إلى الفكر الطائفي، وبدأ يعمل بهذا الاتجاه، ولو أنني أرى أن فكرة العروبة والبعث التي كان يدعو إليها «حافظ الأسد» نفسه قد تأثرت بالفكر الطائفي الذي جاء به «الخميني» عام 1979 كدستور لإيران بعد الإطاحة بالشاه، وتجسد هذا التأثر بوقوفه مع إيران «الفارسية «ضد العراق «العروبي» طوال ثماني سنوات من حربهما الدائرة، وهذا الترابط الطائفي ما زال قائما بين إيران ونظام بشار الأسد لغاية اليوم، وما دفاع إيران المستميت عن النظام المنبوذ داخليا وخارجيا اليوم، ومساعدته بكل إمكانياتها المادية والمعنوية في ظل الحصار الدولي المفروض عليها نتيجة ملفها النووي، إلا دليل على متانة هذه العلاقة «الطائفية «التي تمتد إلى زمن الأسد الأب، وبعد أن قرر الشعب السوري أن يغير نظام حكمه العروبي الزائف، ويقيم نظاما ديمقراطيا وطنيا حقيقيا، بعيدا عن سياسة التبعية لإيران، قام بارتكاب أبشع الجرائم بحق المنتفضين وقتل منهم أكثر من «200» ألف سوري وبمساعدة مباشرة وقوية من الحليفة إيران التي تعاملت مع سوريا وكأنها محافظة من محافظاتها، أو ولاية من ولاياتها، وكأن الجيش العربي السوري تابع لفيلق القدس الإيراني برئاسة الجنرال «قاسم سليماني» كما هو الحال أيضا مع حليفها الآخر (العراق).. فالبلدان المهمان اللذان يشكلان الثقل الاستراتيجي في المنطقة خاضعان تماما لممثل ولي الفقيه «السليماني» ولا سلطة تفوق سلطته..
كان من المفترض والمؤمل بعد القضاء على نظام «صدام حسين» أن يعقبه نظام ديمقراطي يحتكم إلى القانون والهدوء والسلام لفترة من الزمن تلتقط فيها شعوب المنطقة والشعوب العراقية بشكل خاص أنفاسها قليلا وتلملم شتاتها وتنهض وتسير وفق مبادئ الدستور التي صوت عليها 80% من العراقيين، ولكن الأمور سارت بعكس ما توقعها المحللون، حيث أطل العنف برأسه من جديد من خلال الميليشيات المسلحة التي تشكلت على أساس طائفي، وكان لوجود «نوري المالكي» المعروف بتوجهه الطائفي على رأس السلطة في العراق دور كبير في تشكيل هذه الميليشيات وتوجيهها لتأزيم الأوضاع أكثر، فهو لم يسهم بتشكيل الميليشيات الشيعية ودعمها وتقويتها فحسب، بل دفع بالمكون السني أيضا نحو إنشاء ميليشيات خاصة به أو الانخراط في تنظيمات إرهابية مثل تنظيم «داعش» للدفاع عن نفسه ومنطقته ضد عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها الميليشيات الشيعية ضد أبنائه.
ولا شك أن تعنت «بشار الأسد» وإصراره على البقاء في السلطة رغم أنف الشعب وإرادته والاستعانة بإيران والميليشيات الشيعية لمجابهته، كانت عاملا أساسيا آخر دفع بالمجاميع المسلحة السنية والتنظيمات الإرهابية العالمية في تقاطرها إلى سوريا للمشاركة في الحرب الطائفية الدائرة هناك، والتي سرعان ما توسعت رقعتها لتشمل العراق واليمن وربما تتسع أكثر لتشمل المنطقة بأسرها..
وقد أدرك السيناتور الأمريكي «جون ماكين» رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ حقيقة العلاقة الجدلية التي تربط «بشار الأسد» بتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق، لذلك طالب حكومته بتبني موقف واضح وصريح ضد النظام السوري قبل أن تتفرغ لهذا التنظيم وتقضي عليه، لأن وجود كلا الطرفين مرتبط بالآخر، فإذا كان «المالكي» – وهو أحد مهندسي الصراع الطائفي في المنطقة، وأحد أضلاع محور الشر الثلاثة في المنطقة الذي أشعل أول شرارة الفتنة الطائفية – قد سقط فلا بد من القضاء على الضلع الآخر المتمثل بالنظام المجرم قبل إزالة الضلع الآخر.. الإرهابي!!