منذ فترة وانا ابحث عن سبب تفوق الشعب اليهودي على بقية الشعوب وخاصة المسلمين بعيدا عن القضايا الدينية والسياسية. فاذا قرأت التاريخ تجد انه رغم قلة عددهم وتشتتهم الا ان لهم دورا بارزا في الانجازات العلمية و صناعة الاحداث سواء كان ايجابيا او سلبيا .وإذا ركزنا على القرنين الماضيين نجد بان غالبية العلماء والمخترعين هم من اليهود الذين أثروا التاريخ البشري والحضارة الانسانية. وهنا يجدر القول بأننا لانتحدث عن العقيدة اليهودية ولكن عن الفطنة اليهودية وذكاءهم.
عدد اليهود في العالم يتراوح بين 13- 14 مليون نسمة وهم مشتتون في كثير من الدول وفي مختلف القارات (اسيا ،اوروبا ،امريكا وافريقيا ) بينما المسلمون مليار و 600 مليون نسمة يعني ان كل يهودي يقابله ما يقارب 107 مسلم. رغم ذلك فإن غالبية المخترعين والذين لهم الاثر الاكبر في بناء الحضارة والتغييرهم من اليهود رغم قلة عدد سكانهم بالمقارنة مع المسلمين.
على سبيل المثال خلال القرن الماضي حصل علماء اليهود على ١٨٠ جائزة نوبل (رغم تحفظنا على المعايير التي اعتمدت في منحها) بينما المسلمين حصلوا على ثلاثة جوائز فقط . اكثر من ذلك صاحب النظرية النسبية البرت اينشتاين و سيغموند فرويد مؤسس علم التحليل النفسي و الفيلسوف كارل ماركس وفريدمان كلهم من اليهود وعشرات العلماء الكبار الاخرين …… واصحاب جوجل و ستاربكس وامازون وبولو و كوكاكولا و مؤسس هوليوود….. يهود و حاصل اكبر رقم قياسي في ( (IQ Test او اختبار الذكاء (وليام جيمس سيميس) هو يهودي أيضا هل هذه صدفة ؟ (لا أعتقد ذلك)!!
لا بد ان نلاحظ ان قسم كبير من علماء اليهود إما غير متدينين او لا دينيين ما يعني لا علاقة لهذا الدهاء بالديانة اليهودية. ونعلم جيدا ان كثير من البنوك والماركات و السينما والتجارة العالمية وايضا الاقتصاد والاعلام العالمي تكاد تكون يتحكم فيها اليهود بشكل جوهري فضلا عن ذلك فإن اليهود لهم الاثر الاكبر في صنع ((السياسة الدولية)) ولكن لاأحد يسأل كيف بهولاء الاقلية السكانية ان يقوموا بهذا الكم الهائل من الانجازات والطفرة العلمية والمادية. قسم من الناس (غير اليهود) كعادتهم يرجعون السبب الى انهم خبيثون او بخلاء او …. وكأن بقية الناس ملائكة لايفعلون مثل اليهود إذا سنحت لهم الفرصة وان سخاء الاخرين كبيرة جدا الى درجة تكاد لاتوصف!! لذلك عند التحليل يستوجب علينا ان نكون حياديين وواقعيين بعيدا عن التأثيرات التي ربما يبعدنا عن تفسير منطقي ومنصف للمسألة.
يمكننا القول ان هناك عدة اسباب وراء ذلك التميز الذكائي والعبقري لليهود بالمقارنة مع بقية الشعوب والمسلمين على وجه الخصوص وهذه أهمها:
أولا: أعتقد أن هذا التفوق تتعلق بالجينات “وراثية” بالدرجة الاولى (يعني اليهود وخاصة (يهود أشكناز) دهاة و عباقرة بالفطرة وهذه هبة من الله سبحانه) . ولانهم لا يقبلون افرادا من بقية الاعراق والاجناس للدخول الى ديانتهم وجنسهم فيبقى جيناتهم محصورا فيما بينهم الى حد ما (تعتبر يهود أشكناز الاكثر تميزا من باقي اليهود انفسهم). وهناك إشارة واضحة من القران الكريم بأن الله فضلهم على العالمين (لاسيما في بدايتهم) وأيضا إعطاء صفة العلم لهم حيث بشرت الملائكة في القران الكريم إبراهيم عليه السلام بغلام حليم’ في شأن البشرى بولادة إسماعيل يقول الله تعالى :} فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ } [الصافات: 101[ أي أن صفة إسماعيل المميزة أنه (حليم) و إسماعيل هو جد العرب. ثم بشرته بغلام عليم وهو إسحاق ومن ورائه يعقوب (إسرائيل) ويقول سبحانه في شأن البشرى بولادة إسحاق { وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } [الذاريات: 28[ وفي اية اخرى }قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ{ ]الحجر: 53[ أي أن صفة إسحاق المميزة هو أنه (عليم(. وإسحاق هو جد بني إسرائيل (اليهود) .
و هنا رب سائل يسأل؟ ان غالبية العلماء اليهود الذين اثروا على الحضارة الانسانية هم من اوروبا الغربية ما يعني ان سبب العبقرية تعود الى المنطقة والبيئة والثقافة التي عاشوا فيها وبالتالي هي التي اعطت هذه العقول الجبارة لان نفس اليهود في الشرق لم يكن لهم هذا الدور الفعال مثلهم . يمكنني القول ان للبيئة الثقافية والحرية و …. دور هام في صناعة العقول ولكن علينا ان لاننسى ان في اوروبا الغربية عربا و مسلمين وهندوس و بوذيين اكثر من اليهود من حيث عدد السكان ورغم ذلك لم يعطوا الاختراعات والعبقرية مثلما اعطى اليهود.
ثانيا: لا شك ان إهتمام اليهود للعلم والمعرفة وإعطاء الوقت الاكبر للتعليم والتعلم وإنتاج المعرفة ونشره والابداع وتخصيص (ميزانية سخية للبحث والتجارب العلمية) سبب اخر لتقدمهم. في حين ان المسلمين والعرب لايحترمون الوقت ولا يقرأون ولايبحثون الا قليلا. و الميزانية المخصصة للبحوث والتجارب العلمية تكاد تكون (مخجلة) في الدول العربية والاسلامية.
فعلى سبيل المثال , في العالم الإسلامي كله، هناك 500 جامعة فقط. بينما في الولايات المتحدة الأمريكية هناك 5758 جامعة! وفي الهند هناك 8407 جامعة! لا توجد جامعة إسلامية واحدة في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم. ولكن هناك 6 جامعات إسرائيلية في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم.
ثالثا: من الواضح ان في قوة وسلامة الحالة النفسية دور فعال في تكوين الشخصية المبدعة والمثمرة . إذا ركزنا على الجانب النفسي للشخصية اليهودية نجد انهم يؤمنون وبشكل مطلق انهم شعب الله المختار , فالطفل منذ صغره عندهم يكبر بترديد هذه العبارة (في البيت والمدرسة و..) من انهم شعب مميز وافضل من الاخرين و مختارون من السماء من رب العالمين لكي يبنوا الارض ويعمروها مما يعطي أثرا قويا على ثقتهم بذاتهم , إضافة الى ترسيخ شعورالتقليل من شأن الاخرين. هذا الايحاء النفسي له تأثير قوي جدا في تكوين الشخصية الناجحة كما تحدث عنها الدكتور علي الوردي في كتابه خوارق اللاشعور( اسرار الشخصية الناجحة). فعلى سبيل المثال الشخص الذي يوحي لنفسه ايحاءا ذاتيا من انه قوي ويرددها فيصبح قويا او على الاقل يتصرف كذلك وبالعكس الشخص الذي يردد انه ضعيف كإيحاء ذاتي فيصبح بالفعل ضعيفا وقس على ذلك على بقية الصفات كالذكاء.
ونقول عودا على البدء ان كل ماذكرناه سابقا لا يعني ان اليهود عباقرة وغيرهم اغبياء ولايستطيعون الابداع والتطور. بل بالعكس إذا عاد المسلمين الى القراءة والمعرفة وانتاجها ونشرها واحترموا الوقت ستحدث تغيير حقيقي وجذري كما كان في السابق من حضارات كبيرة كالاندلس. ولكن هذا لايمنعنا من معرفة وفهم لغزانجازات اليهود الكبيرة والواضحة مع قلة عددهم وتشتتهم في العالم, علما بأنهم غير محبوبين من قبل كثير من المجتمعات في العالم وبالرغم من ذلك استطاعوا ان ياتوا بهذه الطفرات العلمية الكبيرة.