مازال المواطن يواجه شتى المصاعب والعقبات التي يضعها أمامه – من دون حياء او خجل – صغار الموظفين من المرتشين، وحتى حين يراجع المواطن المحاكم يكتشف أن الفساد قد نخر هذا المفصل الخطير من مفاصل الدولة، ويضطر مكرهاً إلى دفع الرشوة.
قضية عجيبة لا تنتهي إذ إن الموظف المرتشي يطلب مبالغ كبيرة وكأنه صاحب الفضل على المواطن في انجاز معاملته، في حين انه يتقاضى راتبا تجاه تقديم هذه الخدمة وله امتيازات كبيرة والمفروض انه يخضع لقانون ويحاسب اذا قصر تجاه وظيفته.
ورغم وجود السلطة القضائية التي تنظم العمل فيما يتعلق بشؤون الدولة والمواطن، نجد أن هناك محاكم كثيرة لا تفعّل القوانين الخاصة بسير العمل، حتى ان بعض القضاة يغادرون المحاكم مبكرا وقبل انتهاء الدوام الرسمي لتلك المحاكم.
ويتربص البعض من هؤلاء الموظفين بالمواطنين المراجعين ويبتزونهم وخاصة في شعب المخازن والقلم والتنفيذ، وأخرهم (المعتمد) او المبلغ الذي لا يقبل إلا بـ(الورقة الحمراء) لغرض إرسال الكتاب الى بقية الدوائر ويقول لك (سوف اذهب بالتاكسي وشلون ارجع) والعقبة الكبيرة انك لا تواجه المعتمد والسبب هو خروجه لغرض ايصال الكتب الى بقية الدوائر مبكرا، وهنا يطالبك موظف (المخزن) بدفع مبلغ انجاز كتاب صحة الصدور ومبلغ آخر يحدده هو للمعتمد.
وقد حدثني احد المرجعين لقصر العدالة في الرصافة قائلا: جلبت كتابا الى محكمة البداءة من دائرة التسجيل العقاري في الرصافة وقد ساومني بعض الموظفين بحجة صعوبة العثور على ملف هذه الدعوى على الرغم من ان التاريخ قريب وقيل لي: ( لعّب ايدك)، وبعد المماطلة قالوا لي ان المعتمد خرج وعليك المجيء غدا. قلت له: ولماذا احضر المعتمد سيقوم بإيصال الكتاب. قالوا بتذمر: اذهب ونحن نسلمه الى المعتمد. واتضح قيامهم بإهمال الكتاب وعدم تسليمه الى المعتمد بعد مرور ايام طويلة بسبب امتناعي عن دفع المقسوم.
هذه واحده من مئات القضايا من هموم ومعاناة المراجعين لدوائر المحاكم ولا نعلم هل ان مجلس القضاء الأعلى عاجز عن دفع مبالغ الى المعتمد او توفير دراجة النارية لغرض التخفيف عن المواطن وتخفيف النفقات المالية عن الدائرة.
والمفارقة المضحكة ان يتعرض المواطن للابتزاز ودفع الرشوة داخل دوائر مجلس القضاء الأعلى وفي قصور المحاكم وهي التي تقضي بين الناس وتنصف المتضرر وتحاسب المسيء وتعد صرحا قانونيا وتمثل هيبة الدولة والسلطة الاولى وحين نزور تلك الأماكن يراودنا الاعتزاز والفخر وهي تحكم بالعدل والإنصاف وتردع المجرمين.
لكن البعض من الموظفين المرتشين يسيء الى سمعة المحاكم وينبغي تغيير ثقافة (التغليس) واللامبالاة التي كانت سائدة لعقود طويلة قبل التغيير سنة 2003، ويجب أن تختفي هذه الظواهر السلبية التي كانت منتشرة قبل ذلك، فلا يجوز ونحن نؤسس لعراق جديد أن تتمدد هذه الظواهر غير الطبيعة.. ويجب أيضاً أن يشعر المواطن بانه حقق ثمرة وثورة الديمقراطية حين يذهب الى صناديق الانتخابات.. ويجب ان تختفي الثقافة القديمة التي كانت سائدة في الحقبة المظلمة من الإهمال وعدم المراقبة يجب أن تزول تماماً في ظل بناء الدولة العصرية التي تحترم حقوق الانسان.
ومن الظواهر السلبية أيضاً اننا لا نجد رئيس محكمة يقوم بالمرور على أروقة المحكمة التي يعمل بها، ويكتفي بالجلوس في مكتبه ولا يخرج لمتابعة سير العمل.. وهذه الصور من عدم الاهتمام والمتابعة والتوجيه لابد أن تزول وتختفي ولابد أن تكون المحاكم قدوة حسنة لباقي جهات الدولة، وقانون السلطة القضائية الأولى أن يتم تفعيله لأن القائمين عليه هم من يبحثون عن تحقيق العدالة، لتحقيق المصلحة المبتغاة التي وضعها المشرع.
واخيراً نقول: لا تليق بسمعة وتاريخ ونزاهة القضاء العراقي تلك الصورة السوداء التي تعكسها تصرفات بعض صغار المرتشين في تلك القصور القضائية.. ونتمنى أن يضع المسؤولون في مجلس القضاء الأعلى الحلول السريعة والناجعة ومحاسبة المقصرين في دوائر التنفيذ والمخزن والقلم والمعتمد، من اجل عراقنا الحبيب وإنصافا للمواطن الذي أتعبته وأنهكته ظروف البلد القاهرة واستغلال ضعاف النفوس.