18 ديسمبر، 2024 11:15 م

الكابوس الشيعي / وجهة نظر اسرائيلية

الكابوس الشيعي / وجهة نظر اسرائيلية

الكتاب الذي نحن بصدد قراءته، يضم مجموعة البحوث التي شاركت في المؤتمر السنوي الحادي عشر الذي نظمه (مركز البيني في هرتسيليا- كلية لورد للحكم والدبلوماسية والاستراتيجيا، معهد السياسة والاستراتيجيا، اسرائيل). والبحوث اغلبها كرست للراهن/ الآتي الشيعي مع تركيز لدراسة الفكر الشيعي وحركاته الدينية والسياسية، وبخاصة حزب الله اللبناني وموقعها من الآخر المختلف مذهبياً، وموقف هذا الاخير منها. ولخطورة ما طرح في هذه الابحاث تم ترجمة اغلبها من قبل مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية في بيروت، لتعريف المثقف واطلاع السياسي والمهتم في منطقتنا العربية والاسلامية على ما يفكر به مسؤولوا وقادة وباحثوا اسرائيل المختصون بشؤون العالم العربي والاسلامي تحديداً، وما يخططون له على المستويين المتوسط والبعيد المدى من اجل دفع الاخطار المحدقة حول كيانهم الغاصب عبر تفتيت المنطقة المعادية لهم، وضرب مقومات صمودها من الداخل. كما نشهد في سوريا والعراق او عبر محاولات ركوب موجة الاصلاح والديمقراطية التي تعم بعض الاقطار العربية بهدف استيعابها او القضاء على اهدافها الحقيقية، وذلك بهدف ضمان أمن ومصالح اسرائيل وداعميها الغربيين لعقود اخرى.

مؤتمر هرتسيليا هذا، عقد وسط تحولات عربية واقليمية ودولية خطيرة جعلت القيادات والنخب في اسرائيل في اعلى درجات القلق على مصير كيانهم، ما دفعها لاعداد قراءات عاجلة ولكن معمقة لهذه التحولات التي تشمل ما سمي بثورات الربيع العربي، وانجاز الاندحار الامريكي من العراق، الى تنامي قدرات ايران على كافة المستويات، مع فشل كل العقوبات والضغوط عليها لوقف برنامجها النووي وصولاً الى تصاعد الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية في بلدان الغرب الداعم منذ عقود ومن دون حدود للعدوانات الاسرائيلية ولكل تجاوزات اسرائيل لما يسمى قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، ما اجبرها خاصة بعد هزائمها المدوية في لبنان وفلسطين على اعادة نظر جذرية بسياساتها او استراتيجياتها تجاه محيطها العربي والاسلامي تحديداً، وتجاه العالم عموماً بما يؤمن لها قدراً معيناً من التماسك امام المد الاسلامي والمقاوم والرافض لهذا الكيان وجوداً وممارسات وسياسات.

ركزت معظم الدراسات المعدة من قبل خبراء ومختصين صهاينة على موقعية حزب الله في الواقع الشيعي والاسلامي وخاصة علاقته مع الحركات الاسلامية السنية المعتدلة او المتطرفة في سياق هدف اسرائيلي معروف، وهو ضرب الحركات ببعضها البعض لاضعافها والحد من خطرها على الكيان الاسرائيلي وتحديداً الحركات المقاومة وليس الارهابية عبر تظهير الفوارق والخلافات المذهبية او الفكرية او السياسية فيما بينها، لتحويلها الى مصادر للنزاع الدموي البغيض والذي نشهد بعض فصوله المؤسفة في العراق وسوريا.

ولا يخفى على اي باحث موضوعي مقدار التشويه المتعمد في الابحاث او القراءات الواردة ضمن محور حزب الله والحركات الاسلامية لطروحات او سياسات حزب الله وغيره من الحركات الاسلامية حتى تلك التي لا تمارس افعالاً ميدانية مباشرة ضد كيان الاحتلال الاسرائيلي.

* حزب الله

اسم حزب الله مستوحى من القرآن الكريم، وعلى العموم، يتبنى حزب الله ايديولوجية اسلامية متأثرة بالرؤية الشيعية الدينية الثورية التي كان يحملها إباء الثورة الاسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني وبالدرجة الاولى يعبر عن ذلك بالقبول بالخليفة علي (مؤسس تيار الشيعة الامامية) والائمة الاحد عشر من ذريته كورثة حصريين للنبي محمد وبالتالي كقادة للامة الاسلامية.

وفي بيانه الايديولوجي المنشور بتاريخ 16/ 2/ 1985، تحت عنوان (رسالة مفتوحة الى المستضعفين في لبنان والعالم) يتبنى حزب الله الفكرة المبتكرة التي طرحتها الثورة الاسلامية حول ولاية الفقيه وهي الولادة المستمدة من وضع الامام علي كوريث للنبي محمد في التراث الشيعي. ومن بيانه المذكور يؤكد حزب الله ايضاً ولاءه لايران ولقائدها الاعلى الخميني الولي الفقيه.

يولي حزب الله اهمية كذلك للايديولوجيا الدينية والسياسية التي بلورها منذ تأسيسه عام 1983، والحقيقة ان الحزب ينظر الى الايديولوجيا على انها الاساس لوجوده والقوة الدافعة لميليشيا المقاومة التي شكلها في لبنان. وبنظر الحزب (الايديولوجيا تعادل السلاح) ولذلك يرفع الحزب شعاره القائل، بان الايمان هو ضمان الانتصار وبدون الايمان سوف يفشل في تحقيق اهدافه المنشورة. ويبدو ان الخلفية المحلية والاقليمية وراء صياغة ايديولوجية حزب الله كانت قائمة على عدد من العوامل الاساسية:

1- الدور الايراني ازاء المصلحة اللبنانية المحلية، تم تأسيس حزب الله كذراع استراتيجية طويلة لايران في قلب العالم العربي عموماً وفي لبنان على وجه الخصوص، ومع الوقت، بالاضافة الى دوره كميليشيا تحول حزب الله ايضا الى قوة لبنانية شيعية حقيقية بالمعنيين السياسي والاجتماعي.

2- التنافس مع قدماء الحلبة السياسية اللبنانية، من الواضح ان حزب الله مستجد نسبياً كحركة سياسية في المشهد السياسي اللبناني المتنوع. وقد وجدت قيادة الحزب نفسها مضطرة للتنافس مع انداد سياسيين من الطوائف السنية والشيعية والمسيحية.

3- التعددية السياسية في لبنان. ان تنوع النظام السياسي في لبنان صعب على اي لاعب سياسي جديد البروز كقوة تحمل رسالة تجديدية، ولذلك كان مؤسسوا حزب الله في ايران ولبنان بحاجة الى توكيد صريح وعلني لفرادة ايديولوجية حزب الله وطبيعتها الثورية، في هذا المشهد السياسي التعددي.

4- الصراع بين نفوذ الثورة الاسلامية وتعددية المصالح اللبنانية. لانه تبنى مبدئياً ايديولوجية اسلامية شاملة بوحي ايراني، ودعت هذه الايولوجيا الى اقامة دولة في لبنان على اساس الشريعة الاسلامية. وبحسب هذه الايديولوجية يكون مركز هذه الدولة في ايران ويكون حاكمها الولي الفقيه.

5- التناقض الظاهري الايديولوجي بين تمثيل المصالح اللبنانية وخدمة المصالح الاجنبية. تتسم ايديولوجيا حزب الله بتناقض سياسي هو من الاسباب الرئيسية وراء المأساة اللبنانية، فمن جهة يدعي الحزب انه يمثل الطموحات الخاصة للشعب اللبناني في مواجهة اسرائيل وامريكا والغرب ازاء العالم العربي، وهو يبرر استمرار وجود تشكيلاته الميليشياوية بالحاجة الى الدفاع عن لبنان. ومن جهة ثانية يعمل حزب الله في خدمة دولتين رئيسيتين اثنتين في المنطقة، وهما ايران وسوريا من اجل تنفيذ الاجندة الاقليمية وحتى العالمية لهاتين الدولتين.

6- الاستقلالية الكاملة التي يريدها حزب الله في ممارسة المقاومة، هي قيمة عليا في ايديولوجيته.

من الواضح ان مفهوم الولي الفقيه الذي طوره خميني وطبقته ايران قد أثر في الايديولوجيا التي يحملها حزب الله، اذ ان حزب الله ينظر الى هذه الفكرة على انها نموذج مثالي للقيادة في حيز ادارة الدولة، وكذلك يعتبر الحزب ان القبول بوجهة النظر هذه يجسد التزاماً بجوهر الثورة الاسلامية واعلاناً للولاء المطلق لقائد ايران الذي يمثل بشخصه وعلمه وفقهه الديني شخصية الولي الفقيه، وعلى هذه الخلفية رسخ الحزب فكرة ولاية الفقيه في المنظومة الاعلامية والتلقينية التي يديرها، اي في شبكة الدراسات والدورات التي يخضع لها عناصره.

يتضح، ان ايديولوجيا حزب الله بمكوناتها المختلفة لا تشكل نهجاً سياسياً ومجموعة من الرؤى الدينية الاصولية فحسب بل هي كذلك اداة رئيسية يستخدمها الحزب في بناء قاعدة تأييد شعبي واسعة النظاق وسط السكان الشيعة، ومن بعض النواحي تهدف هذه الايديولوجيا ايضاً الى بناء الجسور بين حزب الله وبين الجماعات الطائفيىة المختلفة في لبنان، وذلك بغية استقطاب تأييدها لرؤاه السياسية او لمنعها من اتخاذ مواقف معارضة له على الاقل، ويتم الاستخدام العملي للايديولوجيا من قبل المتشددين من ابناء المجتمع الشيعي.

* حزب الله وولاية الفقيه

من مميزات العالم المسلم الشيعي تعدد المرجعيات الدينية، ويحق للمؤمن الشيعي ان يختار مرجعاً معيناً ويتبع فتاواه، ويرجع اليه في المسائل المتعلقة بالشرع الاسلامي واحياناً يختار المؤمن مرجعاً دينياً من خارج بلده، اي ان المؤمن العراقي او اللبناني يستطيع ان يقلد مرجعاً دينياً ايرانياً، على سبيل المثال والعكس كذلك.

لكن لاسباب تتعلق بالانتماء القومي او بملائمة الظروف او بسهولة الوصول الى الفتاوى، يفضل معظم الشيعة اختيار مراجع دين محليين يعيشون في البلد نفسه او على مقربة منهم.

ان ولاء حزب الله المطلق لفكرة ولاية الفقيه التي تجعله خاضعاً لسلطة شخصية غير لبنانية (القائد الايراني) كان وما يزال العنصر الرئيسي في حياة الحزب.

* القائد في الحياة الشيعية

في الحياة السياسية والاجتماعية للمجتمع والدولة عند الشيعة الاثني عشرية يحتل القائد موقعاً مركزياً مرموقاً. وقد غدا هذا الموقع حاسماً في ظل الثورة الاسلامية التي قام بها خميني في ايران، وفي الحقيقة يمثل القائد المحور الرئيسي الذي يتمحور حوله مجتمع الشيعة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

ولقد كانت هناك احداث أليمة تزامنت مع تأسيس المذهب الشيعي على يد الامام علي، ومن جملة الاحداث مقتل الامام علي وابنه الحسين والاحساس العميق بالتميز لدى اتباعه نتيجة لحرمان الاخير من الحكم الاسلامي من قبل الحكومة الأموية السنية وقبل ذلك حتى من قبل الخلفاء الثلاثة الاوائل، وبحسب العرف الشيعي لم يكن هناك احد مؤهل لخلافة النبي غير الامام علي وذريته من فاطمة بنت النبي محمد.

ولقد تولدت هذه القناعة عند الشيعة نتيجة لاعتقادهم بأن تنصيب الامام علي كخلف للنبي تم بموجب أمر الهي نفذه النبي عندما سّمى علي خلفاً له امام حشد كبير من المسلمين.

ونستطيع القول، ان الايمان بالقائد الشيعي (الامام المسمى من ذرية علي) وتطبيق مبدأ القيادة عند الشيعة، شكل العامل الرئيسي في حفظ وجود الشيعة وتوحدهم في كل التيارات وقدرتهم على مواجهة المعسكر السني الذي قام ضدهم بكل قوته وعلى امتداد العالم الاسلامي، وحتى مع زوال سلالة الائمة باختفاء الامام الثاني عشر (الغائب) وجد حل جزئي مؤقت لمشكلة الفراغ القيادي تمثل في تسمية نائب الامام الغائب الذي سيحكم حتى ظهور الامام, واثناء الغيبة الصغرى كان هناك اربعة نواب. ثم في الغيبة الكبرى صدرت فتاوى قضت بأن يمثل الامام الغائب مراجع دين باروزن، وعلى الرغم من الاحكام التي قضت بتفويض السلطات الدينية للقيام بكل واجبات الامام الدينية والمدنية، الا ان أياً من هذه الاحكام لم يوضع موضع التنفيذ.

* الجهاد العالمي حيال العقيدة الشيعية

يكرس منظروا الحركة السلفية الجهادية جزءاً معتبراً من تفكيرهم للشيعة الامامية الاثني عشرية ومعتقداتهم ومسلكهم التاريخي والمستقبلي وموقفهم من السنة والمكانة التي يحتلونها في المرحلة الراهنة، ويعاين هؤلاء المنظرون العقيدة الشيعية من المنظورية الدينية على انها عقيدة شرك ومروق من الدين، ومن المنظورية السياسية الاستراتيجية على انها عقيدة اعداء ألداء للاسلام السني الى جانب الاعداء الكفار الآخرين الرئيسيين، وهم الصليبيون الذين تقودهم امريكا والانظمة المرتدة التي تحكم الاقطار العربية والمسلمة السنية.

ويُبهت السلفيون الجهاديون الشيعة ويصفونهم بالكفار والمرتدين والكفرة الرافضة. ومن منظورية هؤلاء تخلى الشيعة عن الدين وعن مجتمع الاسلام، وتبنوا معتقدات اصبحت غريبة عن الاسلام، وغدوا زنادقة بكل ما للكلمة من معنى. ولهذا السبب يصفونهم بالمرتدين، وتطلق الحركة السلفية الجهادية هذا الوصف على الشيعة وكذلك على الانظمة الاسلامية التي تخلت عن دين الاسلام.

وحسب الحركة السلفية الجهادية تعتبر العقيدة الشيعية عقيدة زندقة، لأن الشيعة حاربوا ضد السنة الى جانب اعداء الاسلام (الكفار) الآخرين في الداخل والخارج ومن المتوقع ان يواصلوا حربهم على السنة حتى النهاية.

* تأبى القاعدة لممارسة الارهاب ضد ايران

تمتنع المنظمات الجهادية العالمية بقيادة تنظيم القاعدة العامل من باكستان وافغانستان والعراق عن ممارسة انشطة ارهابية ضد ايران نفسها مكتفية بشن حملة دعائية علنية قاسية ضد الايرانيين وبتحدي الشرعية الدينية والسياسية للنظام الايراني، ومن جهة ثانية يمارس عناصر القاعدة الجهاديون المحليون نشاطات ارهابية ضد النظام السوري الذي ينظر اليه على انه نظام علوي ومحسوب بالتالي على الشيعة وضد النظام الشيعي والسكان الشيعة في العراق على وجه الخصوص.

وفي رسالة بعثها الظواهري الى ابي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق في تموز/ 2005، حاول الاول اقناع الثاني بعدم مهاجمة الجماهير الشيعية، وحذره من استمرار الهجمات العدوانية ضد الشيعة لأن ذلك قد يشجع الايرانيين على اتخاذ تدابير مضادة، ويورد الظواهري في رسالته مصلحة تنظيم القاعدة تتطلب ايجاد حالة من اللاحرب بينه وبين ايران.

ولعل المنظمات الجهادية العالمية امتنعت هي الاخرى عن مهاجمة ايران خشية ان تحرم نفسها من الدعم الذي يقال انها تحصل عليه من جانب الايرانيين. وبالاضافة الى ذلك، ينشأ هذا التأبي عن خوف من تحرك ايراني مضاد ممنهج وعنيف يستهدف المنظمات الجهادية العالمية على مختلف الجبهات – العراق، سوريا، لبنان، باكستان، افغانستان… – الامر الذي يمكن ان يلحق ضرراً بالغاً بالانجازات التي حققتها المنظمات اياها.

مع عدم تقليلنا من خطورة او اهمية بعض الابحاث التي قدمت خلال هذا المؤتمر الاسرائيلي، فاننا نقدر بأن مسار الصراع يتجه في غير صالح اسرائيل، لكون الطرف الآخر على حق من ناحية ولأن عناصر او قول محور الممانعة والمقاومة صارت اكثر وعياً وذكاء وأشد تصميماً وصلابة في مواجهة هذا الكيان البغيض الذي يزرع بذور فنائه الحتمي بيديه.

* الكتاب

مؤتمر هرتسيليا السنوي الحادي عشر (الكابوس الشيعي)، مركز النظم البيني في هرتسيليا(كلية لورد للحكم والدبلوماسية والاستراتيجيا- معهد السياسة والاستراتيجيا- ، ترجمة- مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية ، بيروت، ط1، 2012.

[email protected]