كان موضوع المقال في مخيلتي منذ زمن لكن ما حفزني على الكتابة فيه نتيجة موقف صدر من اخوة لي، مؤخرا وأقول:
لقد قمت اثناء تواجدي في بريطانيا بدعوة مجموعة من إخوتي وأهلي وبعض الأصدقاء ممن كانوا يتواصلون معي لمشروع بسيط يقوم على إرسال رسالة أسبوعية عبر البريد الإلكتروني، وهذه الرسالة، يقوم كل شخص بكتابة أخباره وأحواله وخواطره ويتفقد فيها أحوال باقي الاخوة والاصدقاء، ونتعاون فيها على السراء والضراء عبر إرسال رسالة جماعية تعبر عن المناسبة، لما كنت اعانيه من ضياع وحزن بسبب فقداني كياني كدكتور وكمحامي ومستشار قانوني ومؤلف وكاتب مقالات، علما لم استطيع ان اكتب مقال واحد في غربتي، وجدت نفسي مضطرا لان أعيش عيشة مادية فاقدة لروح الحياة الاجتماعية الحقيقية وعبارة عن شخص يأخذ المساعدات ويأكل ويشرب وينام فحسب، فجاءت هذه الفكرة لأجل إيجاد حيز في حياتي يرجع مظاهر العلاقات الاسرية والاجتماعية التي كنت اعيشها في العراق؛ فاستجاب لها عدد لا بأس به من الأخوة والاصدقاء، وأصبحنا نتبادل هذه الأخبار مرة واحدة أسبوعيّاً في يوم الخميس عبر إرسال رسالة الأخبار هذه لجميع من أعرف بريدهم الإلكتروني، سواء انضم إلى هذه الفكرة أو لم ينضم، وأصبحت (تقريباً) مرجعاً لمعرفة أحوال بعضهم بعضاً، لكني بعد ثلاثة اشهر وجدت ان اعداد المنتمين لهذا المشروع بدأت تقل، وعندها بدأت افكر بالعودة وعدت بعدها بوقت والحمد لله الى العراق، وهاتفي قد تعطل وذهبت منه الأسماء ورميته وحاسبتي التي كنت اتواصل فيه مع الأصدقاء أيضا اصابها العطل وعدت بلا حاسبة ولا هاتف وليس عندي أسماء الأصدقاء والحمد لله الا ما كنت احتفظ به قبل السفر وهي ضئيلة جدا.
ان صلة الرحم والتواصل بين الاخوة والأصدقاء والاقرباء باتت تضمحل بطريقة فككت الاسر وابعدت الأصدقاء بعضهم عن البعض الاخر، وكثيرٌ من الناس مضيعٌ لهذا الحق، مفرطٌ فيه، فمن الناس من لا يعرف قرابته لا بصلةٍ، ولا بمال، ولا بجاهٍ، ولا بحال، ولا بخلقٍ، ولا بود، تمضي الشهور، و ربما الأعوام، ولا يقوم بزيارتهم، ولا يتودد إليهم لا بصلةٍ، ولا بهدية، ولا يدفع عنهم مضرةً، ولا أذية، بل ربما أساء إليهم، وأغلظ القول فيهم، هذا الواقع المر.
قال النبي (ص) : ((مَن سَرَّهُ أن يَبسُطَ اللهُ عليه في رِزْقِهِ، أو يَنْسَأ في أثرِه، فَلْيَصِلْ رحمه))
واني هنا لست بصدد ان أكون ناصح بار او شيخ جامع كما سيفكر بعض الاخوة لأني أيضا اعاني من أخطاء كثيرة، لكني اكتب وانا اشاهد ما يعانيه العراقي من تفكك وعدم تواصل ونفاق وضياع للأخلاق والرجولة في بعض الأحيان، اشاهدها في علاقات الاخوة فيما بينهم، حيث تجد التعالي بين الأخ وأخيه بطريقة يشوبها التدليس والخداع والتلاعب بالأطر العامة المفترض توفرها في هكذا علاقات كما عودونا ابائنا، وكما تعودت انا في حياتي حيث أؤكد على التواصل والرحمة لكني تفاجئت منذ حدوث نكبتي بأفعال وتصرفات لم اتعود عليها نهائيا، حيث نرى ان الزعل بين الاخوة قاسي جدا ومتعسف وزمنه يطول وسقف الكرامة بينهم عالي جدا وهناك انتفاض لهذه الكرامة عند صدور أي تصرف او كلام قد يكون غير مقصود؛ لكن نشاهد نفس الأخ اذا تعرض الى موقف اسؤا مما تعرض له من أخيه( كان يتم التجاوز عليه من عناصر سيطرة عسكرية بتعسف)، ستجده متسامح ويسكت لان مفردة الكرامة تغيب في تلك، وهذا يتناسب تناسبا طرديا مع ما ممكن ان يتعرض له من اذى مع الشخص المتجاوز؛ أي ان الكرامة تقاس وفق الخطورة التي يتعرض لها الأخ وغيره، وهذه مصيبة قد تشعبت عاموديا وتشظت افقيا لتشمل اكثر العلاقات، أي ان: (الحدود التي لا يسمح لك بتجاوزها قد يسمح لغيرك أن يتجاوزها).
وكان الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام يحذرنا ويقول:
((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال، يلتقيان، فيُعرِضُ هذا، ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام))
الاخوة اشداء على اخوتهم وغير رحماء فيما بينهم
يروي لي أحد الأصدقاء الأعزاء، انه ترك بغداد لتعرضه لنكبة كبيرة هجرته من بيته وحطمت مستقبله وخسر فيها كل شيء منها اثاث بيته وسيارته ومكانته ومنصبه والدولة تلاحقه و أمواله المنقولة وغير المنقولة تم حجزها ومسلسل استهدافه مستمر بالرغم من مرور اكثر من ثلاث سنوات على نكبته، يروي لي وكانت الدمعة تتقافز من عينيه، واكد لي انه يتألم كثيرا والحزن لا يفارقه لكن المه اكثر من موقف غالبية اخوته، الذين هجروه ولم يعودوا يسالون عنه، بل ان احدهم منعه من ركوب سيارته لأنه متهم بالإرهاب ونفس الأخ هو من قام بإبلاغ اكثر من شخص في منطقة سكناه (بحسن نية) كونه ثرثار ولا يحب الا نفسه، بان اخيه متهم بالإرهاب، وانه قد اجرى ثلاث عمليات جراحية واخرها كبرى وكاد ان يموت فيها لولا لطف الله ولم يزره احد لان أجور النقل باهظة جدا(مائة وخمسون الف دينار) بل اكثرهم لم يتصل به هاتفيا للاطمئنان عليه، واسترسل بكلامه كثيرا لكنه استوقفني وبحسرة عندما اخبرني انه صدرت بحقه حكم اعدام غيابي ولم يفكر غالبية اخوته بزيارته والتخفيف من روعه وحالته النفسية، بل اكثرهم لم يتصلوا به نهائيا وتغافلوا عن علمهم بذلك وهم يعلمون، وبعدها اضطر للذهاب لبغداد لأجل معاملة رسمية وهو محكوم بالإعدام لأنه وجد ان بعض من اخوته يتذمرون عندما يطلب منهم عمل ما في بغداد، والكارثة انه طيلة بقاءه في بغداد لم يتصل به احد غير مكترثين بالخطورة الكبيرة التي تترصده ان هو القي القبض عليه، ولدى رجوعه الى إقليم كردستان لم يتصل احد به من اخوته لأجل تأنيبه ومعاتبته او الاطمئنان على وصوله، وبعدها تمت خطبة ابنه الكبير في بغداد وبعدها بفترة تم عقد القران ولم يفكر الا واحد منهم برفع سماعة الهاتف لتهنئته في الخطبة وعقد القران ولو حتى برسالة هاتفية، والتي تحدث بين الأصدقاء العاديين وتلك والله اخوة بائسة، وانا انظر لمحدثي والله دمعتي تدور بين اجفاني، ولاستغرابي الكبير لهذه القطيعة سالته: هل هناك خلافات وصلت الى حد (كسر العظم بالعراقي) حتى يتصرفوا بهذه الطريقة؟ فأجابني: بالعكس كنت اقف لهم بالسراء والضراء وازورهم باستمرار، وعند نيتي تزويج ابني الكبير أرسلته ووالدته الى بغداد وابلغته بان يذهب الى عمه الكبير وان يأخذ رايه بموضوع البنت واذا وافق امضوا بالخطبة واذا رفض عليكم التوقف، وفعلت ذلك لأني اعرف ان اخي لديه سوء تفاهم مع والد البنت، ولا اريد ان يكون موضوع زواج ابني فيه اضعاف مكانة اخي، وان احدهم(اعزه واحترمه جدا) في عهد النظام السابق اتهم بقضية جنائية كبيرة ومن ديوان رئاسة الجمهورية والقضية خطرة ومحالة من الرئاسة وقد سخرت كافة علاقاتي مع القضاة واخذت خمس قضاة الى بيت القاضي المنظورة امامه القضية لأجل توضيح ملابساتها وعدم التأثر بوقائع الدعوى كونها واردة من الرئاسة وأيضا مارست ضغوطي مع المحققين ومع كل من اعرفه ولأكثر من تسعة اشهر، وكانت كل المؤشرات تسير نحو الإدانة وتحطيم مستقبل اخي، لكن الحمد لله بفضل الضغط الذي مورس على المحكمة من قبلي وبسبب عدالة القضية صدر حكم الافراج وبعدها تم تمييز القرار وأيضا لم ادخر جهدا لأجل استحصال قرار البراءة من محكمة التمييز وفي حادثة اخرى خطف ابنه من عصابة خطرة ووقفت معه واستطعت ان اعرف خاطفيه من خلال إقامة الشكوى ومراقبة الهواتف والذهاب الى اوكار للعصابة في ثلاث مناطق وكان الامر يشكل علي خطورة كبيرة ورغم ذلك استطعت من خلال المحكمة وشركات الاتصال والشرطة وبعض الاخوة الذين وقفوا معي ان اصل للخاطفين وقد خسرت مبلغ كبير، وجلست في الفصل العشائري وارجعت كافة المبالغ التي خسرها اخي كفدية، وكنت متصدر لمجلس العشائر ولم اخف ولم اتراجع، واخي الاخر الذي أيضا اعتقل ابنه وأيضا أرسلت محامين اثنين لمعرفة ملفه وعملت ما باستطاعتي لأجل إخراجه، ورغم ان اخي هذا موقفه لا باس به وسباق دائما للخير، واخي الاخر خطفت ابنته وتنصل عنه الجميع فقط انا من ساعده ووقف معه الى حين عودة ابنته (وكما ساعدته قبل زواجه واعلم ان مصلحته فوق كل اعتبار)، مع العلم ان الموضوع كان برمته مسرحية بطلتها طليقته، وغيرها مواقف عديدة، واستغربت من حديثه وتركته، وتألمت بعدها كثيرا لوصول الحالة بين الاخوة الى منسوب عالي من القطيعة، ينذر بالخطر؛ وليس من احد يقوم بإصلاح ذات البين، وتذكرت ان احد اخوتي أضاع علي فرصة معادلة شهاداتي في بريطانيا بسبب تقاعسه وتكاسله عن الذهاب الى وزارة الخارجية لتصديق شهادتي، والتمست له العذر لسوء الأوضاع، لكني اكتشفت بعدها ان هذا العذر مزيف ويستخدم عند التنصل من أي التزام خصوصا اذا كان الامر يتعلق بأمر عائد له، يذهب لنفس المكان حتى ولو 20مرة، وأقول: كيف لنا ان يبارك الله لنا في حياتنا واولادنا ونحن بهذا المستوى من التباعد والتنافر والتناحر، والاخ الكبير انحرف جانبا عن دوره في لم شمل اخوته تحت جناحيه نتيجة لمزاجيته وعصبيته وزعله لأتفه الأسباب ويتنحى عن دوره الذي اوجب عليه دينه والأعراف الاجتماعية بان يتحمل جملة منغصات حفاظا على وحدة العائلة، وان يكون خيمة ينضوي تحتها الجميع لا ان يكون أي خلاف مدار حديث النساء وتأويلاتهم المؤذية، (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص) ان نلك الأمور والتصرفات ولدت الهم والحزن في نفوس العراقيين ونسال الله ان يبعدنا عن ذلك وننتبه الى اخطائنا لان الخلل فينا كبير ومريع.
قال عليه السلام الامام علي: (لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث؛ في نكبته، وغيبته، وفاته).
ان الاخوة والصداقة بين الناس اضمحلت، وقد لمست وعانيت من تلك الأمور والعلاقات كثيرا، اسؤها كان اطارها بعض من اخوتي وزملائي من المحامين وموظفي مكتب رئاسي معروف، حيث كانوا مثال للتنصل عن زملائهم وعلامة دالة في عدم التواصل مع من تعرض للاتهام والتشريد، بل ان بعضهم عمل على النيل من المتهمين بطريقة غير مشروعة؛ لأجل تحقيق مصلحته الشخصية ولأجل ان ينال مكان وظيفي ملائم ورضا الاخرين، وكانوا مثال وعنوان للانهزامية وعدم مساعدة اخوتهم الذين دخلوا السجون وشردت عوائلهم وبعضهم من قامت عائلته بالاستجداء ولم يفكروا ولو للحظة بالتبرع لهم مع التنويه ان هناك قلة منهم كانوا يساعدون زملائهم، وقسم كبير منه كانت لديه حماسة فائقة في الايغال بإيذاء زملائه وأول ضحاياهم انا، نتيجة الخوف والرعب من ضياع مكاسبهم وبطريقة اقل ما يطلق عليها بعيدة عن الرجولة والشهامة، بل منهم من يدعي انه شيخ عشيرة ويشغل منصب مرموق قام بأرسال ممثله القانوني لمفوضية النزاهة للأدلاء بشهادة غير حقيقية بحقي، وباتهامي الجمع بين الوظيفة والمحاماة وهي مخالفة ادارية، وصاحب المنصب المرموق قد ارتكبها مبكرا (المفارقة انا من كان يجدد له هوية المحاماة)، ويوجه ممثله القانوني بان يطلب الشكوى ضدي لتضرر دائرته وبموضوع يعرفه القاصي والداني وهو متهم به اولا، مع العلم ان الشكوى والإفادة لا يسعفها أي سند من القانون الجزائي (سأتناول القضية في مقالة منفردة بالوثائق والأسماء والهويات)، والممثل القانوني لم يكن عليم بالقانون بل جاهل أيضا به ونفذ ما طلب منه وبطريقة تعلوها إرضاء اطراف أخرى على حسابي وحساب الاخرين، وشاهدت مظاهر مؤسفة من موظفين وقبلهم المحامين، منها، هناك أصدقاء حميمين كانوا يتواصلون معك عندما كانوا خارج اسوار الوظيفة لكنهم ما ان رجعوا قطعوا كل اتصالاتهم وبدؤا يتحدثون عن البراءة ويوزعون الاتهامات بطريقة عشوائية ليحافظوا على استلام راتبهم ورضا الاخرين، ومنهم من كان يجلس معي أسبوعيا ويتصل بي لأجل لقاءه وطلب مني طلبات لا اريد ان اذكرها وهو متهم بدعم الإرهاب ماديا من خلال إيجاد عناوين صرف مشروعة لأموال مسروقة، ومنهم من كان يزورني باستمرار لأجل اخذ المعلومات وبعد ان انتفت هذه المسالة وعاد للوظيفة انقطعت علاقته بي، ومنهم من كانت عليه اتهامات بالإرهاب وساعدته بغلقها ومنهم عليه مجالس تحقيقية وغلقتها بحقه، كافئني بان قطع كل الموارد المالية والاتصالات، ومنهم من كان معروف بالاستدانة من الاخرين، ومنهم من كان اليد الطولى لسارقي المال العام والخاص ومنهم كان يبيع ويشتري بالفيز الشنكن، واخرين كانوا يتربحون من استئجار الطائرات الخاصة، ومنهم من كان يبعث بكتب رسمية حول استحقاقات لمنح الجواز الدبلوماسي غير حقيقية ويجلس موظفين وموظفات في بيوتهم ويستلمون رواتبهم وهناك من يسهل له إداريا ذلك لإرضائه، ومنهم من كان يتكلم بعدم القطيعة والمحبة والتواد لكني وجدته فجأة انقطع عني ولم يتصل بي وعلمت بانه قد عاد للوظيفة، وكم تأسفت عندما قرات رسالة له مبعوثة بالايميل لمسؤول كبير، فيها يتنصل عن أي علاقة له باي واحد بالمكتب وانهم كذا وكذا وكذا لا اريد اذكر ذلك، وانه فقط لديه اتصال مع شخص واحد(مع العلم ان هذا الشخص كان يتحدث عليه ذهابا ومجيئاب….) عندها علمت، هناك سياق، ان من متطلبات عودة بعض موظفي مكتب نائب رئيس الجمهورية هو الابتعاد عن المتهمين لانهم يلوثون سمعتهم ولأجل ان يحافظوا على ديمومة استلام الراتب، وقسم منهم من يتحدث بترويع الأمنيين وهو كان يمارس السلطة القمعية في النظام السابق وبعدها، ومنهم من كان يعمل في باب احد مقرات الأحزاب وبعدها عمل بالمكتب ورغم انه متهم الا انه اصبح مصدر ووكالة للأنباء المغرضة المفبركة وابى الا ان يبقى يقدم تقارير لمسؤوله، وبعضهم كان موظف قانوني لا يفقه شيء بالقانون واصبح بقدرة قادر عضو مجلس محافظة وتنصل عن مديره الفعلي مباشرة، ومنهم يتحدث عن مساؤى التعين العائلي وجعل من المكتب تابع لعشيرته واقربائه وغيرهم الكثير الكثير من سراق المال العام والخاص وممن ناصبوني العداء بطريقة لا أخلاقية، ومنهم من كان يحيك المؤامرات ضدي وبحماسة فائقة، وجميعهم الان يتفرجون ويستمعون للاتهامات تتوالى على اصدقائهم من الآخرين وهم ساكتين لا ينبسون ببنت شفه فهم راضين موافقين لما يقال في حق اصدقائهم، فلماذا يكون صديقاً لمتهم ؟ اية مبادئ هذه؟ وكيف لهؤلاء، ان يكونوا شجعان بالمطالبة بالحقوق والحريات وهم اول من تنصل عن اخيهم وزميلهم، ان الموقف واحد لكن الشجاعة مختلفة وتحتاج الى اناس شرفاء؛ والشجاعة والتصدي للسلبيات واحدة وليس لها مكان او معطيات، لكن هناك اختيارات تتم وفق تحقق المصالح؛ فهل هؤلاء سيكونون امناء على المثل والقيم الوطنية والوظيفة التي يشغلونها؟
ان تلك الاعمال؛ تشكلُ إخلالاً بواجباتِ الاخوة والصداقة المعهودة وبالمهنةِ العامة وتحُطُّ من كرامتِه وكرامةِ الوظيفة.
قال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام: (.. اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مدت يدك بفضل مدها، وإن بدت عنك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه إبتداك، وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك).
كنت طيلة الثلاث سنوات السابقة احث المحامين والاخوة موظفي مكتب نائب رئيس الجمهورية السابق بان يكونوا اخوة متحابين متواصلين لعبور الازمة ومساعدة من يستحق المساعدة، لكني يوم بعد يوم وصلت الى نتيجة مفادها اننا قوم لا نريد التواصل وانما نريد علاقات لا تتعدى المضامين الاتية:
ا-اتصل بك واخسر رصيد يجب ان تكون هناك مصلحة لي حتى لو احصل على معلومة.
ب-ازورك لأجل ان احقق شيء في مخيلتي استفاد منه، أي لا ازورك حتى لو كنت ابعد عنك أمتار ما دام الامر ليس به فائدة.
ج-اساعدك واواسيك، على ان احصل نتيجة مقابل ذلك.
د-عائلتي تزور عائلتك او بالعكس تتم؛ بناءا على موافقة مسبقة من الزوجة، وهذا ما حدث معي مع عدة أصدقاء كانوا يعيشون حياة لا تتعدى إرضاء رغبات زوجاتهم فقط أي هو ظل زوجته والمرافق الاقدم لها ولا يستطيع ان يقدم شيء لزملائه خارج هذه المحددات، ومنهم من اويتهم في بيتي وسيارتي وابني تحت تصرفه وما طلب مني مساعدة في أي مجال الا وقدمتها له، لكنه تنصل وبدأ بالتواري عن الأنظار تحت ذرائع وهمية شتى وكما فعلها قبله وفي نفس المكان.
قال المأمون: “الإخوان على ثلاث طبقات: فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدا، وهم إخوان الصّفاء، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات، وهم الفقهاء، وإخوان كالدّاء لا يحتاج إليهم أبدا، وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم”.
أتذكر هذا الكلام ذكرته لاحد الاخوة من موظفي مكتب نائب رئيس الجمهورية وكنت قاصدا لهذا الكلام لكنه لم ينتبه واعتبره مثال اقصد به غيره لكني قصدته هو ومن على شاكلته، انقلبت صداقتي معهم الى عداوة بسبب التذكير بالأطر العامة للصداقة والاخوة، وأصبحت علاقتهم معي في تنافر ينم عن سوء تصرف وسوء موقف، لقد ابتليت بأقارب وأصدقاء (محامين وموظفين وبعض الاخوة) لا يعرفون للمسؤولية مضمون، ويقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون، بل ان بعضهم ينتحس اذا رأى زميل له، وفقه الله، فأبدع في مجال من المجالات، أحس بضيق في صدره، وألم يتحرك في جنباته وبات يعمل للنيل منك وبكل الطرق غير المشروعة وكما فعلوه بي.
ان تلك العلاقات جعلتني اسير بسرعة كبيرة، إلى إنهاء سنوات جميلة، من الاخوة والعشرة والصداقة وانزوي بعيدا عن الصداقات المزيفة.
أنى وجدت أكثر القاطعين لصلة الرحم هم من يؤدون الصلاة في اوقاته (وكرفان المسجد يشتكي من كثرة زائريه) ويحضرون صلاة الجمعة بانتظام ومن يتحدثون ليل نهار عن الوطنية وعن الظلم وعن التعسف (وهم كانوا رجال سلطة متعسفين وظالمين أصبحوا احمال وديعة)، وهم بعدين عن ذلك، ويعملون وفق الية، ما دام الضرر لم يصلني وعائلتي (فل يذهب البقية للجحيم)
فأقول لهم اين أنتم من أحاديث الرسول (ص):
((لا يَدْخُلُ الجنةَ أي قاطعَ رحم )) ((ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي)) ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)) ((من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله وليصل رحمه))
أخواني الكرام، ما دام القلب ينبض كل شيء له حل، هناك مشكلة مع أخيك فل يقوم الأخ الاخر او الصديق بإصلاح ذات البين﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾قدم له هدية، لتكن هذه الهدية شفيعاً لك في إعادة المودة إلى ما كانت عليه، فالهدية لها أثرٌ في اجتلاب المحبة، وإثبات المودة، وإذهاب الضغائن، وتأليف القلوب،
وأخيرا نقول ان عنوان مقالتنا هو (الاخوة اشداء على بعضهم، غير رحماء فيما بينهما ومع اصدقائهم)، وهي كما وصفها الامام الصادق عليه السّلام، حينما قال:
((إنَّ الَّذينَ تَراهُم لَكَ أصدِقاءَ إذا بَلَوتَهُم وَجَدتَهُم عَلى طَبَقاتٍ شَتّى، فَمِنهُم كَالأَسَدِ في عِظَمِ الأَكلِ وشِدَّةِ الصَّولَةِ، ومِنهُم كَالذِّئبِ فِي المَضَرَّةِ، ومِنهُم كَالكَلبِ فِي البَصبَصَةِ، ومِنهُم كَالثَّعلَبِ فِي الرَّوَغانِ وَالسَّرِقَةِ، صُوَرُهُم مُختَلِفَةٌ وَالحِرفَةٌ واحِدَةٌ. ما تَصنَعُ غَداً إذا تُرِكتَ فَرداً وَحيداً لا أهلَ لَكَ ولا وَلَدَ إلَّا اللهَ رَبَّ العالَمينَ))