15 نوفمبر، 2024 7:24 ص
Search
Close this search box.

فقيدان

تناجيه كأنه لم يزل أمامها…فما زالت الكلمات الطيبة تتضوع شذى في نفسها كأنها تراه الآن حين غادر المنـزل لأخر مرة وما دار في خلدها انه لن يعود لكنه لم يعد …ولن يعد …
مضت سنوات طويلة مُرة ونظرها ما زال معلقا في الأفق عند الباب وعلى الجدار حيث الصورة … ثم ها هي تسمح لنفسها أن تتحدث إلى صورته كأنه ماثل أمامها وتشتكي إليه الحال وطول السفر وكلما أكملت جملة من الحديث ختمت جملتها بعبارة (متى تعود) وكانت دموعها قد سالت ساخنة ومحرقة على أنها حرصت دائما على أن لا يراها أحد خاصة الصغار فهي تُريدُ أن تعوضهم افتقادهم حنان الأب بكل صورة وبكل ما تستطيع من قوة وعزيمة .

أيقضها صوت ولدها ( أماه ..سأذهب الآن لأعود بالنتيجة ) ودون إرادة منها رفعت نظرها إلى الصورة المعلقة والتي لم توضع عليها علامة الحداد إذ ما زال هناك أمل في العودة وأجابت:

على بركة الله يا ولدي … ابتسم الولد إذ رأى دموع أمه الخضلة .. ظنها دموع الفرح بانتهاء دراسته الجامعية لأنه سيرفع عن كاهلها أعباء الحياة التي احتملتها طوال أعوام قاسية .

رافقته بخطواتها ووقفت عند عتبة الدار رافعةً فوق رأسه المصحف الشريف فانحنى على رأسها مقبلاً وهمس كلماته( ادع لي فأن دعاء ألام مستجاب ).

وكان قلبها هو الذي يدعو قبل أن يسألها ذلك …

عادت ثانية إلى الصورة المعلقة على الجدار وكانت تمثل شابا جميلاً أنيقا بثوبه الجامعي وخوذته ونظراته الشابة الطرية …وقالت متسائلة ..

.ياه…كم من السنين …؟ها هو ولدك ذهب ليأتي بشهادته الجامعية … هل تدري…؟ و تساءلت موجهة خطابها الى صاحب الصورة:( متى ستعود)…؟ اختنقت بعبراتها فهي ربما كانت تطلب المستحيل لأنها تعلم بأن هذا الفراق لم يكن بإرادته فقد اقتادوه ذات يوم من دائرته التي يعمل بها وعُلم فيما بعد بأن هناك جهة لا يمكن الوصول إليها هي التي اقتادته ….

وكم بُذلت من محاولات لمعرفة المصير المجهول لكن تلك المحاولات باءت بالفشل والأكثر من هذا إيلاما بأنهم في تلك الفترة ابلغوهم بأن البيت الذي بناه بعرقه وجهده وهو مأوى العائلة الوحيد قد أٌعلن عليه المزاد فكانت تلك المشكلة اكبر من أن تستطيع حلها لولا تدخل شقيق الفقيد الذي زايد على البيت واكتسب المزايدة وأعاد البيت إلى العائلة فلم يُشردوا من منـزلهم كغيرهم من العوائل التي أخلت بيوتها راغمه, وهي تحمد الله وتثني عليه في كل حين إلا أن في أعماقها نارا تستعر وفي فيها علقما غير سائغ شرابه تتجرعه بين أمل يلوح ويأسٍ يطول مداه على توالي الأيام وكلما كبر الصغار وكبر معهم التساؤل كان هناك رجاء يخفف البلوى وأمل في الصغار أن يكبروا فما تضيع أيامها سدى …

وها هي الآن تقف أيضا أمام الصورة التي غُيب صاحبها كما غُيب كثيرون غيره كانوا زينة الشباب وخيرة الرجال طالهم الظلم بسطوته وكانت كلمات الحقد والنميمة قد خططت لهم أن يكونوا شهداء خالدين لم يموتوا لكنهم أحياء عند ربهم يرزقون …

مازالت تتحدث إلى الصورة فإذا بطارق يطرق الباب والوجل والحزن يخيم عليه وصوت واحد جعلها تفقد الإحساس بكل شيء ذلك لأنهم جاؤوا لها بولدها الذي ودعها للتو كتلة من الرماد الأسود فقد قضى في انفجارٍ من الانفجارات التي يطلب القائمون بها…ماذا …؟

انظري يا عين الإنسانية مأساة تطال أهل العراق بجميع طوائفه وجميع قومياته كأن للتاريخ ثأرا ً وللجريمة دين …متى ستشرق يا نور ومتى

سيُظلُ الناس الأمان ومتى ترفع ألوية السلام … نداء إلى العالم بعبارة مفادها ما ذنب أهل العراق …؟

وما يطلب الآخرون من العراق ….؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات