اضاءة التاريخ وتشتيت النص
ثمة في داخل أي فعل نصي مقولة تلح على ان فعل الكتابة عملية ابداع وابلاغ تمنح النص الصيرورة التنصيصية التي من شأنها تضايف في انشاء علاقة سرية بين ( انا المؤلف ) وبين ( الانوات) المحتمية في اقاصي ( الانا الكتابية ) وهذا النص الذي يكتب احياناً قد يوفر لقارئه فرصة استثنائية لان يتأمل ويعاين من حوله جوهر الحقائق ، واحياناً اخرى قد لايوفر هذا النص من جهة اخرى غير رصد كتلة متراصة من حيوات وتنهدات المؤلف مع نفسة ومع كل احباطاته وفشلة دون ولوج هذا القارئ منطقة الانفتاح او نتيجة رسومات هذا المؤلف اللحظوية الباردة والبعدية الهشة . وعلى هذا سوف يبقى هذا النص بموجب هذه المقدمة مجرد هاوية نسمع بها دون ان نراها او نرها دون ان نلمسها ، هذا النص كما قلنا سوف يبقى واقعاً لم نعرفه من قبل وصوتاً لم نسمع به الا في الرؤى المكتومة وفي اقاصي الاحلام واللغة المجهولة . في سياق رواية ( الدومينو ) للكاتب سعد سعيد رشيد نجد بأن الوعي الثقافي لدى الكاتب لربما يشكل جملة تحولات في تصوير الحاجة الروائية التى تحاول ان تتكامل وتستكمل حدوثيات حياة المروي في مفصلية المحور الحدثي للسرد ، أي ان القارئ لاحداث رواية الكاتب لربما لايعثر بسهولة على سياق ثيمة الروي الا بشق النفس ، وعندما يتاح لهذا القارئ ولوج منطقة ( تكوينات المحكي ) يواجه صعوبة ربط ملامح مرحلة التشكيل الدلالي ، وهكذا الامر امام نص ( الدومينو ) حيث يكتفي القارئ بمواجهة حقائق الشعوب والكراهية العربية لليهود وحكاية الحكومات العربية وبعض من فصول خاصة حاول من خلالها الكاتب ايضاح واعلان بأن عمله ( الدومينو ) يسعى لان يكون عمل روائي جاد . فأنا بمقالي هذا ؟ سوف لا اكتب نقداً روائياً بقدر ما سوف احاول ان اكتب عن رأي منظومة ( ذاتية الناقد ) في ايضاح للكاتب وللقارئ عن مدى لبوسية هذا العمل شبه التأريخي ، اولاً لاحظنا بأن نص الكاتب يعتمد العرض المفصل لحقائق وثائقية في كل ابعادها الوظيفية أي ان ليس هناك ما يدل على وجود ادوات او مسوغات عمل روائي ما ، بالاضافة الى هذا فأن كل شخوص هذا النص جاءتنا بضمير الشخص الواحد او هي بالواقع شخص واحد يتشظى ليصبح عدة اشخاص ولكن التدقيق في الشخصية الواحدة نجدها دائماً في ازمنة وامكنة مختلفة يجمعها صوت الراوي او طريقة السرد المغاير ، وفي نص الكاتب نجد ايضاً بأن لهذه الطريقة الوثائقية جذورها الحكائية في سياق النص ، غير اننا وحتى انتهاء شوط النص وزمن المحكي فيه ، قد لانجد ما هو راسخ في ذاكرتنا
على اساس من ان هذا النص هو بقريب او بعيد من عالم الرواية ، بل اننا وبعد طول زمن هذا المقروء لعلنا بحاجة الى الوقوف لمسألة ( سعد سعيد رشيد ) عن نوع او اجناسية هذا المكتوب الذي ليس هو بالواقع برواية او قصة قصيرة او مجرد وثيقة او مذكرات شعوبية حتى ، فأنا شخصياً كل ما اعرفه عن الرواية ما قد اتاحه لي اطلاعي من خلال مؤلفات نجيب محفوظ وعبد الخالق الركابي وامين معلوف واخرون ، اما في ما يتعلق في النقد الروائي فلا اتجاوز ما قد قرأته في لباختين و صلاح فضل او سعيد يقطين ،وعلى هذا فأنا بدوري قد لا اجزم بمشروعية كون نص ( الدومينو ) شكلاً روائياً وما هو مكتوب بهذا النص لعله لا يتعدى حدود الحاضنة الذاكراتية لتأريخ الشعوب ، اما ما هو موجود من خلال باقي فصول هذا النص فلا تتعدى مراسيم ومهارات كتابة فن القصة القصيرة ، وعند مسألة محاججتنا حول عدم مشروعية هذا النص الى ان يكون عمل روائي نقول بأن هناك ثمة نسقية شاذة عن قاعدة ( فن الرواية ) ، وتتمثل بكون ادوات نص ( الدومينو ) يعرض لنا زمن استرجاعي داخل زمن تتشابك من خلاله المسميات والاحداث والاصوات والافعال دون راجع توصيفي من شأنه توحيد التجربة داخل تطور ترتيبي تبعاً لمفهوم زمني معين وعلى هذا يبقى ( سعد سعيد رشيد ) وفي كل مراحل كتابة نصة صريعاً على حدود رؤياه ولما يريد عرضه من احداث تشيد عالمه السرابي . غير اننا في واقع الامر ايضاً لم نجد في نص الكاتب سوى سياقية مذكراتية تتحدث عن احقاد العرب لليهود دون عروضية فنية سردية من شأنها اللعب ببنية الصيغ المعلوماتية ثم تحويلها داخل متن شرائط سردية تعتمد جدلية ( صنع الحادثة ) قبل طريقة بث الكلام الوثائقي داخل فيوضات سرود شعوبية وتجارب ذرية قد لا يتسع لها احياناً معجم وجغرافية نص الكاتب . الا انني في الاخير اجد ان الا يسعني سوى الايضاح للقارئ والاعتذار للكاتب الذي جعلنا مع نصه نشعر بمدى وقوع الاخرين بأشكالية الكتابة والفهم الروائي ، معتقدين هؤلاء الناس بأن العمل الروائي ماهو الا حشو وكلام معسول ولياقة زائدة ، ناسياً الكاتب بأن عالم صناعة النص الروائي ، ما هو الا ( زمن نفسي ) ازاء ( زمن طبيعي ) وهذان الزمنان يمثلان بعدي البناء الروائي في هيكله الزمني ، اما الاول فيمثل الخيوط التي تنسج منها لحمة النص ، اما الثاني فيمثل الخطوط العريضة التي تبنى عليها الرواية ، وعلى هذه الطرائق مقارنة لربما نجد نص الكاتب عبارة عن حوار مع وهم تأريخي يحاول الكاتب افراغه مع محاولته ايضا الصاق هذا المكتوب بصبغة ما اقرب لحدود السعة والاطالة ، فأتفق مع نفسه بختة بأن يطلق على هذا العمل تسمية ( رواية ) دون قصدية ما او بحث ما او حلم بأن يخرج هذا العمل بالشكل الناجح مما يوفر له بالتالي مسار ترسيمة روائية جادة ، وجديدة ولو بشكل نسبي او مسكوت عنه او بشكل ( اضاءة المنظور وتشتيت النص ) وزيادة على هذا ارغب ان اوضح لسعد سعيد رشيد مثل هذا القول : لعل
الصورة التجسيمية والوصف الموضوعي والتفصيلي وروعة الصياغة في ذكر احداث وفتوحات واخلاق ونبراس اليهود ، لربما هذا الاشياء بدورها لا تعد بالثقل الكافي على امكانية صناعة مخطط روائي متين كما ولم تكن ذكر تفاصيل زمنية عهود الحكم العربي بالدليل الحاذق على نجاح العمل القصصي ، بل انا شخصياً أرجح تحويل موضوعة نص ( الدومينو ) الى موسوعة صغيرة تضم مثل هذه الحقائق والعلاقات الشعوبية بدلاً من مغامرة اخراج هذا النص تحت اسم رواية وسط صخور اليهود وضالة الحكومات العربية الشوهاء التي تبدو من خلال نص الكاتب كما لو كانت عبارة عن ( طنين في وحل ساخن ) واخر كلامي مع سعد سعيد رشيد حيال نصه والذي اقول عنه بأنه يذكرني بما لجأ اليه ( البرناسيون ) عندما راحوا يجسدون الصور التأريخية ( الرومانيكية ) ما بين الشعر والمثال ، وكانت صلة التأريخية بهذا اضحت نوع ما من الرسم بالماء حيث بات كل من يقرأ الواقعة او يتذكرها يصاب بنوع من الاغتراب علمياً ، ولعل الامر مع نص الكاتب سعد سعيد رشيد يبدوا مطابقاً لاسيما وان الكاتب قد جعل من الاجناس التأريخي بمثابة مناظرة تتراءى من خلالها الحقائق والاشياء بمنظار لا يتخذ من التاريخ الا لذاته وفي ذاته ، وبهذا بات نص ( الدومينو ) عصراً وسفراً لا يهتم الا بتصوير افكار في ساعات كتابة محتضرة تتوسل من الكاتب نفسه الى ان يخرجها من ثوب ظلماتها الحياتية نحو منطقة النهاية المأمولة لعلها بذلك تجد لها زاوية ما للموت والخلاص المريح من تهمة وذنب ( فن الرواية ) ان الكتابة الروائية تبقى مشروعية خاصة تنطلق نحو تفاصيل مشهدية تظهر وتستجلي مكنونات ومواجد الشخوص من خلال اماكنها لتشترك وماهية الاشياء ( مطر : صخر : قبر : برج ) لتتظافر مع الخلفية النفسانية للشخوص وتقدم بالتالي حصيلتها النفسية والفكرية للقارئ ، كما ان حصر ( النص الروائي ) في تيار او مجال دون اخر لربما هذا سوف يشكل رتابة قرائية ثقيلة في احداث النقلة الاساسية التي من شأنها اولاً تسهيل تشكل التعامل مع النص بكامل مكوناته وعلاقاته ، ونص ( الدومينو ) لربما يحمل هذه الحقيقة ذاتها والتي جعلت من ضمير المتكلم والسارد فاعلية نفوذية سلبية وقدرة سردية غير مبررة في اختراق حدود الزمان والمكان والبنائية النصية من اجل بلوغ حالة انتاجية هي بعيدة كل البهد عن مهام وادوات فن الخطاب الروائي المتكامل وليعلم سعد سعيد رشيد بأن ليس هناك من فائدة ترجى من وراء دعوته هذه التي تتمثل في بعث الصور الجمالية واللغة السردية لديه داخل عهود من ( التاريخية السعيدة ) لان ليس هناك لدراسة التاريخ وعرض وقائعه صلة بالفن والجمال والابداع ، والقارئ سوف يلاحظ بدوره بأن كل ما قام به الكاتب من خلال وقائع نصه ما هو الا ( اضاءة التأريخ وتشتيت النص ).