15 نوفمبر، 2024 10:29 ص
Search
Close this search box.

حيدر العبادي أم عبادي العماري

حيدر العبادي أم عبادي العماري

بمزاحٍ حسن وحياة ناعمة ومشاعر رقيقة، تطيب النفوس فتغني مع الصوت الشجي القادم من الجنوب (عبادي العماري)، وبالشعر الشعبي، وموسيقى الريف، تنجلي هموم النفوس، وتزيد الوجوه نضارة وبريقاً، وتنطفئ حرارة الصدر، وتذهب مرارة الريق، يتجمهرون منذ ذهاب الحمرة المشرقية في حفلة زواج (عرس)، يبدأ السرور، ويتسع نطاق المزاح، يضحكون كالمجانين، مع ما يعانونه من فقر وتقشف وزهد، تسود روح الدعابة اللطيفة بصدق وسذاجة، فيسلب (العبادي العماري) عقولهم بغنائه، فلا يبالون بشيء فتهتز الرؤوس والأكتاف والأرداف حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، ويمشون في مناكبها، يأكلون من رزقهم الحلال، بكد يمينهم الخالية من التختم، لا يلبسون لحية مصطنعة، ولا يرتدون ثياب الصالحين رياءً، في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، اكتسح عبادي العماري ساحة الغناء الريفي، وأصبح مضرباً للمثل بالصوت (اليطيح الطير من السما).

وفي تسعينيات القرن نفسه، إبان حصار الزاد والملح، وجوه مصفرة من البؤس، شد الشرفاء بطونهم على ظهورهم من الجوع، وازدادت كمية الأحزان، اصبحت الأماني والأحلام مائدة مشبعة، وثياب جديدة في عيد الله أكبر تستر اللحم البشري من سيل لعاب الذئاب، ظهر غناء من نوع آخر، منذ اطلالة الفجر الصادق حتى تتوارى الشمس عند الأصيل، ينزح العراقيون صغاراً وكباراً، إلى المضاربة بالأسواق، يبيعون كل شيء، وقد أشيع عرفاً ان من يعرض بضاعته بسعر مرتفع يسمى (يغني)، والغناء يطلق على كل من يغرد خارج سرب البائعين، بسعر بعيد عن الواقع، وكان خمس البائعين يغنون (أضبط من عبادي العماري).

أما اليوم في عصر الشفافية والأمراض الوبائية وانفلاونزا الطيور والخنازير وجنون البقر والبشر، والليبرالية، والإنبطاحية، والفدرالية، والكونفدرالية، ….. عناوين لقصائد مغناة، بطريقة ولون مختلف، غناء سياسي أداءً ولحناً… وكذلك الضرب بيد من حديد، والقضاء على الفساد، صيد التماسيح والحيتان، القضاء على المجرمين، باتت (اسطوانات مچروخة) نسمعها كل يوم، فالغناء الحديث يعتمد على قوة اللسان، أي ان الذي يتحدث بوعود كاذبة من دون أن

ينجز شيئاً، كثرة خطب وتصريحات وكلام فارغ دون أفعال حقيقية ودون مواقف فهو يغني وربما يكون غناؤه (أضبط من عبادي العماري) أيضاً.

ذكر لي من الثقات، وهو أمين ومأمون ومؤتمن بأن حديثاً رسمياً دار بينهم وبين رئيس الوزراء السيد العبادي عن تغيير مدير ورئيس أحدى الهيئات المهمة والتي تمثل وجه البلد وأكد لهم العبادي بأنه يعلم جيداً بأن هذا المدير (فاسد اخلاقياً ومالياً).

وبعد مرور شهر اجتمع السيد العبادي مع مجموعة من المثقفين والفنانين والإعلاميين وأكد لي أحد الزملاء ممن أثق به وبشجاعته وبصدقه، وهو من الأقلام الوطنية الحرة، بأنه أبلغ السيد العبادي أمام الجميع عن (أخينا بالله) المدير الفاسد وبادره العبادي بأنه يعلم بأن هذا المدير (فاسد أخلاقياً ومالياً)، فدهشت أشد دهشة، ولا زلت لا أفهم كيف يستطيع رئيس الوزراء أن يحكي شيئاً على هذا النحو من دون فعل جاد، أو قرار يتخذ، تاركاً رموز الفساد والفشل والإنهيار الأخلاقي بكل عوراتهم وآثامهم يرتبون أمورهم للهروب في أي وقت.

واذا كان الأمر كذلك سنبقى (نجتر بنفس الإسطوانة) وكما يقول المثل (اسمع جعجعة ولا أرى طحناً) وكما استخدمه شكسبير عنواناً لواحدة من مسرحياته بحسب بعض الترجمات (جعجعة بلا طحن) او (ضجة بلا فائدة)، وان العبادي العماري (سينجح بإلبومه) الجديد لعام 2015.

وبرغم ما ذكر آنفاً، فإن الأمر لم يكن ترهاتاً في ترهات، وان السيد العبادي يمتلك ارادة قوية وعزيمة صلبة في الإصلاح والتغيير، وما زال يحدونا الأمل في التغيير السريع، ولم يساورني شك في هذا، وسواءٌ أكان تغيير هؤلاء قريب أم بعيد فقد انتهى موسم الحصاد غير الشرعي، وأسدل ستار مسرحية الدين والمذهب والوطن، وأصبحت هابطة لا جمهور لها، وانفضح (كاركتر) اللحية القمامية ولباس الوطنية والليبرالية الإسلامية والديمقراطية التي اتخمتم أسماعنا بها، وانكشفت عوراتهم، فبمجرد أن تفتحوا افواهكم تخرج جيفة جوفكم وكأنها رائحة (منهول) قانصة المياه الثقيلة يتطاير منها رذاذ بعوضة البراز، وإن زحف الإصلاح المقدس آت لا ريب، وأزف الموعد، وان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات