هل مازالت هناك جدوى لدور النخب في المجتمعات العربية ؟
فقد كشفت الإنتفاضات والثورات العربية منذ ثلاث سنوات عن خفوت إن لم نقل عن صمت مريب وأحيانا عن تواطؤ ماكر وضليع لبعض النخب السياسية والمثقفة في إجهاض مشروع التغيير الديموقراطي الحقيقي ضد كيانات الإستبداد والإفساد في الوطن العربي …
ولآن جل النخب على إختلاف مشاربها وتوجهاتها السياسية والثقافية والفكرية والمجتمع⁄ المدنية قد أخلفت موعدها مع هذه اللحظة العربية التاريخية الحاسمة بشكل عام .
نطرح هذين السؤالين الإشكاليين:
ـــ هل مازالت هناك جدوى لدور النخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية ؟
من أغرب التحديات وأطرفها أن نوكل مهمة التقدم والبناء إلى النخب السياسية والمثقفة وأن نضعها في مقابل الجمهور وعموم الشعب الكريم وأن نطلب منها أيضا ممارسة وظيفة التنوير والتثقيف وتنمية الوعي لدى الشرائح الاجتماعية والحشود المحتكمة للرأي والتراث. لكن اذا حصلت انتكاسة وحدث تدحرج وتعثر المشروع التمديني حملنا هذه النخب السياسية والمثقفة مسؤولية ذلك واتهمناها بالتقصير والحياد عن الدور التاريخي والتخاذل والقيام بوظائف أخرى في غالب الأحيان محافظة وتبريرية. والحق أن النخب العربية لا تمثل كتلة متماسكة ولا تعكس مفهوما موحدا يضم مجموعة من السياسيين والناشطين والنقاد والحقوقيين والمثقفين المنضوين في طبقة اجتماعية مستقلة عن بقية الطبقات وإنما هي شريحة عريضة ومترامية الأطراف وتتميز بالتنافر وتمثل مصالح متضاربة لفئات طبقية متصارعة. ويمكن أن نذكر الاختلاف بين نخب تقليدية ونخب تحديثية وبين انتيلجنسيا مدينية وشريحة ريفية مثقفة وبين صفوة دينية تراثية وطليعة سياسية علمانية. هناك جانب من النخب العربية قد ساهم في الحراك الاجتماعي والثورة العربية وانحاز إلى الجماهير الغاضبة ووقف في الصفوف الأمامية في الميادين الغاضبة وأنتج هذا الجانب ثقافة نقدية ساخرة من التسلط والاستبداد والشمولية ودعا بطريقة علنية وبشكل غير مباشر إلى العصيان والتمرد والاحتجاج على الممارسات اللاانسانية واعترض على هدر حقوق الإنسان. في المقابل وجدت نخب مثقفة وسياسية موالية للسلطات الحاكمة ومتمرسة في الدفاع عن السائد وذلك من أجل الدفاع على مصالحها الضيقة وحصدها لبعض الغنائم والثروات نتيجة هذا التحالف ، وبالتالي وقفت هذه النخب ضد تطلعات الجماهير الثائرة والفئات المهمشة نحو التمتع بالحرية والكرامة والعدالة وأنتجت ثقافة مهادنة ولينة وساهمت في تفاقم الأزمة وفي تدري الأوضاع ومثلت عائقا كبيرا أمام الحلم بالمستقبل المشرق. هذا الفريق لم يكن صامتا ومستقيلا بل كان صوته مسموعا وفاعلا في حراسة الأنظمة القديمة وحريصا على إعادة إنتاج السلطة القائمة واحتل معظم المساحات الثقافية المسموح بها للدعاية والمناشدة للحكام الأبديين. على هذا النحو لا ينبغي أن نعمم الحكم على الجميع وإنما نميز بين النخب الثورية التي ساهمت بشكل عضوي في الحراك الشعبي والنخب التقليدية التي مازلت تمثل إلى حد الآن الحاضنة الرسمية للارتداد.
ـــ في ظل هذا المستجد العربي من في رأيك سيكون قادرا في المستقبل على القيام بهذا الدورالتثقيفي والتوعوي والتأطيري الجماهيري ، أم مازال باستطاعة نخبنا استرداد مكانتها ودورها التاريخي الهادف والملتزم بقضايا المجتمع ؟
لعل أهم الدروس التي يمكن استخلاصها للمسار الذي اتبعته الثورة العربية هو الإيمان الجدي بأهمية التعويل على الثورة الثقافية باعتبارها المقدمة اللازمة لكل ثورة اجتماعية في مستوى أول ، وإعطاء قيمة كبرى للتنوير الديني من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي وتجربة الإصلاح السياسي للدولة الوطنية في مستوى ثان، وكذلك تغيير وجهة التحالفات الدولية على الصعيد الاقتصادي وفك الارتباط مع الدوائر الامبريالية والإيمان بالمصادر الذاتية للتنمية وبناء جسور التواصل مع مناهضي العولمة المتوحشة. غاية المراد لا مستقبل لهذه الأوطان ولا أمل لها بالاستفاقة والاستئناف والعودة إلى التاريخ والمشاركة في صناعة الكونية إلا بميلاد الفيلسوف الديمقراطي والمثقف العضوي والمفكر النقاد والفنان الملتزم والسياسي الثائر. اذا ما أردنا حسم معركتنا مع اللاّهوت والميتافيزيقا وثقافة الجهل والظلام والشمولية السياسية والاقتصاد الزراعي وفساد الإدارة والتراتبية الاجتماعية فإنه من الضروري إعطاء جرعة فلسفية نقدية لهذه الشعوب المتعطشة للتقدم والنماء والتائقة للخروج من كهوف القرون الوسطى واستقبال أنوار الحداثة والعصرنة. أليس قرار التبشير لفيلسوف الضاد بميلاد فلسفة نقدية معاصرة في حضارة إقرأ الآن وهنا هو رأي سديد؟