أدرك الصهاينة متأخرين انهم باستهدافهم موكباً لحزب الله بمعية قائد في الحرس الثوري الاسلامي قد داسوا لغماً في حقل الغام القنيطرة انتظروا انفجاره عليهم في أية لحظة. ادراكهم المتأخر لخطأهم الكبير هذا وضعهم في لحظة ضعف ستراتيجي له تداعياته الجسيمة وباتوا تحت ضغط ارتداداته النفسية كهائم في الصحراء في ليلة ظلماء ينتظر صفعة لا يدري من أين ستأتيه لكنها لا محالة قادمة من خصم يتربص به الدوائر ويعد العدة لمواجهته. الصفعة جاءت من حيث لا يتوقع الصهاينة اذ فاجأهم حزب الله بضربة نوعية وستراتيجية بكل المقاييس وضعت حداً فاصلاً ما بين مرحلتين كان الكيان الصهيوني في الأولى منهما يخرج في كل معركة مهزوماً يجر اذيال الخيبة والخسران برغم انه كان يمتلك ويتحكم بزمام المبادرة في غالبها ويضع قواعد الحرب وأهدافها ويعمل على خلق مناخها الداخلي والاقليمي والدولي لتنتهي هذه المرحلة المهمة من تاريخ الصراع بعملية عدوانية في القنيطرة أكدت ان هذا الكيان الأرعن يعاني من عقدة ستراتيجية اسمها المقاوم العقائدي وليفتح هذا العدوان الباب لحزب الله برغم جسامة الثمن الذي قدّمه من خيرة ابنائه ليضع قواعد جديدة ويعلن عن بدء مرحلة جديدة تسقط معها قواعد الاشتباك التقليدية التي حكمت مسار المواجهة مع العدو الصهيوني منذ انتصار الـ25 من آيار عام 2000 مرحلة مختلفة يتحكم فيها حزب الله ومحور المقاومة بزمام المبادرة ويضع قواعد الاشتباك كما يحلو له ويشتهي مع توافر قدرة ردع كبيرة وهائلة وأوراق قوة عسكرية وسياسية وميدانية وحضور ونفوذ قوي في ساحات المعركة مع تغيرات في مناخ المشهد السياسي الاقليمي والدولي خلقها الصمود السوري بوجه الحرب الكونية عليه والانقلاب الشعبي العراقي على المشروع الأميركي.
لقد بلور السيد حسن نصر الله الانتصار الكبير في مزارع شبعا المحتلة وخرج بلغة جديدة وخطاب مختلف ثبت فيه المعادلات الجديدة التي تؤكد ان المقاومة هي من ترسم حدود ووجهة الشرق الأوسط الجديد الشرق الأوسط المقاوم الرافض لكل محاولات اخضاعه وتركيعه والهيمنة عليه من القوى الرأسمالية الحاكمة المتسلطة على المعمورة.
الخطاب النوعي لسيد المقاومة السيد حسن نصر الله الذي اظهر معادلات القوة المستجدة ورسم خارطة لمسار المواجهة في المرحلة المقبلة مسار سيكون فيه الكيان الصهيوني الطرف الاضعف بعد ان فشلت سياسة حافة الهاوية التي انتهجها الكيان الغاصب طوال سنوات الحرب على سوريا ومراهنته على عدم قدرة محور المقاومة على الرد لئلا تتطور الامور الى حرب مفتوحة في حين أكد الحدث الاخير وتداعياته عدم امكانية الصهاينة على خوض الحرب المفتوحة برغم تهويلهم وتهديدهم المتواصل وادعائهم القدرة على الحسم والتحكم بمسار الصراع.
لم يعد ما يهم الصهاينة هو عدد وعدة حزب الله وتراكم القوة لديه كما في السابق برغم انهم حفروا له حفرة سوريا وبدلا من يسقط فيها اسقطهم في فخها بل ما يهمهم ويرعبهم اليوم هو تحويل حزب الله التهديدات والتحديات الى فرص عبر تراكم الخبرة القتالية لديه وتغيير عقيدته العسكرية الدفاعية الى هجومية ما ينذر بامكانية تحقيق وعود الأمين العام لحزب الله بالعبور الى الجليل وما بعد الجليل!.
أهم نتائج الرد في عملية مزارع شبعا هو اسقاط الخط الاحمر الصهيوني في الجولان المحتل الذي اصبح مباحاً لحركة حزب الله فيه واسقاط الخط العازل في الجولان الذي سعى الكيان لرسمه عبر جبهة النصرة التكفيرية وتحدي الارادة العسكرية الصهيونية في استهداف حلف المقاومة في اي مكان بقول سماحة السيد نصر الله أن “المقاومة لا تعترف بقواعد الاشتباك ولا بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا أن نواجه أيّاً كان وفي أي زمان ومكان وكيفما كان”، وهذا يعني امكانية الدخول المشترك لمواجهة اية حماقة وعدوان قادم كما تعني حرية الحركة والانتشار للجيش السوري وحزب الله وحرية نقل الاسلحة والصواريخ بين ميادين الصراع عبر اعطاء مساحة اوسع للدعم الروسي والايراني.ما بعد عدوان القنيطرة وعملية الرد عليه ليس كما قبله، فالحدثان أبرزا وأظهرا معادلات الردع والقوة الجديدة التي عبر عنها سيد المقاومة في خطابه الأخير الذي يمكن عدّه زلزالاً ستراتيجياً بلغة ولهجة مختلفة لم يعتد عليها الصهاينة من قبل هو زلزال ستترك هزاته الارتدادية آثارها وتداعياتها على مجمل الأوضاع والأحداث في المنطقة والعالم.