في العراق عادة ماتمتزج الاخبار الجيدة باخرى سيئة. الاخبار الجيدة الآن هي تلك التي تتمحور حول الجبهة العسكرية . فالقوات الفيدرالية العراقية, والاقليمية الكوردية, والامريكية تعكس المد باتجاه داعش او ماتسمى بالدولة الاسلامية. العمليات الجوية الامريكية أوقعت خسائر كبيرة في صفوف التنظيم-قتل عناصره, تدمير تجهيزاته, تعطيل اتصالاته وعرقلة تحركاته.
كنتيجة لذلك يتخذ داعش يوما بعد آخر أوضاعا دفاعية, ومنذ الصيف الماضي لم تستطع القيام باحتلالات مهمة . خلال الشهر الماضي شن التنظيم هجوما كبيرا على غرب الانبار لكنه حقق نجاحات محدودة.
اخبرني المسؤولون العسكريون الامريكيون في العراق ان جيش عراقي أصغر يعاد تنظيمه سيكون جاهزا للقيام بعمليات كبيرة لاستعادة العراق من سيطرة داعش في الاشهر الاربعة او الثمانية القادمة . القوات الفيدرالية وقوات اليبشمركة أمنت بغداد ومايحيط بها من مناطق واحرزت تقدما في بيجي وسامراء وقطعت الطريق الذي تستخدمه داعش لارسال الامدادات من مقرها في سوريا الى حاميتها في الموصل, بل تقوم القوات بالزحف باتجاه الموصل نفسها.
أصبح الآن من الممكن طرد داعش نهائيا من العراق في غضون ستة الى الى تمانية عشر شهرا.هذا شيئ طيب- تغيير باهر لواقع ست شهور خلت عندما اجتاح تنظيم داعش شمال العراق حيث بدا وكأنه قوة لاتقهر.
لكن المشكلة هي ان التقدم السياسي لم يواكب التقدم الحاصل في الحملة العسكرية. في الحقيقة فان جهود المصالحة السياسية بين الشيعة والسنة لازالت تراوح في مكانها. انتصارا عسكريا تحت هكذا ظروف يمكن ان يتحول الى نجاح كارثي.
مازال المجتمعان السني والشيعي اسيرين فقدان الثقة بينهما نتيجة للصراع الطائفي 2006-2008 والذي اججته معاملة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي العنيفة لمواطنيه السنة بين عامي 2010-2014 الأمر الذي دفعتهم بالتالي الى اللجوء لتنظيم داعش.
لازالت الولايات المتحدة تتمتع بثقة العراقيين لانها قامت بنفس الدور البطولي بنزع فتيل الحرب الطائفية عام 2008 وتأمين العراق عسكريا ووضعه على طريق الاستقرار السياسي ( طبعا بعد ارتكبت أخطاءا
كارثية دفعت العراق الى تلك الحرب الاهلية). نحن الدولة الوحيدة القادرة على انجاز هذا العمل لذا يتوجب علينا انجازه او سيتمزق العراق ثانية ويكون قرار الرئيس اوباما الحكيم بالعودة لتأمين العراق غير مجدي.
ينبغي على البيت الابيض تعيين ممثل رفيع المستوى لمواجهة هذا التحدي, كأن يكون السفير الامريكي في العراق ستيوارت أي جونز او دبلوماسي آخر ذو خبرة بالشؤون العراقية كمبعوث التحالف الدولي ضد داعش, برت اج. مككورك.
يعمل هكذا ممثل كوسيط يجمع الشيعة والسنة سوية والقيام بتدابير جديدة للمشاركة السياسية وتطوير آلية لتحرير المناطق السنية. لكن بسبب تشضي القادة السنة يتوجب عليه كذلك ان يفاوض نيابة عنهم وهذا ماقام به بفاعلية السفير الامريكي في بغداد راين سي. كروكر 2007-208.
واخير فلابد للممثل الامريكي من الحاجة الى نفوذ اضافي للضغط باتجاه تامين اتفاق. فاذا كانت واشنطن راغبة بتقديم تدريب عسكري اضافي وتجهيزات وقوات اسناد, اضافة الى دعم دبلوماسي وفني ومالي واقتصادي, فانها تستطيع اقناع السنة والشيعة العراقيون قبول القليل من بعضهم البعض على أمل الحصول على الكثير من الولايات المتحدة.
رغبة السيد أوباما بتنفيذ وعده في تأمين العراق حملت نتائج مهمة حتى الآن, لكن الانتصارات العسكرية التي تحققت يمكن ان تنعكس سلبا مالم تتزامن مع مصالحة سياسية, أمر كهذا قد يكون صعبا لكنه ليس مستحيلا. انه لمن المهم ان نترجم الانتصارات على داعش في ارض المعركة الى انجازات سياسية دائمة.
الغالبية العظمى لمنتسبي قوى الحكومة الامنية , في الشرطة والجيش, من الشيعة وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قام بعمل بطولي عندما بدل موالين شيعة واصحاب المصالح الضيقة في قمة سلسلة القيادة العسكرية بضباط أكثر كفاءة, كثير منهم من الضباط السنة. لكن يبقى غالبية الضباط من ذوي الرتب الدنيا والمراتب من الشيعة.
وفوق هذا كله, فان اغلب المناطق التي حررت كانت حررتها الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل ايران. لاتحب الحكومة الاعتراف بذلك لكن الميليشيات الموالية لايران هي التي تقود المعارك وتشكل العمود الفقري للدفاعات.
وفق هذه المعطيات فان عمليات هجومية في قلب المناطق السنية –الانبار,نينوى,وصلاح الدين- يمكن ان تسبب كوارث. المواطنون السنة مرعوبون من التقارير التي تتحدث عن عمليات تطهير عرقي بشعة تقوم بها الميليشيات الشيعية. مالم يكن هناك هناك اتفاق جديد على تقاسم السلطة في هذه المناطق ووعود بعدم تكرار اساءة معاملتهم, وبرنامج لاعادة الاعمار, فقد يرى السنة قوات الحكومة العراقية (وحتى الكورد) جيش شيعي محتل وليس محررين.
وفي هذه الحال فانهم (اي السنة) سيدافعون عن داعش وان هزمت فسيستمرون بمقاومة القوات الشيعية. النصر العسكري لن ينهي توهج جمر الحرب الاهلية البطيء بل سيعجل من اشعالها.
لسوء الحظ فان هناك أمل ضئيل في وصول العراقيين الى مصالحة لتفادي بأنفسهم خطر النجاح الكارثي.
السيد العبادي رجل طيب لكنه في وضع صعب, فرغم معرفته باهمية المصالحة السياسية لكنه مقيد من حيث التنفيذ. العديد من أهم القادة الشيعة يعارضون جهود المصالحة لانهم لايثقون بالسنة. آخرون يعرقلون اي جهد يقوم به حيدر العبادي لتقويضه والاستيلاء على منصبه. وفوق هذا كله فالعبادي مقيد من قبل ايران التي وان بدت راغبة بالمصالحة لكنها تريدها على وفق شروطها هي.
من جهتها, فان القيادة السنية متشظية نتيجة لحملة نوري المالكي ضدها, كثير من القادة الشيعة لم يبدوا اهتماما بالوصول الى اتفاق مع القادة السنة لادعائهم ان ليس لدى السنة قائد قوي ذو شرعية لتمثيلهم كي يتفاوضوا معه. ولم تفعل الحكومة مايكفي لتوحيدهم. بغض النظر عن ادعاء بغداد العكس, هناك تواصل ضئيل مع العشائر السنية.
العراقيون سوف لن يستطيعوا حل هذه المشاكل بانفسهم, لذا لابد لاحد ان يساعدهم, وهذا الواحد القادرعلى مساعدتهم هو فقط الولايات المتحدة.
مترجم-عن النيويوك تايمز
المقال على الرابط التالي: http://www.nytimes.com/2015/02/04/opinion/isis-is-losing-in-iraq-but-what-happens-next.html?_r=0