{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
تركع قمم الجبال، لمهاة صقر كرميان الشهيد مام ريشة، الذي استشهد؛ كي يحفظ كرامة شعب كوردستان العظيم.. تنتصب أشجار البلوط، ساجدة تنتحب بين يديه، في مراسيم جلال.
أقترح على وزارة شؤون الشهداء، في حكومة إقليم كرديستان، إتخاذ يوم 24 كانون الثاني.. ذكرى استشهاد صقر كرميان.. مام ريشة ورفاقه، عيدا وطنيا.. بل مناسبة قومية، للكورد في أرجاء المعمورة، تمنح خلاله مداليات تقديرية لعوائل الشهداء، وتستذكر بطولاتهم؛ لتقتديها الاجيال، في صنع مستقبل مسالم، بعيدا عن الحروب التي جرنا اليها الطاغية المقبور صدام حسين.
ولد غياب ريشة فراغاً كبيراً في صفوف الثورة، لكن رفاقه المناضلين واصلوا النضال استمروا بالثورة بقيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني لحين الوصول الى النصر.
طوال طفولتي أحلم بكف الملاك تمسد على واجهة بيتنا، متمثلا بشخص مام ريشة، الذي ما زلت أثق بأنه قادر على قهر الطاغية.. إنه يمنح طفولتي الثقة بالنفس.. يبعث بي الرجولة، من قبره، ونحن نلهو في أزقة شارع فلسطين.. أنا “مام ريشة” ونختار ابشعنا خلقا وخلقة، ليمثل “صدام” نقتتل متفقين على ان الطاغية يموت، والبطل القومي خالدا!
وفعلا هذا ما حصل على ارض الواقع.. صقر كرميان خالد بموته، والطاغية قبر حيا، في “زاغور” حذو تكريت.. تكريت مسقط رأسه، لفظته مكشرة انيابها بوجهه، ولم تستقبله، بينما “مام ريشة” قدوة شجاعة لفتيان يترسمون سبيلهم للرجولة.
ولد الشهيد العام 1955 في قرية “طالبان” التابعة لمدينة “كرميان”.. قرية تتسق نتوءات صخرها مع إنسيابية خضار الشجر وعذوبة الهواء نسيما عليلا.
أحس بضرورة انتشال شعبه من مخالب الطاغية، وجبروت حزب البعث الجائر، منذ ريعان شبابه؛ فتدرب مع فدائيي الثورة الفلسطينية في العام 1970 فدائياً؛ ليستثمر ما تلقاه من علوم قتالية.. تطبيقية، في عمله، عندما عاد من فلسطين لينضم الى صفوف قوات البيشمركة في العام 1978؛ تصديا لسياسات التعريب والتهجير والظلم والاضطهاد، من “البعث” الصدامي، ضد أبناء شعب كوردستان.
نفذ مام ريشة عمليات عسكرية، فائقة الدقة؛ نتيجة شجاعته، وحسن إختيار رجاله، ضد أزلام النظام البائد.
في العام 1979 واصل نضاله في صفوف قوات البيشمركة، ضمن القاطع الرابع في “بازيان” وأصبح قائدا لقوة (4 جباري) التي اقلقت أسوار الطاغية، التي ظنها منيعة تعصم جبنه، لكن مام ريشة، ابطل وهم القوة في خيال الديكتاتور المهيض؛ حيث زرع الشهيد الرعب والهلع بين ازلام النظام البعثي بتصديه لهم، وإقتحامه جحورهم، ملقبا بـ(صقر كرميان).
لم يثنه إستشهاد والده (شكر) وأخيه (أحمد) على يد أزلام النظام في العام 1981، إذ واصل خوض الملاحم، يسطر البطولات.. من نصر الى ظفر، وليس بمعيته سوى نفر قليل، إزاء جيوش جرارة.
حتى وافته الشهادة، بعز وكبرياء، يوم 24/1/1985، هو وأثنين من رفاقه البيشمركة في قرية (حسن آوا) يرتقون مدارج الرحمة، بقدر الله، محفوفين بالسؤدد والمجد أبدا..