( بين ادلة الحكي وانزياح القص الاخر)
لابد من الاقرار في البداية من ان النسق الكتابي في عملية انتاج النص القصصي تعتمد لدى بعض من القصاصين على نموذج خاص من المرجع الانزياحي ، اي ذلك النوع الدلالي الذي يسمح بالنظر الى ( ادلة الحكي ) على اساس من انها سيرورة من الاكتفاء في ( الدلالة والمرجع ) وعند النظر في بنى تلك النماذج القصصية فأن القارىء يلاحظ بأن فضاء الواقع الدلالي في تلك النماذج ماهو الا عبارة عن توليدات ثانوية منحلة من اصل ( دليل + قانون + علامة) لانه تبدو ظاهرا انتاج فعل محاكاتي مشروط بمرجعية تتشكل وفق مستوى خاص من تمظهرات الفعل المحكي .قبل الدخول في تمفصلات عوالم اقاصيص حنون مجيد (تاريخ العائلة) لعلنا بحاجة لنتوقف قليلا لنتساءل عن المانع من ان يفهم القارىء اسلوب كتابة النص القصصي ، على اساس من انه لحظة تطور مخيالية داخل قوالب رابطة من ( الدال / المدلول) حيث الدال معلوم والمدلول مجهول ، ويعني هذا ان العلاقات المتفاعلة داخل حيثيات انتاج النص قد جرى توضيحها في لحظة تحديد الدليل دلالياً ، كما بعرض هذا منا ،اعتبار مجموعة (تاريخ العائلة) انزياحاً نتواصل منه نحو ضرورة (تبديل الادلة ) ومعاينة مواقع الحكي الذي اضحى ومن خلال بعض من نماذج قصص المجموعة الى مجرد لحظة حدوث افعال دلالية ترتبط بمرجعية اشارية سرديةاو بمرجعية تمثلات ادلة انتقائية ( المسبب / الغائية) ومن اجل ان نكون دقيقين في ما نقول علينا اولاً مطالعة قصة ( ماسوف افعله غداً) حيث نجد مسار تأسيس فعل المحكي قد بات اشبه بمحاولة الانخراط داخل حالات من تمهيد تصور مشروعية حالة في فضاء موضوعة تفكير الانسان مع نفسه ومع حالات تكرارية من حلقات جدولة يومية مكرورة ، الا ان القارىء اذ يمعن من جهة اخرى في موضوعة هذه القصة يكتشف بأن (حنون مجيد) قد سلك درب صناعة ( النص داخل النص) ضمن حدود ايهامية دقيقة جدا ،تخضع في اغلبها التحديدات تعدد فعل (المفردة /المتعدد الفعلي / الفبركة المضمونية) الا ان المتتبع لقصة القاص يجد ثمة تمفصلات حكائية تتلبس دور ( الحقيقة اليومية + الموضوعة+ حالة الشيىء +تصور الافق = التصور وحالة الاشياء) وبالنظر الى هذه الترسيمة البسيطة نلاحظ بأن مديات الفعل الحكائي ، باتت مجرد حالة من تصورات ومؤولات انتاجية دقيقة ، اما الحال في قصة ( هؤلاء من شباكه العالي) فأننا نجد القارىء لربما يبدو متلبساً داخل احراجات تأويلية بشأن فضاء حبكوية هذا النص ،فالتصور القصصي بهذه القصة يبدو اقرب الى عملية العلاقة مابين وظيفة ( الملفوظات النفسانية) وبين شكل الادراك الفني المحايث ، في
وقت اننا نواجه علامات الملفوظات النفسانية داخل حلقات من السعة في محكيات قصة (الذئب) هذه القصة التي تتضح فيها مستويات مختلفة من السياقية والتصور الايحائي في رسم ابعاد المشهد القصصي ( ها انا الان احدق فيه كما يحدق فيّ: احدق في عينيه وارى عظم لهفته اتمزيق جسدي وتناول لحمي :ص69)
ان الاستمرارية من لدن حنون مجيد في خلق تصور يوهم القارىء بأن مايجري داخل موضوعة النص هو عكس ماتوحي به مقررات وتحديدات المتفاعل المحكي وفقرات العنونة ،وهذا الشيىء بدوره هو ماواجهنا بشكل واضح في قصة ( على ورق صقيل ) وقصة ( استئصال عقل ) وقصة ( يوم المطر) وقصة ( تدريب كلب) بيد اننا وجدنا حنون مجيد في كتابته لهذه الفصص يتبع اسلوب غريب وهو لايرتبط فقط بأظهار عوامل وعناصر ( الادلة الحبكوية ) بل اننا وجدناه يصنع حالة ( تمثيل الدلالة ) ضمن حدود كشف لمصير تلك المدلولية القصصية في ارتبطها في حالات عديدة من ( التقويض / التبديل) .
( مفهوم الدليل وفضاء الدلالة)
عند مطالعتنا لقصة ( تاريخ العائلة) هذه القصة التي اجد انها تحمل ثقل خاص داخل اشتغالية فضاء قصص المجموعة ، حيث نلاحظ وضوح مفهوم ( التدليل والدلالة ) عبر تعريفات سيميائية قد جعلت من المفهوم اثباتاً في وعي قراءة الدليل نفسه وعند التدقيق في تمفصلات استهلال النص نعثر على بداية كهذه 🙁 ومن موقعها الذي لايبدو انها تقدمت عنه خطوة واحدة : والذي ربما توقفت عنده قليلا او كثيرا حسمت ترددها على التقاء نظرينا: ص48) ان بداية مثل هذه قد تربط القارىء نحو تصور مسار حكاية غرامية او موقف داخل باص مثلا ،الا اننا وبعد الاطلاع على ماقد اعقب هذه البداية نجد مايجعلنا داخل شبكة معقدة من التساؤلات المحيرة ( قلت وقد انعطفت بجسدي ناحية الرقعة التي استقر نظرها عليها : هي صورة لاغير : قلت ذلك لأعرف هل هي الصورة حقاً التي اثارة ذعرها اذ ليس من المعقول ان يذعر المرء من صورة معلقة على الجدار: ثم كم نحن على تماس مع الصور هنا وهناك من دون اليها او نمنحها اهتماماً : ص49) ان مايمكن ان نستنتجه من هذا التحويل في مسار خط فعل المحكي هو صعوبة ابراز وظيفة ( الدال / المدلول) بمعناهما الدقيق لان الدال حيث يتحول الى مركب فأن المدلول ينفات من التحيد السابق اذ لايعود الترابط نفسياًوحسب ولاتعود العلاقة النصية اعتباطية بل تصبح مؤسسة على تعالق مغاير يشترط طبيعة التعالق بين مكونات توصيفية متعالية ، وهو الشيىء نفسه الذي جعل من احداث قصة (تاريخ العائلة) تنخرط داخل ملفوظات علائقية سردية قائمة ضمن حدود موجبات قيم خلافية ، وتأسيساً على هذا كانت نتيجة نهاية القصة بموجب هذه الترسيمة:( الدليل + المحتوى + مادة الشكل + قاسم مشترك = دليل = تاريخ العائلة) ووفق حدود هذه الترسيمة نعاين من ان الاصوات السردية داخل نص
(تاريخ العائلة) جاءت بمثابة قواسم مشتركة بين لغة النص نفسه وبين الافعال التنصيصية في النص ، لكن تبقى من جهة اخرى مادة موضوعة النص تشكل استحضارا لشكل المكتوب العلاماتي للنص وشكلا تأويلياً لصفات الفونيمات المقصودة بمادةالقص وبمقصدية ( التدليل وفضاء الدلالة ) وفي الختام اقول تقتضي منا هذه القراءة لمجموعة (تاريخ العائلة) هذا القول الوجيز : ان من بين الملاحظات التي اود ذكرها للقاص حنون مجيد بشأن مسار قصص مجموعته هي تلك الملاحظات والتي تتلخص على ان موضوعه القصصي قد لا يأخذ دائما ذلك الشكل من النمو العضوي الذي يناسب وجوده مع احدى العنوانات والمقولات العنوانية كذلك فأن عملية فعل المحكي لربما ليست متصلة بالحالات الداخلية وذلك ماالفت انتباهنا من خلال احداث قصة ( تمهل فأنها الحلاوة) وقصة ( عند بائع الورد) حيث يتضح من خلال قراءتنا هذه وامعاناً منا بمفردات القاص بأن حالة خلق ( دليل المؤول ) لدى القاص تحتاج من القاص نفسه الى المزيد من الاستمرارية في ربط حالات ( المجاورة / الترابط/ التشابه / الايحاء) ويتضح ايضاً من ان الموضوعة والفكرة الفصصية لدى حنون مجيد غير مرتبطة دائما بأستعدادات المخيلة القصصية المتحكمة والمؤثرة.