26 نوفمبر، 2024 1:31 م
Search
Close this search box.

بين اللاحق والسابق..

بين اللاحق والسابق..

لم يكن مخطئا من قال أن المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فالأخير هذا يحمل بين طياته كثيرا من الأحكام، وعليه تنطوي مسائل كبرى، وفيه منجى لبعض الناس، ومهلكة لآخرين، وكما قال الامام علي عليه السلام:

واحفظ لسانك واحترز من لفظه

فالمرء يسلم باللسان ويعطب

وزن الكـلام إذا نطقـت ولاتكـن

ثرثـارة في كـل نـادٍ تخطـب

وللتعبير عن رأي او موقف في قضية ما يتخذ كل منا أسلوبه الخاص في الطرح والإيضاح، لتبيان وجهة نظره فيها، وقطعا هو يسعى لإقناع الطرف المقابل بما هو مؤمن ومقتنع به. ويسري هذا في كل النشاطات والنقاشات وعلى كافة الأصعدة، سواء أفي البيت كانت أم في المدرسة أو المعمل أو الشارع!. وفي الأخير على وجه الخصوص نجد الطبيب والمهندس والمعلم والتلميذ والعامل والفلاح وربة البيت والعاطل عن العمل والأمي، وكذلك المعتوه والمجنون، وكلهم يتخذون من اللسان أداة مواجهة مع المجتمع.

ومن المؤكد ان قولا يصدر على لسان شخص مثل شخص الإمام علي يعدّ نهجا علينا انتهاجه، وسبيلا علينا سلوكه للوصول الى احترام مجايلينا ممن يستمعون الى كلامنا. وقطعا تزداد حاجتنا الى التمسك بالوسائل التي تجعل كلامنا ذا أهمية ومكانة في مسامعهم، كلما تبوأنا مركزا اجتماعيا مرموقا، او أوكل لنا منصب تقع علينا بموجبه مسؤولية رعية نسأل عنها يوم لاينفع مال ولابنون.

في عراقنا الحالي.. متبوئو تلك المراكز باتوا كثيرين، فهم كما يقال: (عدد النجم والحصى والتراب)، وهم يملأون الساحة السياسية بكل أبعادها، منهم منظور.. ومنهم خلف الكواليس، ومنهم نزيه.. ومنهم غير ذلك، كذلك منهم فعّال -وهم قلة- ومنهم قوّال بلسان متلون بلا نفع ولا دفع. وبين هذا وذاك يتقلب العراقيون على صفيح ساخن من الحرمان والفساد والترديات الأمنية، وإن استقر بهم القرار فهو يستقر تحت خط السلام والأمان والطمأنينة. ومع قلة اولئك او كثرتهم، يبقون ملزمين بالامتثال الى القول السليم البعيد عن الثرثرة والخطل والعيب، لاسيما من يشغل منهم منصبا رئاسيا في أحد مجالس البلد. وماقصدت بقولي هذا غير رؤساء مجالسنا الثلاث ولاسيما النواب منها، الذين من المفترض ان يكونوا الرعاة لحقوق الشعب، والناطقين باسمه. لكن أرض الواقع تبدي غير هذا وعكسه تماما، وليس ادعائي هذا ناتجا عن حالة نادرة او صدفة او هفوة، بل هو واضح كل الوضوح للقاصي والداني. إذ تبعد أحيانا الهوة بين التصريح والتطبيق، او بين الأقوال والأفعال، ففي أغلب الأحيان يكون الحديث تحت قبة المجلس غير الذي يعلو خارجه، و”خارجه” هذه تشمل خارج القبة.. وخارج البلاد أيضا. والخوض في هذا المجال متشعب، يذكرنا برئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي، يوم صرح بحرقة وألم على مايجري في محافظة الأنبار (السنية) كما يدعي، في تمويه منه ليوهم السامع بحرصه الشديد على أبناء المحافظة، لكن هناك حرصا ثانيا، كان واضحا بين سطور كلامه على الأخوة الأعزاء والأصدقاء الحميمين في داعش، فهم على مايبدو (كسروا خاطره).

نتمنى نحن العراقيين أن يكون لسان اللاحق خير من لسان السابق، بل نطمح ان يكون أكبر من المقارنة والتشبيه بأحد السلبيين ممن سبقوه، قولا ولسانا وفعلا وسيرة.

[email protected]

أحدث المقالات