استنكفت عمدة باريس (آن هيدالغو) ان توصف مدينتها بانها مثل بغداد.. وانتفضت المرأة الحديدية ، وشمرت عن ذراعيها ، واحمرت عيناها ، ووقفت خصلات شعر رأسها غضبا على قناة (فاكس نيوز) الامريكية ، لانها تبث اخبار كاذبة حسب وصف العمدة ، وتعد “مهينة” للعاصمة الفرنسية .. عجبا .. كيف تم هذا؟؟
أقول لكم العمدة تنوي إقامة الحد على “فاكس نيوز” لانها زعمت (ان العاصمة الفرنسية باتت خطيرة) وقارنتها بالعاصمة العراقية والعاصمة الأفغانية ، تصوروا ..لقد اصبحنا مضرب الامثال ، حتى صارت مدننا تذكر عندما يشار الى اكثر المدن توترا.. القصة بدأت حين بثت القناة الامريكية في تقرير لها خارطة باريس تتخللها بقع كبيرة قاتمة وصفتها بانها (مناطق بلا قانون) .. واحياء ممنوعة على غير المسلمين ، وان سكانها معروفون بكونهم من الخطرين .. وانهم يتجولون في الشوارع مرتدين ثيابا تحمل صورة أسامة بن لادن .. وهي حسب وصف القناة ، عصية على رجال الشرطة.. الامر الذي يجعل فرنسا منطقة من مناطق النزاع على غرار العراق وأفغانستان.
من اجل هذ انطلقت ثورة “عمدة” باريس واخذتها الغيرة على مدينتها ، الى حد إقامة دعوى قضائية ضد “فوكس نيوز” ، لانها عمدت الإساءة الى سمعة مدينتها ، متحسبة اثار هذه الإساءة اقتصاديا وسياحيا على العاصمة الفرنسية .
مرة قالها رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني ، في معرض رده على عضو المجلس جنان العبيدي ، عندما كانت تدافع عن قضية تخص المنطقة التي تمثلها في مجلس النواب ، حيث قال مازحا : (متجيبها الا نسوانها) ، يومها أصبحت عبارة المشهداني مثلا .. فيما غضبت العبيدي واعتبرت “المزحة” التي اطلقها المشهداني استهزاءً واستهجانا وتمييعا للقضية التي تدافع عنها.
اذن في نية عمدة باريس رفع دعوى ضد قناة التلفزيون الامريكية ، حيث طلبت استشارات قانونية مفصلة حول امكانية ملاحقة القناة بتهمة بث معلومات مغلوطة تشكل تشهيرا بالعاصمة الفرنسية ، وتضر بسمعتها ومكانتها ، المرأة ماضية في مشروعها وهي تفكر في امرين هما إقامة الدعوى امام قاض فرنسي في باريس ، ام قاض امريكي في نيويورك. هذا ملخص قضية (هيدالغو) .. فهل ينتفض “عمدة” بغداد لهذا التسفيه للعاصمة من قبل عمدة باريس ، حيث قالت باستخفاف : (ان باريس ليست بغداد) فيقيم الدعوى عليها لتوجيهها الإهانة بشكل غير مباشر للعاصمة العراقية.. ؟
انه تساؤل قد يغفله العمدة ويردده الناس .. هيدالغو اول امرأة تفوز بمنصب عمدة باريس .. وهي شبيهة بتلك المرأة العراقية التي أصبحت “عمدة” لمدينة الكوفة ، ونزلت بعباءتها النجفية المعروفة الى الشارع ، لتشرف بنفسها على الاعمال الخدمية التي تقدمها دائرة بلدية الكوفة للمدينة .. الكوفة ليست مدينة كبيرة مترامية الأطراف ، واسعة المساحة ، متعددة الشوارع والاحياء ، بل لم تكن تمثل الا حيا صغيرا من أحياء باريس .. الا ان مديرة بلدية الكوفة اكبر من اية مسميات.. فقد قبلت هذه المرأة تحمل المسؤولية الشاقة التي يعجز عن أدائها كثير من الرجال ، وحاولت ان تقدم مثلا طيبا لمدراء البلديات ، عندما تركت مكتبها ونزلت الى الشارع لترى بنفسها كيف تُقدم الخدمات ، وما هي مستويات الأداء ، ونسبة النظافة بعد الجهود المبذولة.
وعودة لقضية بغداد ومظلوميتها .. فهذه المدينة العريقة التي تجاوز عمرها الالف عام كانت قد بنيت عام (145) هجرية عاصمة للخلافة العباسية ، حيث لم تكن باريس يوم ذاك سوى قرية صغيرة ، لا احد يسمع بها ، في حين ذاع صيت بغداد ، وعلمها وادبها ارجاء المعمورة. لا نريد من عمدة بغداد ان يقيم الدعاوى ضد من تهجموا على المدينة ، او من يصفوها بما لا تستحق ، فتلك شتائم ترتد على أصحابها ، وتبقى بغداد ، هي بغداد ، قرة عين العراقيين ، بل نريد منه ان يفعل شيئا لبغداد ، لم يفعله من سبقه في تولي منصب عمدتها .. وحري به ان يحافظ على نظافتها أولا ، وعلى المساحات الخضراء فيها ، وعلى جمالية تراثها واثارها ، وعلى مداخلها الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية ، ويسعى الى إضافة البهجة على شوارعها وساحاتها ، والمباني فيها ، التي اتسخت الى حد أصبحت جرباء ، فيامر ويوجه بإعادة طلائها.. وان يعيد لوحات الدلالة الى شوارعها ، حيث كانت ، ويزيل المطبات والحفر فيها ، ويعيد المياه الى نافوراتها.. وان لا يغمض عينيه عن ماحل بها من خراب ، وان يكف لسانه عن النطق بما لا يليق “بعمدة” .