تتنازع الأطراف السياسية العراقية حول معضلة تتعلق بإشكال سياسي كبير. فطرف منهم يؤكد ضرورة بقاء الهيأة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة بهيكلها الحالي ووضعها كمؤسسة شكلت أساسا لاجتثاث البعثيين ومنع عودتهم لقيادة دوائر ومؤسسات الدولة. أما الطرف الأخر الذي ترتبط جذوره مع حزب البعث فنراه يجاهد لأجل تفكيك هذه المؤسسة وأبعادها عن الواجهة كونها تعيق وجودهم وحلفائهم. رغم إن أغلب هؤلاء باتوا يشكلون الفصيل القائد للكثير من القوائم السياسية ومؤسسات الدولة رغم وضوح ارتباطاتهم بحزب البعث، وكانوا دائما ممثلين وواجهات معروفة للحزب، بل أنهم ولحد اليوم لم يتخلوا عن تلك الارتباطات وما عادوا يخفون ذلك، من مثل السيد أياد علاوي وصالح المطلق وظافر العاني والأخوة النجيفي وقادة الجيش والشرطة وغيرهم. أما الطرف الأخر فله مآرب في وجود وبقاء الهيأة، فهؤلاء يريدون بقاؤها بهذا الشكل دون تغيير في قوانينها، كي تكون أداة يستغلونها لإرهاب البعض ومنعهم من العمل حتى وأن كانوا بعيدين كل البعد عن حزب البعث، لا بل كانوا معارضين لسياسته ، فان لم يدر هذا الأمر عليهم بعض المنافع ويعد بابا للرزق، فهو يبقى يمثل سطوة وإرهاب لأسباب وطباع وهواجس شخصية .
رئيس الهيأة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة الأستاذ باسم البدري دائما ما يعدد انجازات الهيأة ويفخر بأنه ومؤسسته كانا حاجزا بوجه عودة حزب البعث، ويعدد الحالات التي وقف فيها موقفا حازما اتجاه تلك المحاولات التي يريد البعض تمريرها. ومثله يفعل نائبه بختيار القاضي والذي يزيد على صاحبه القول، بأن الهيأة أنجزت أكثر من 250 ألفا من معاملات المشمولين بإجراءات الهيئة على التقاعد أو الإعادة إلى الخدمة. هذا الرقم الذي يذكره السيد بختيار كان قد تم انجازه في الشهر الثالث عام 2014 أي قبل عام. وبالرغم من وجود الآلاف من الأضابير التي تكدست منذ سنوات في دواليب مكاتب الهيئة والتي تقفز بأشواط كبيرة فوق ذلك الرقم، فالسيد رئيس الهيئة ونائبه يعد رقم 250 ألف مصدر فخر وانجاز هائل يحسب كحسنة لمجلس إدارة الهيئة وله شخصيا. ولكن حصلنا من مصدر موثوق داخل الهيئة يشير لوجود ما يقارب 850 ألف إضبارة مركونة أو الأحرى معتقلة لسبب وأخر، ومجلس الهيأة يماطل في ألبحث فيها وإنجازها، والأدهى من ذلك فأن ما ينجز وهو النزر اليسير، لا يرسل أو يعاد إلى الدوائر حسب العائدية. فمدير الهيأة أو دكتاتورها يرفض إرسال المنجز منها أن لم يكتمل العدد أكثر من 200 أضبارة، ولو تتبعنا الروتين والغايات والنوايا غير السليمة، فأن مثل هذا العدد لن يكتمل ولن يطلق سراحه من معتقلات الهيأة ويأتي المعتمد لتفريقه إلا بعد مضي ليس أقل من عام لمن ليس له شفيع عند المجلس الرئاسي المقدس للهيأة، والذي يطلق عليه البعض صفة فرسان مالطة، لما يتمتع به أعضاؤه من مكاسب وموارد وما يدر عليهم من مبالغ أخرى تأتي من المصادقة على أطلاق سراح بعض الأضابير المهمة والفاعلة المعتقلة . وما عادت الهيأة في وارد منع حزب البعث وأعضاءه من العودة إلى دوائر الدولة بعد أن رأينا الأعداد الغفيرة من قادة الحكومة ومؤسساتها قد أطلقت الهيأة وبشكل قانوني ودستوري وضميري وأخلاقي سراح أضابيرهم وتحفظت على أضابير أبناء الخايبة من الفقراء والمساكين وأبقت حتى المنجز منها في غياهب معتقلاتها. وشخصت عيون هؤلاء المساكين إلى ربهم يرجونه وليس غيره من رجال دين لهم حصتهم في مجلس الهيأة، أن يضع الرحمة والشفقة في قلوب المحفل الماسوني لهيأة المسائلة والعدالة ليوقع مديرها وينجز ويحرر ما تأخر في معتقلاته منذ أعوام.