19 ديسمبر، 2024 6:58 ص

الى الفنان الشاب عمار الكوفي

الى الفنان الشاب عمار الكوفي

أقول بداية أنك كنت  فناناً حقيقياً مكتملاً أمام 100 مليون إنسان عربي في الصيف الماضي. شاهدتك تحمل مفتاحاً صوتياً تدير به انظار مشاهدي برنامج (أرب ايدل) ليكتشفوا  أن العراق لا يزال يملك موقفاً فنياً في هذا العالم   تعددتْ أنواعه منذ عصر جلجامش حتى زمان الدكتور عبد الجبار عبد الله وما بعده.  ارتقيت ، يا عمار، بسهولة الى قمة البرنامج التلفزيوني مثلما سبق لأجدادك وأعمامك واخوتك أن يرتقوا قمم النضال في كردستان العراق .

تحمل لقباً لا يمت بصلة إلى مدينة الكوفة الفراتية, إنه لقب مهنة  بيع الكوفية.. اخترته  ليكون اسماً منتشياً  بالتعبير عن وحدة نضال العرب والكرد في العراق من جبال اربيل حتى   الفرات الأوسط والأدنى .

ربما يتساءل الكثير من الناس عن الاسباب التي هيأت (عمار الكوفي) الفتى، العامل، الكادح في مهنة تصليح انابيب الماء وفي  بعض رسومات الديكور لكي يعيش. لم يمنعه الكدح من أن يحتل هذه المكانة ،بسرعة فائقة وبقياس غير متوقع.  ربما وجدوا اسباباً عديدة، لكن ابرزها ما فعلتــَـه إرادته الشخصية، ارادة الشباب العراقي المتطلع إلى مستقبل أفضل.

صدقني ،أيها الكفء، أنك احدثت نقلةً نوعيةً  في مضمون الاغنية العراقية، في اثناء وقوفك عدة مرات على أكبر مسرح غنائي عربي (أرب ايدل) ، مستخدماً صوتك العذب ، المدرّب، لتقديم اغانٍ تحمل كلمات تهذيبٍ، وحبٍ، وتربيةٍ، وغزلٍ، وتقدمٍ.  يكفي أنك ابتعدتَ عن نماذج الأغاني اللاهية، العابثة، المنتشرة في هذا الزمان في العراق والعالم العربي كله. أغان كثيرة  ليس لها هدف غير تزجية الفراغ وتضييع الوقت بدغدغة عواطف الناس بكلمات هابطة لا تحمل روح الشعر الحقيقي ولا موسيقاه ولا حتى احلام الشباب الرومانتيكية ،حتى فقد المستمعون العرب في هذه الايام  مفعول الاغاني الكلاسيكية التي قدمها سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وناظم الغزالي وعفيفة اسكندر وفيروز وغيرهم كثيرين.

أنت أيها الفتى ، يا من تقلبت به الحياة  الصعبة، ضنكا ورغدا في كردستان ، متفاعلا مع الشعب العراقي في ارياف اربيل ومدنها ،صابراً مكافحاً ككل شباب اخوتك في مدن بغداد والانبار والبصرة والناصرية لتكتشف أن الاغنية العراقية مشدودة إلى أدب الامة العراقية بما فيها اشعار كردية باهرة .  غنيتَ باللغة العربية بوجدان وحسرة مثلما غنيت باللغة الكردية بصورة هادئة ،وادعة،  لتكشف بضوء ساطع ان البيشمركة قادرة على الحاق الهزيمة بالموت والجنون والقلق والرعب والعنف ،الذي جاء به الى بلدنا العراق أعداءه الدواعش، أعداء العرب والكرد والانسانية جمعاء.

أقول لك ايها الفنان الصاعد ان ظروف العراق اليوم معقدة جداً بسبب اختلاف المشاكل السياسية والاجتماعية ليس فقط في اقليم كردستان ، بل في الوطن العراقي ،كله. لذلك فأن واجب كل فنان عراقي ، بما فيهم العاملين في الغناء والموسيقى، وانت منهم، أن يتجهوا في عملهم وحركتهم  نحو تحويل  الاغنية العراقية تحويلاً نوعياً بإبعادها عن الافق الضيق المحدود ،الذي يعيش فيه الآن الكثير من المطربين العراقيين الشباب، الذين لا ينظرون في كلمات اغانيهم الى روحها وعمق تأثيرها في نفوس المستمعين، بل ينطلقون من بيئة غنائية هابطة مقدمين أغانٍ ليس لها مضمون غير الصياح والهلوسة الغرامية.

اهم صلة للفنان ان تكون بالعصر ومنجزاته ، بشعبه وتطلعاته ، لكي يكون الفنان ابن عصره مجدداً حقاً ضمن حركة التجديد الاجتماعي ،كله ، عليه ان يدمج عمله وفنه بجميع النواحي الجمالية  والاجتماعية والاخلاقية. التجديد الغنائي والموسيقي، يا بني،  لا يتم بسهولة ويسر بل يتحقق من خلال الجهد لتطوير الاغنية العراقية وحيويتها ولا يمكن لاي فنان تحقيق هذا الهدف من دون ان  يعايش الناس ويصوّر مشاكلهم وتطلعاتهم في الحياة.

الفنان الحقيقي يتقدم كلما ازداد حماسه لخدمة وطنه واسعاد شعبه..

الفنان الحقيقي هو من يصعّد فنه بواقعية لكي يعيش عصره معبراً عن تطلعات اناسه..

الفنان الحقيقي هو من يتعلم من تجاربه وتجارب اساتذته المتقدمين عليه..

 الفنان الحقيقي هو من يعترف أن (الحرية) هي أثمن شيء في حياة الشعب يدافع عنها بكفاح يتواصل حتى الابد.

اتمنى لك يا فنان المستقبل ان تكون بلبلاً ،حراً، طليقاً، مغرداً، بين الغصون راجياً منك أن تتذكر ،دائماً، أن البلبل الحر هو الوحيد القادر على أن ينشد اجمل الاغاني محققاً، دائما، فناً جديداً وان تتذكر دوما ان ليس هناك حياة اعذب واجمل من حياة الحرية .

تقبـّـل تحياتي متمنياً ان لا يصيبك  مكروه ذات يوم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات