كانت كتاباتي دليل هويتي .. والحرف فيها شاهد متشهد
لم يترك الفساد العام المستشري في العراق ميدانا ألآ وأفسده شكلا ومضمونا , ومن أكثر الميادين المتضررة هو ميدان الثقافة والفكر , ذلك لآن الفكر نشاط أيجابي فعال للنفس كما يقول المفكر الشهيد محمد باقر الصدر صاحب كتاب ألآسس المنطقية للآستقراء .
والثقافة هي هوية ألآمة الوجودية , أذا ضاعت أو شوهت , ضاعت ألآمة .
والتقدم العلمي بأنواعه : الصناعية , والزراعية , والتجارية , والتربوية , والصحية , والبيئية , والفضائية , هو نتاج خزين ثقافي للفرد والجماعة التي تنتمي لوطن أو لحاضنة علمية لاتجعل الجنسية شرطا , بل ألآبداع قبل الجنسية وقبل ألآنتماء العرقي , وهذا ما فعله رسول الله “ص” عندما أعلن : سلمان منا أهل البيت . وسلمان رجل فارسي , ولم يتوقف رسول الله “ص” عند حدود ألآفراد , وأنما فتح ألآفاق لآحتضان كل الطاقات البشرية عندما قال : العربي من تكلم العربية ؟
هذه هي المرتكزات الثقافية التي أعلنها نبي ألآسلام , لتكون ألآمة ألآسلامية أمة وعي ثقافي وأنفتاح عالمي , وتسامح أنساني , والوعي والآنفتاح والتسامح هو ثلاثي القيادة لمن يعرف فن السياسة .
ليس عيبا أن تسبقنا بعض ألآمم والشعوب والدول في مضمار الصناعة وفروعها , ولكن العيب كل العيب أن تسبقنا ألآمم والشعوب في الميدان الثقافي , لآن الثقافة مرتبطة بالقيم , ومن لايحرص على سلامة القيم وأنتظامها في حياة الفرد وألآسرة والجماعة والشعب وألآمة يكون قد فرط بعقد الوجود وضيع هويته , ومن لاهوية وجودية عنده فهو الغائب المستثنى من الحضور في المشهد الدولي بكل ميادينه : السياسية , والثقافية
مؤسساتنا بلا قيم , دوائرنا الحكومية بلا قيم , تجارتنا بلا قيم , سياستنا بلا ترشيحاتنا ألآنتخابية بلا قيم , مجالسنا الثقافية وندواتنا ومراكزنا الثقافية بلا قيم .
أن ألآعتداء على الثقافة في العراق تقف ورائه أحزاب , وفضائيات , وجماعات طفيلية تحركها غرائزها وليس عقولها لآنها تعاني من سبات العقول , فالمجالس الثقافية التي أنتشرت في بغداد وبعض المحافظات أصبحت مختطفة من قبل دعاة حب الظهور ممن يمتلكون المال منهم التاجر الباحث عن الوجاهة , ومنهم النائب الباحث عن شعبية مفتقدة , ومنهم من أتخذ مما يسمى بمنظمات المجتمع المدني عنوانا ووسيلة للتقرب من الجهات الحكومية والحزبية , وهذا كله جعل المجالس الثقافية هياكل فارغة من المضمون لغياب المثقف المبدع , وحضور المتصنع المتقمص لآدوار هي ليست له , وما يقال عن المجالس الثقافية يقال عن طباعة الكتاب الذي أصبح ميسورا لمن يملك المال لالمن يملك الفكر , ونفس الشيئ يقال عن مايسمى بالمراكز الثقافية التي أصبحت حكرا على السياسيين من أصحاب السلطة يوظفونها دعاية لآنفسهم مستعملين فيها ممن هم غرباء على الثقافة , والى جانب ذلك تكتمل صورة ألآعتداء على الثقافة من خلال بعض الفضائيات التي لاتعرف ثقافة ألآستوديو ولا ثقافة المراسل والمقدم , ولا ثقافة البرامج المنوعة فتتحول الى همروجة أعلامية يكثر فيها الجهلة والصخب وتفتقر الى ثقافة المفكرين وأبداع النخب , أن التقمص وألآدعاء يحاصر ثقافتنا وهو أرهاب خطير لايقل خطورة عن ألآرهاب التكفيري الذي أبتلينا به نتيجة ضياع هويتنا الثقافية.