22 نوفمبر، 2024 4:36 م
Search
Close this search box.

وقفة في الاعلام والإعلام المضاد

وقفة في الاعلام والإعلام المضاد

الاعلام بصوره المعروفة يحتاج إلى عقل واعٍ وقدرات جيدة في الأمور السياسية والاجتماعية .. وهو قضية مصيرية في حياة الناس على مستوى الافراد والشعوب والأمم، من حيث البناء والهدم في المعتقدات والقيم والأخلاقيات … فقد استخدمه الحاكمون الطغاة والجبابرة ، منذ القدم ، كوسيلة لخدمة مصالحهم وأهدافهم فسخروا لهذه المهمة الدعائية أدوات إعلامية ، لتصفهم بما ليس فيهم ، منهم الشعراء والكتاب المأجورين ، ووعاظ السلاطين ، الذين يبحثون عن المال والجاه والمواقع ، بأي ثمن كان ، وهؤلاء “غالباً” لا يملكون صفة العفة والنزاهة وشرف الكلمة في نقل الأخبار وإشاعتها ، فتماشياً مع مصالحهم ومطامعهم حوّلوا الحق الى باطل ، والباطل الى حقٍ ، وشوهوا صورة المستقيم وتبنوا صورة المعوج الفاسد ، وجعلوا من الخائن العميل وطنياً وصوّروا الوطني خائناً … بأساليب قائمة على الكذب والتعتيم والتظليل والخداع وتشويه الصور وطمس الحوادث التاريخية تماشيا مع أهواء ورغبات الحاكمين السياسيين الذين يملكون المال والجاه والسلطة وهذه الصور قديمة قدم الزمان ، حديثة حداثة اليوم … فنختصر على الأعلام في عصرنا الحديث ، فقد قفز قفزات نوعية كبيرة ، وبقدر ما في هذا التطور العلمي من فوائد كبيرة ، لكن ما يقلق المسلمين من هذا الإعلام الغزو الفكري والثقافي والعقائدي والاقتصادي الذي يعمل بمختلف الوسائل .. المقروءة والمرئية والمسموعة المدعومة بالحرية المطلقة ، والمتابع للإعلام الغربي يراه ، يسير نحو تدمير ذاتية الشعوب ، بقتل هويتها ومسح شخصيتها ، لتوليد انماط بشرية ، محبطة ، يائسة ، مستسلمة ، لأصحاب القرار ، مشلولة الروح الأخلاقية والوطنية والدينية الحقيقية … وبنفس المعنى تعمل لتدمير بنيتنا الأخلاقية والثقافية والعقائدية ، ضمن مخطط يراد منه ترويض وتطويع وتدجين وإذلال المسلمين في عقر ديارهم ، وتحويلهم إلى غُثاء سيل ، لا قيمة له ولا احترام لرأيه في مجرى الأحداث ، بهدف السيطرة على ممتلكاتهم الهائلة ومواقعهم الاستراتيجية ولأسباب دينية … فنحن أمام هذا الأمر في خطر حقيقي ، فنذكر من خلال ملاحظة سريعة ، فيما جاء في تقرير البرلمان الأمريكي عن الهجوم الأيديولوجي الأمريكي القائل (( يمكننا أن نحقق العديد من أهدافنا السياسية الداخلية من خلال التعامل المباشر مع شعوب الدول الأجنبية ، بدلاَ من التعامل مع حكوماتها ، وذلك باستخدام وسائل الاتصال الحديثة ، التي تصل إلى قطاعات كبيرة من السكان وتؤثر في اتجاهاتهم وتدفعهم الى انماط سلوكية معينة ، ويمكن لهذه القطاعات ان تمارس بدورها ضغوطا حاسمة على حكوماتها)) وقد عبر احد القادة الغربيين بقوله ((إن سيطرة ثقافة الغرب على العالم أشد فتكاً بكيان الشعوب من الكوكايين)) وخلاصة الحديث ، فالإعلام الغربي بشكل عام والأمريكي على وجه الخصوص ، له من التأثير الفعال ، بحكم انتشاره السريع ، وقد عبّر هذا الإعلام بوسائله المختلفة عن كراهيته للعرب والمسلمين، حتى تجاوزت انتهاكاتهم إلى حرمة رسول الله J والقرآن الكريم أبرزها صدور كتاب الآيات الشيطانية للمرتد (سلمان رشدي) الانجليزي الجنسية ، وقد تبنت دور النشر الغربية طباعته وترجمته إلى عدد من اللغات العالمية ، ونشره في أنحاء العالم ولم تقف هذه التجاوزات من الاستخفاف وأثارة مشاعر أمة تجاوز تعدادها المليار ونصف مسلم ، فمن الجهل والهوان على النفس أن نقتنع ، أن المسألة صحافة وحرية صحافة ، فكثير من الخوط الحمراء لا يُسمح تجاوزها في بلدانهم ، على سبيل المثال : فهل يجرئ صحفي أم خطيب أوروبي أم رسام كاريكاتوري أن يشكك في أسطورة المذابح النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية فإن تجرأ على ذلك ، فمصيره السجن أم دفع الغرامات المالية الباهظة ؟ ! في حين يسمح لإسرائيل اليهودية أن تتجاوز لكل

الخطوط الحمراء بانتهاكاتها الظالمة لفلسطين شعباً وأرضاً … ومثل هذه الازدواجيات في الاخلاقيات والمعايير لخصها الشاعر :

(قتل أمرئ في غابة جريمة لا تغتفر ….. وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر)

ومن الظلم والخيانة العظمى للمبادئ والقيم أن نخلط أوراق الارهاب بأوراق الدفاع عن مقدساتنا ووجودنا الاعتباري … ومن هنا فالحاجة الى الإعلام المضاد مسألة ضرورية واجبة ، تتركز في مفهومين :

الأول : شرعي تكليفي ، لأننا نعيش في صراع بين الوجود الاعتباري والمسخ العقائدي .

والثاني : مفهوم اجتماعي ، متولد من دعوة الآخرين لمجابهة الإعلام المعادي الفاتك لعقيدتنا ، والمنصب على معتقداتنا ، بهدف قتل هويتنا بعد قتل شخصيتنا … فسلامة المجتمع من الانحرافات والمنزلقات ، لا يمكن أن نحافظ عليها ونصونها ، إذا لم نستعمل أسلحتنا الفاعلة الدفاعية في أشكالها المناسبة ، في المعركة القائمة بين الوجود والمسخ للوجود ، ومن هنا يتحول المفهوم الاجتماعي الى الشرعي الواجب ، لأن الدفاع عن النفس مسألة تلزمها شرائع السماء وقوانين الأرض الخيرة

فالسؤال المطروح : ما هو موقفنا نحن المسلمين ، من كل ما يجري حولنا ويدور من تآمر إعلامي ، فالجواب باختصار شديد أمامنا طُرق عديدة في مقدمتها العودة الى روح العقيدة الإسلامية ، وما نملكه من إرث حضاري نابض القلب ، فالثقافة العربية الإسلامية ، بمخزونها الفكري العظيم ، لقادرة أن تعطي القوة والمنعة وتقف بصلابة وثبات أمام الغزو الفكري والأخلاقي الذي يصنعه الإعلام الغربي المعادي للعرب خاصة والإسلام عامة وأبناء الأمة ، مهما تعددت عقائدهم وتباينت ميولهم واتجاهاتهم فهم جميعا مطالبين بالموقف المسؤول أمام الخطر الإعلامي الذي يهدد كياننا ووجودنا الاعتباري ، ومثلما تترتب على رجال الدين النجباء المسؤوليات تترتب على المثقف المؤمن بوطنه وشعبه ، فهو الروح الجميلة في جسد الأمة ، بل هو الضمير الحي الناطق المدافع عن الحق … وهؤلاء المثقفون الشرفاء أمامهم مسؤوليات تتلخص بنشر الوعي بين الناس ويقظة الإحساس والتوجيه التنبيه والتذكير والتحذير من العواقب وترسيخ المفاهيم الأخلاقية والوطنية في النفوس والعقول وتربية المجتمع تربية أخلاقية قانونية ، والكشف للناس ما يدور حولهم من تآمر وما ينتظرهم من ضياع ، إن لم يفيقوا من سباتهم وينتبهوا لأوضاعهم ويعوا لمسؤولياتهم ، بحسب قدراتهم وإمكاناتهم ومواقعهم ، ومنها المسؤوليات الأخلاقية المعنوية ، كالتصدي للإشاعات المغرضة الباطلة ، التي تستهدف زرع الشكوك وإثارة الفتن والحساسيات بين أبناء الشعب وإشاعة الاضطرابات السلوكية النفسية ، لأجل ان تتشتت الكلمة ويتباعد الناس بعضهم عن بعض ويحدث التجافي والتناحر ، وتعم الفرقة والقطيعة ، ويكون الاصلاح عندئذ صعبا ومستحيلاً ، لفقدان الثقة ، وهذا ما يسعى له ويريده أعداء الأمة في الداخل والخارج فإن لم ننتبه إلى ما يدور حولنا من تآمر إعلامي فالخاسر الأول المواطن ، والضائع الأمة.

أحدث المقالات