يبدو ان الرغبة الامريكية باصلاح ولو جزء قليل من الكوارث التي ارتكبتها واشنطن في العراق هي من دفعتها باستقبال وفود تمثل المحافظات السنية, فبعد احتلال البلد وتدمير بنيته التحتية ومؤسساته الوطنية وفي مقدمتها الجيش, سلمت واشنطن مفاتيح بلاد الرافدين الى الجارة الشرقية (ايران) صاحبة الاطماع التاريخية في هذا البلد.
وبعد ان كان العراق مَضربا للمثل في الامن والاستقرار صارت تتقاذفه الاضطرابات والازمات حتى جاء عام 2014 لتسقط معظم مناطق السنة بيد داعش نتيجة للحماقات التي ارتكبها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي خصوصا تجاه السنة الذين شعروا بخذلان القريب قبل الغريب, فاستبيحت دمائهم وفقدوا ديارهم وتشردوا في بلاد الله دون ان ترجف اجفان شركائهم في الوطن طوال السنوات الماضية بل ان بعضهم وضع الملح على جراحهم الغائرة.. جراح لم تجد من يدوايها حتى من اخوتهم العرب الذي اداروا ظهورهم للعراقيين قبل ان يحل ببعضهم ما حل باشقائهم.
فلم يبق – والحال هذه- الا التوجه الى الفاعل الرئيسي في المنطقة, فامريكا التي جرت الويلات الى العراق هي من تملك – بعد الله – مفاتيح الحل به لو ارادت ذلك, هذا اذا اردنا ان نتكلم بلغة الواقع بعيدا عن المثالية التي جسدها السنة طوال السنوات الماضية حينما ضربوا اروع الامثلة في الصبر والاقدام, فهم الذين اذاقوا المحتلين صنوف العذاب وجعلوهم يخرجون من العراق اذلة صاغرين, وهم الذي وقفوا بوجه كل المشاريع التي استهدفت البلد ورفعوا لواء الوطنية حين انزوى الاخرون وراء راياتهم المذهبية والقومية, فدفع سنة العراق المغارم دون ان يحضوا بالمغانم.
لقد جاءت زيارة وفد الانبار الذي يتالف من شخصيات رسمية وعشائرية، الى واسنطن بعد زيارة وفد من محافظة نينوى لتمثل رؤية واقعية للمرحلة التاريخية الحرجة التي يمر بها العراق الذي تغيرت معالمه تماما نتيجة لما فعلته المعارضة ايام النظام السابق, تلك المعارضة التي رسمت صورة مشوهة عن طبيعة الشعب العراقي فصورت السنة على انهم اقلية مؤيدة للنظام تتحكم في باقي مكونات العراق.
واذا كانت الادارة الامريكية جادة باعادة ترتيب اوراق المنطقة بعد ان تغول الخطر الايراني وتحوله من مرحلة التخطيط الى التنفيذ سيما مع احداث اليمن الاخيرة التي قد تستدعي نزولا جديدا للاعبين الكبار الى الحلبة لاعادة التوازن النسبي للمنطقة, الامر الذي يلزم قادة السنة باغتنام الفرصة والاستفادة من اخطائهم السابقة في هذا المجال, ومحاولة اعادة تقديم انفسهم مجددا بطريقة تبتعد عن الصورة النمطية التي عرفوا بها بكونهم يفتقدون الى المرونة ويتسمون بالتزمت حيال بعض القضايا التي يرون انها تمس مبادئهم.
لذا فلن اغرب في القول عندما اطالب قادة السنة بكل مسمياتهم الى محاولة مد جسور الثقة مع الامريكيين بغية تعديل كفة الميزان العراقي, خاصة مع التاييد الذي ابداه رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لزيارة وفد الانبار التي ان حققت النتائج التي وعد بها الطرف الامريكي فستكون انعطافة جوهرية في مسيرة العراق الذي كان في يوم ما يسمى حامي البوابة الشرقية.