لعل من الأيسر لي أن أقول في البداية أن الكتابة عن يوسف العاني وفنونه ليست امرا سهلا لثلاثة اسباب رئيسية: الأول أن تجربة هذا الفنان واسعة ، أفقياً وعمودياً، اصبحت منذ عقود عديدة ، تجربة تاريخية عاناها، ليس العاني وحده ،بل اجيال عديدة صاحبته وشاركته في الالتزام والمبادرة والعمل المشترك المزدحم بشواهد من مآسي التاريخ السياسي العراقي الحديث.
الثاني أن نشاط وأفعال يوسف العاني كانت مرتبطة ،عظيم الارتباط ، بالتيارات الادبية والفنية والسياسية، التي شكلت بكل وقائعها لوحة تاريخية غنية بالعطاء والتناقض في العراق ، طيلة الفترة اللاحقة لنهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم ، حيث يعيش يوسف العاني في الغربة الاردنية مبتعداً ،بشكل أو آخر ، عن بيئته الواقعية وعن منصته الرئيسية في الحرية والتعبير.
أما السبب الثالث فهو يتعلق بمهارة يوسف العاني بالجمع بين التراجيديا والكوميديا، سواء في كتابة نصوصه أو في أدواره التمثيلية. لقد نجح في أغلب اعماله في المزج بين النموذجين، التراجيدي والكوميدي، حيث أهدافه مرسومة بدقة، وأفكاره عميقة جداً، بأساليب درامية متجددة بغنى التجارب العملية، التي يمارسها ويراقبها في تجاربه الشخصية وفي تجارب العاملين معه ، واطلاعه على الاحداث المسرحية العالمية لتعميق شعور الاصالة والتجديد في اعماله ذات الصلة الوثيقة بجذور الشعب العراقي ، وعيا وقضية ولغة . ظل شخصياً في هذا المجال يلتقي مع الاشكال الريادية في الدراما الاغريقية التي يقف على رأسها كل من يوربيدس ، وأسخيلوس، وسوفوكليس .. فقد كان متابعا عميقا وحساساً وجريئا لمراحل وضع الأسس في البناء المسرحي العراقي، حيث اكسبتها تجارب رفاقه الاخرين من اعلام المسرح الكبار مثل سامي عبد الحميد ، الذي اهتم بدراسة الدراما الشكسبيرية وقاسم محمد الذي منحته قوة واصالة تجاربه في دراسات الدراما الروسية على ضياء وعطاء ستانسلافسكي.. ظل اسلوب المزج بين الكوميديا والتراجيديا مفضلاً لدى يوسف العاني لأنه يعتقد ان الحياة نفسها هي عبارة عن صور متعاقبة في حركة الناس، تراجيدياً وكوميدياً .
تلك الميزات او الأسباب الثلاثة جعلت من يوسف العاني منفتحا على المشكلات السيكولوجية للفرد العراقي وارتباطاته بالوقائع الحياتية الجارية في بلاده ومجتمعه. مشكلات كانت بحاجة فعلية الى شخصية فنية تتمتع بالإلهام والموهبة في تكوينها الثقافي، ملــّمة ليس بأنواع الفن وتياراته واتجاهاته في المعالجة التقدمية ، بل برصيد ضخم من العطاء والتجربة اليومية المتواصلة . كان يوسف العاني هو المظهر المسرحي العراقي البارز، حاملاً الروح الشاعرية القادرة على ان يصبح بسرعة معمارا مسرحيا عظيماً.
وجدتُ الدكتور حمدي التكمجي، العراقي المقيم في الاردن ايضاً، طامحاً الى الكتابة عن الفنان يوسف العاني وتصوير مختلف ظروفه واقحام قلمه في تفاصيل اعمالٍ كان قد ارشفها ووثقها بكل صورها وألوانها ، الحلوة والمرة. كشف التكمجي كل مظاهر النشاط المسرحي والفكري، التي انشغل بها واشتغل عليها يوسف العاني، مستمداً معارفه ومعلوماته ومستوحيا اياها من المواد الجانبية والرئيسية في الصحف والمجلات ، العراقية والعربية ، واكتشافات النقاد والباحثين والدارسين، الذين تناولوا نشاط وجهود يوسف العاني الفنية والانسانية .
لقد استطاع حمدي التكمجي عبر كتابه الموسوعي الاخير المعنون : ( يوسف العاني فنان الشعب) الصادر عن دار الأديب العراقية في عمان – الأردن ، أن يحرّك بقدرة عالية من الوعي العلمي ،في البحث والجمع والاعداد، كل عناصر تجديد حياة الفنان يوسف العاني وأن يحوّله ، كما هو في جوهره ، الى مثالٍ في واقع فني – ثقافي ملموس في العراق الحالي، أمام اجيال جديدة وجدوا انفسهم في ظل ظروف نفسية خانقة مرّت وتمرّ على البلاد . كما وجدوا أن التاريخ العراقي الحديث قد ألقى على اعناقهم مهمات وضرورات صعبة، قيــّـد الى حد كبير حركتهم الفنية وصادر الكثير من حجم امكانياتهم التعبيرية بضغوط كثيرة على الفنون ، خاصة بعد انهدام البنى الفنية التحتية. في مقدمة هذا الانهدام استمرار اخفاق الخطط في تقدير القيم الادبية للمسارح ودور العرض السينمائي التي واجهت بغداد منذ عام 1991 حتى اليوم. محن صعبة وقاسية ما زالت مستمرة، ابعدت تماماً التيارات الفنية عن العلاقة المباشرة مع الجماهير المتذوقة للفنون المسرحية والسينمائية.
كما كان مايكوفسكي يعتقد ان مسائل المجتمع على اختلاف نسيجها التاريخي والاجتماعي والسياسي لا يمكن حلها الا بعمل شعري فأن نشاط يوسف العاني لا يتوافق مع الطلب الاجتماعي الا بعمل مسرحي، حين أعتقد أنه يمكن بكلام وحوار المسرح اغناء افكار الناس بالكلمات النادرة، المبتكرة ، المركبة، سواء باللغة الفصحى او باللهجة الدارجة . كان يوسف العاني ومجموعة من اصحابه خصوصا في فرقة المسرح الحديث – طيلة عقود عديدة – ناهضين ،جميعاً ، لتطوير الفنون المسرحية والسينمائية واقامة صلات صميمية مع جماهير العاملين والمشاهدين معا .
ذات مرة عام 1959 وجدتُ علاقة مفتوحة مع يوسف العاني وفرقة المسرح الحديث ، عبر الصديق شوكت الرماح، حيث استشعرتُ الحاجة الى دعوة الفرقة الى البصرة حين كنت رئيسا لاتحاد الطلبة فيها وتقديم عرض خاص لمسرحية (آني امك يا شاكر) التي كان لعرضها في مساء يوم بصري جميل الطقس والانسجام الجماهيري . كان عرض المسرحية عاملا مهما في تفجير الآبار الارتوازية المسرحية في مدينة البصرة ، حيث ساهمتْ المسرحية في تحليل وتعميق النشاطات المسرحية اللاحقة في هذه المدينة المتحضرة ،رغم ان يوسف العاني في تلك الزيارة كان يشعر بتوجع مرير من (النشلة والكحة) لكن سفرة الفرقة ، في اليوم التالي، الى بساتين ابي الخصيب على ضفاف شط العرب كان لها معنى من معاني الصلات ليس مع اشجار النخيل والهواء الريفي الطلق، بل مع جمهور محبي يوسف العاني من سكان ريفيين وجدوا في الترحيب بيوسف العاني وزينب وناهدة الرماح وغيرهم، نوعاً من الثقافة تساعدهم على تجاوز الظروف الاجتماعية الصعبة. تلك السفرة وذلك اليوم كانا احدى القواعد التجديدية في العلاقة بين الفن والجمهور كما رآها يوسف العاني.
مع الأسف الشديد أن الإخفاق في إعادة اعمار البنية التحتية المهدمة في مسارح وسينما العراق، بعد عشر سنوات من التغيير، جعل ارقى واذكى وأوعى جمهور مسرحي في العالم العربي، اعني الجمهور العراقي، لا يجد عام 2014 مؤسسة مسرحية واحدة متكاملة في بغداد لا تغطيها تجاعيد الهرم والقدم. الامكانات والبنايات المسرحية البغدادية حاليا لا تحظى بعناية الدولة ولا برؤوس اموال القطاع الخاص مما جعلها في حال لا يمكنها استيعاب آلاف المشاهدين كما كان الجمهور المسرحي قد تدرّب خلال عقود من الزمان السابق لنيسان 2003 رغم قسوة ذلك الزمان وبطشه على العلاقة بالحضور الدائب لمشاهدة ما تحمله المسرحيات الجديدة المتعاقبة. حُرم الجمهور من التركيز على المؤثرات الجديدة سواء الفكرية او الاسلوبية. كما حرم الجمهور العراقي الشاب من عطاء الفنانين العراقيين من اولئك الذين كان نصيبهم الغربة والاغتراب في الدول العربية والاوربية والامريكية حيث يواجهون مصاعب اكمال نشر رسالتهم الفنية . كان يوسف العاني احد اهم الوسائل العقلانية الحديثة لجذب الجمهور الى ارتياد المسرح لكنه حُرم ، أيضاً، لأسباب عديدة من ان يظل منبعاً نشيطاً بهذا الصدد بسبب غربته الحالية عن بيئته ذاتها وبأمراض تضايقه كثيرا في البيت والمستشفيات.
من هذا الواقع يأتي المهندس حمدي التكمجي ، كباحث أصيل وكاتب قدير، للتعريف من خلال كتاب واحد بالموقع والمكانة التي يحتلها ويمثلها يوسف العاني في تكوين وصياغة وجدان الفن العراقي الحديث بانتمائه الى الماضي الفني العريق، الذي تميز به يوسف العاني خلال أكثر من ستة عقود من الزمان العراقي، المتجهم بالقمع والصراع والسجون ، وبكل نواتج الشموس السياسية الحارة وانقلاباتها الحارقة.
تلك هي بغداد التي كشف فيها المهندس التكمجي بكتابه الجديد عن أعمدة فنية ، عالية وراقية، شادها يوسف العاني على الأرض المسرحية والسينمائية العراقية وآثارها التاريخية الخالدة. بدأ التكمجي كشفه بالتراث الوجداني لآخر حدث من احداث الكتابة المسرحية الشعبية، التي نلمح فيها فلسفة يوسف العاني عن الحياة وعن الصراع السياسي في نموذج مسرحية ( أويلاخ). مسرحية (عانيـّة) جديدة – قديمة كشف فيها يوسف العاني نماذج ليست بشرية تحكـّم في سلوكها يوم 8 شباط عام 1963 شعور طاغ بالقهر والعدوان والاغتصاب وخذلان جميع القيم الاخلاقية التي تردى في مهاويها ما يسمى (الحرس القومي) الذي شبّ وتربى وتجبــّـر في بيئة فاشستية ، بذهنية اجرامية .
مفاجأة كتاب السيرة الذاتية ( يوسف العاني فنان الشعب) لم تكن من الماضي، بل كانت من الحاضر. حملت صفحات الكتاب 11 – 100 مسرحية جديدة إذ كتب حمدي التكمجي يخبر القراء: ( قبل مغادرة صديق العمر الفنان المبدع يوسف العاني عمان في 10 – 10 – 2013 الى بغداد أهداني مخطوطة مسرحية باسم ” أويلاخ” مع حق طبعها ونشرها حيث لم تنشر سابقا بالرغم من مرور 40 سنة على إكمال كتابتها). في هذه المسرحية يغور يوسف العاني عميقا في وضع خشبة المسرح برؤية جديدة وتثوير جديد بنوعٍ من روح انسانية (برشتية) في كل مشهد من مشاهدها تحت صرير صوتي من العلاقة بين المسرح والسياسة في حوار واقعي للتعبير عن تعقيدات ما جرى في اقبية القتل والجريمة والتعذيب عام 1963. حملت صفحات المسرحية منولوجات داخلية وحوارات خارجية، كاشفة عن ضحايا تلك الجرائم ومواقفهم الوطنية الحقيقية الصادقة وهم في ادق اوصاف الاوضاع الدرامية الخانقة. في هذه المسرحية الجديدة – القديمة صوّر يوسف العاني ، برؤية مسرحية، قرميد الضمير الوطني العراقي بنمط التضحيات الملحمية لكل من محمد حسين ابو العيس وجورج تلو وعبد الرحيم شريف وعدنان البراك ونافع يونس وزكية خليفة وعبد الجبار وهبي وسلام عادل وطه الشيخ احمد وفاضل عباس المهداوي وجلال الاوقاتي وليلى الرومي . كذلك كتاباته عن عامر عبد الله وصفاء الحافظ وصباح الدرة وعبد الرزاق الشيخلي وحمزة سلمان وعبد الفتاح ابراهيم وعزيز علي وفاضل الجمالي وباهر فايق وسليم البصري وناهدة الرماح وزينب ومحمد سعيد الصكار وانوار عبد الوهاب وعبد الجبار عبد الله وعبد الكريم قاسم وكامل الجادرجي ورافد بابان وغيرهم الكثير من الشخصيات العراقية الفذة.
يوسف العاني لم يكن فنانا شعبيا فحسب كما يسميه بعض النقاد العراقيين والعرب .. لم يكن قد استحق لقب (فنان الشعب) كما سماه الدكتور حمدي التكمجي ، بل هو خزان مليء بالأفكار والتجارب المسرحية والسينمائية جعلته عنصرا مشتركاً في العراق بين العلم والفن، بين السياسة والفن ، بين ميدان النشاط الانساني النظري والتطبيقي، بين المعرفة والظروف الخانقة، بين سعادة النضال الوطني وتحويل خشبة المسرح الى سبورة تعليمية بطباشير المتعة الجذاب. يوسف العاني ثروة وطنية كبيرة بالعراق لأن الآبار المعرفية في اعماقه غنية بالمعارف، لأنه الف 44 مسرحية ، وأصدر 28 كتاباً حول المسرح والسينما وكان لي جهد متواضع في شرف اصدار إحداها .كان يوسف العاني قد مثــّـل في 58 مسرحية وكتب وساهم في 12 فيلما سينمائيا وكتب ومثــّـل وشارك في عشرات التمثيليات التلفزيونية .. حاز على 22 جائزة عراقية وعربية .. شارك ولعب دورا مهما في 64 مؤتمرا ومهرجانا عراقيا وعربيا وعالمياً وكتب عشرات المقالات في الصحف والمجلات وظهر في عشرات المقابلات التلفزيونية .
لقد شغلت قضية يوسف العاني العديد من الكتاب العراقيين والعرب وسيطرت على تفكيرهم التجديدات المسرحية المتواصلة لهذا الفنان الذي ابتدأت اعماله المسرحية ولا تزال معنية بعلاقة الشخصية العراقية بالزمان العراقي والتحولات والتغيرات، التي تعاقبت على هذه العلاقة وقد قام التكمجي بتوثيق تلك الكتابات برواء وألق نموذجيين، معززا بمئات من الصور الوثائقية في مراحل شباب وكهولة وشيخوخة يوسف العاني بكل تدفقاتها وتياراتها في صلب أعماله المسرحية كلها. لقد تابع التكمجي اغلب ما كُتب عن الفنان يوسف العاني بأقلام عراقية وعربية معروفة ببراعتها وبثقافتها القادرة على تشخيص القيم الفنية الكبرى، التي حققها يوسف العاني في المسرح العراقي. بذلك استطاع التكمجي ان يستعيد (الزمن الضائع) الذي كان يبحث عنه (بروست) من خلال تحويل (لحظات الماضي) المسرحي العراقي الى لحظات بمضامين ابحاث وكتابات ورؤية (لحظات الحاضر) . نشر التكمجي نصوصا كثيرة من الأبحاث والدراسات والمقالات النقدية تناولت صوراً عن القمة التي بدأ منها يوسف العاني ليصل إليها، بل لينتقل من قمة الى اخرى. كتب عنه بإعجاب عدد كبير من المثقفين العراقيين البارزين وبلمعان فكري – فني كل من صلاح خالص وعبد الجبار وهبي ابو سعيد وياسين النصير ود. جميل نصيف وسامي عبد الحميد ونازك الاعرجي وحميد المطبعي وعبد الرحمن منيف وعواد علي وفاضل خليل وفلاح كاظم فرهود ود . جواد الاسدي وعبد الله حبة ومحمود ابو العباس وعبد الخالق كيطان والدكتور عقيل مهدي وعبد العزيز السريع ولطيف حسن وغيرهم. لم اكن انا شخصيا محظوظا في الدخول الى ذاكرة كتاب الدكتور التكمجي اذ هربت مقالاتي التي ولــّـدتها محبتي لفنون يوسف العاني كنت قد نشرتها في مجلة الراصد البغدادية بداية سبعينات القرن الماضي .
كانت الفترة التي نشط فيها يوسف العاني 1945 – 2003 مواصلا في هذه الايام ايضاً، الكشف بأضوائه عن بُعد ذبالاتها. كانت فترة صعبة ومعقدة لكنها فترة خصبة بذات الوقت في التاريخ العراقي . برزت فيها تيارات ديمقراطية وقومية ودينية . صاحبتها اتجاهات فكرية وسياسية متعارضة.. حفلت بها ثورات وانقلابات عسكرية وكانت قد أتيحت للشركات الاحتكارية العالمية فرص نهب الثروة البترولية الوطنية. هذه الفترة بما فيها من نهوض اتجاهات فنية وادبية وثقافية متنوعة كانت تغمر الفن كله والفنانين العراقيين كلهم بأضوائها الساطعة بما فيها من الظلمة النافرة . كان يوسف العاني واضعا نشاطه وفكره داخل كل هذه المساحة مواصلا حمل سراجه بيده مع اصحابه المسرحيين الاخرين ومع جيل عراقي مناضل من أجل الحرية والديمقراطية بوجه التيارات والعواصف المختلفة . كان يوسف العاني مسرحيا مثل جورج برناردشو يقيم للعقل الانساني اكبر اعتبار.. يستخدم الفن المسرحي كوسيلة من وسائل التعبير عن افكاره الحرة ، لكنه لم يكن منتميا حزبيا كما كان برنارد شو، فقد ظل مستقلا لا يريد للفن المسرحي ان يشتبك مع علوم السياسة وصراعاتها الحزبية الطويلة.
لم يكن يوسف العاني مجرد داينمو مسرحي، بل تميز بقدرة حركية خارقة شبيهة إلى حد كبير بقدرات شارلي شابلن في احتضان آفاق الكاميرا والعمل السينمائي. أحتضن العاني الافق المسرحي بكل ابعاده بنفس القدر من احتضان الميدان المسرحي العراقي وجماهيره لفنونه وتأملاته. ظل طيلة عمره الفني المديد معانقا روح العصر العراقي واحداثه وشخصياته . هذه هي المعجزة الفنية للفنان يوسف العاني الذي لا تكفيه لمحات خاطفة من عبارات التقدير والاعتزاز لمعرفة شخصيتها ووضعها امام الاجيال المسرحية الجديدة ، الراغبة في الاطلاع والبحث والدراسة لمعرفة الحقائق الجلية عن معالم وملامح ومقومات الواقعية الابداعية في مرسومات يوسف العاني كافة، في ميداني الكوميديا والتراجيديا. ظل متفائلا في ظروف العتم السياسي التي مرت على الشعب العراقي، وظلت نغمات صوته على خشبة المسرح او على صفحات الكتابة مميزة دائما بمعانيها الهجائية – الكوميدية .
تناول الدكتور حمدي التكمجي في كتابه الموسوعي ب350 صفحة من الحجم الكبير شخصية يوسف العاني من عرض ملخص سيرته الذاتية، منتقلا الى دراسة فنونه المسرحية ككاتب وممثل ،مستندا الى ما كتبه عنه النقاد والمتابعون لفلسفة الفن المسرحي من الكتاب العراقيين والعرب اهتموا بشكل خاص بإظهار تأثير الواقعية في فنون يوسف العاني على المسرح العراقي وقد نظم هذا الاستخدام في فصل خاص داخل الكتاب . كما حرك التكمجي غاياته من نشر هذا الكتاب بقدرة موسوعية فائقة من خلال عرض بهجة مقالات يوسف العاني نفسه ومعارفه الفنية ملخصا افكاره الرئيسية في السينما والمسرح والفنون الشعبية.
لقد اعطى التكمجي خاصية جديدة في الكتابة عن السيرة الذاتية للفنان يوسف العاني بوسيلة التوثيق والارشفة بعيداً عن الاساليب القديمة المتبعة في هذا النوع من التوثيق عند المؤلفين التقليدين ،فقد وضع في كتابه امام الباحثين والكتاب والمعنيين بفنون يوسف العاني والمسرح العراقي اغلب – إن لم تكن جميع – الاعمال الفنية العظيمة في المسرح العراقي وملاحقة توثيق اغلب – إن لم تكن جميع – الكتابات المتعلقة بمواهب أحد عظماء الفن المسرحي العراقي، لتمكين الاجيال اللاحقة من معرفة انجازات وابداعات الرموز المسرحية العراقية وفي مقدمتهم شخصية يوسف العاني، التي كانت قد تميزت بملكيتها نظرة مسرحية عامة وخاصة الى الحياة الانسانية بما يحيط بها من خيال وواقعية ورومانتيكية.
قراءة كتاب (يوسف العاني فنان الشعب) تمنح القراء خصوصا من متابعي الاعمال المسرحية متعة خاصة ومنافع خاصة. يجدون فيها قيماً كبيرة وحارة للتعريف بالإنجازات التكنيكية في الميادين المسرحية للفنان العراقي يوسف العاني الذي ارسى ملمحاً واضحاً متميزاً في التأليف المسرحي وفي تكنيك التمثيل والاداء تظل لزمن طويل في المستقبل علامات ملحمية في المسرح العراقي كله.