( وظيفية الخطاب تـنزاح عن دلالة المؤثر)
يختلف التوازي احياناً مابين ( الخطاب / الفكرة / الوظيفية/ ذاتية المتصور) حيث تبدو هذه العلاقة مابين هذه الاشياء والتصانيف شبه علائقية في مخالفة طبيعة الاحكام الشرطية والمقاييس الاحتوائية في حياة النص الشعري وفي حياة ادراكات الشاعر الحسية المباشرة . وعلى هذا هل يمكن لهذا الشاعر بعد الان من معاينة هذه الشرائط الوثوقية ثم وضعها داخل سياقية معقولة ومنضبطة تتمثل بمقدار ماتكون عليه القصيدة ذات الوظيفية الخطابية المتميزة ودون وجوب علاماتها الدلالية المؤثرة في مشروعية قيمة براهنية ادوات وشرائط صناعة هذا النص : من هنا وعبر هذه الاضاءة البسيطة هل سوف يكون بوسع ( سعد جاسم ) الاحاطة الكاملة بنا وبنصه ثم اقناعنا بعد ذلك بوجوبية مشروع خطاب قصيدة ( ثلاثون قبلة وقبلة) المنشورة في العدد( 3355 / يوليو / 2009) هذا الخطاب الذي قد وجدناه مقصورا ومفككاً لدرجة الابتذال ، وهو يحاول المام تبعثرات ( مراهقة شعرية ) وصورية ايضا قادمة من فضاءات كيفية في جل محدادتها الايهامية والتي لربما تفتقد احياناً للغة الايحاء وللغة الشعرية المتينة الواصفة لمجريات وحدات خطابية قد يعوزها الشد والتماسك الشعري والبلاغي ( جسدك ارض بكر : لاتزهر ولاتثمر : قبلات محنطة : في ألبوم الذكرى : لولا قبلاتك المائية : ايتها الينابيع : لماتت الانهار والحقول والحيوانات والغابات : وشقى الانسان اكثر : قبلات الاب : خلاصة روحه : وشفاعته عند العرب )
بهذا السعي المربك والذي يذكرنا بكتاب مطالعة اللغة العربية للصف الاول الابتدائي للتلاميذ الصغار؟ : وبهذا السعي المتخبط ايضاً يفتتح ( سعد جاسم ) كمالية محتواه الشعري حيث لانجد في علاماته الحرفية الطبيعية التي يحاول من خلالها صنع منطوقاته الدلالية ، غبر ان ذلك الترجيح مابين اختلافية العلامة والتباسية المشبه به وعلى هذا يكون تأويلنا لما قد جاءت به القصيدة عبارة عن مرور قسري من العلامة الاصطناعية الى توجهات قصدية المدلول ، الذي راح يتسم بأرادة شبه مبتورة تنزح نحو الاختيارات التوصيفية السيئة ، وعندما نعاين من جهة حجم الاساس الذي اخذ يبني عليه الشاعر علاماته الشعرية نلاحظ تحكم الظاهرة الموصوفة لديه على حجم مستوى اداة دلالة الفعل المؤجل او الناقص – فمثلا – قول مثل هذا ( جسدك ارض بكر : لاتزهر ولاتثمر : الا بالقبلات ) ان حالة التأويل هنا قد تبدو للوهلة الاولى معاكسة تماماً لحالة الموجه لقراءة هكذا فعل علاماتي ، والذي قد يبدو اجمالا
مقصوراً على حالة قولية تنحى بصفة المخالفة الدلالية من الاتجاه العلاماتي المهيمن ، من ناحية اخرى نجد ان بعض من مقاطع القيدة تقوم بأتباع تقصد موضوعي قد لايسمح لمجموعة تعاضدية الفعل الدلالي في علاقة ما مع وجوبية ( التأويل القضائي ) وتبعاً لهذا فأننا وعند قراءة كل مقاطع قصيدة الشاعر لربما لانهتدي بغير ذلك الولوج العباراتي المخالف لمقصدية الفكرة المختزلة ، واذا دققنا اكثر ، قد لانجد مايساعد حتى على استمرار بنية خطاب القصيدة ، وذلك يعود بسبب من ان سعد جاسم قد اهتم اهتماماً جماً بجمالية الكلمات اولا والصور الشكلية ( لقبلاته الساخنة ) دون اهتمام واضح بماهية ( افعال الكلام / اعماق نواة الدلالة / العلاقات الثيماتية / روابط مقاصد الصور ) فمثلا نطالع هكذا مقاطع من القصيدة 🙁 القبلة صلاة العشق : في حضرة المعشوق : قبلة الحمى : جرس انذار : يأخذ شكل الوردة : ويزيد العاشقان : فتنة وحرارة :بوسة : يامحسنات : ثمة شحاذون يتوسلون القبلات : الملائكة قُبَل الله اللامرئية) اننا في واقع الامر قد لانستطيع نحديد اجناسية هكذا ( خرابيش قولية ؟) فما معنى هذا ؟ هل في اعتقاد سعد جاسم بأن هذه التواصيف هي بلوغية في حدتها التصويرية لهذا الشعر ؟ لربما القارىء لمقاطع القصيدة وموضوعة القصيدة لايعثر على ماينشده من قراءة الشعر بشىء ، فهذا يعني بدوره بعد اتمام القارىء لقراءة قصيدة سعد جاسم ، بأن لاوجود لتخزين معلوماتي شعري من شأنه اولا تحقيق الذات الشعرية ثقافيا ومعرفيا ،والمقصود بقولنا هذا ، هو ان القارىء لقصيدة سعد جاسم ، ربما لايعثر على ثمة ( تكوين معرفي / تأثيرية نص /الوظيفية الادراكية / ابعاد المخيلة / خصوصية زمن القراءة ) انما كل ما يلقاه القارىء هو انفصالات قولية بحاجة الى سياقية مقصدية بعيدة ، لا ان نجد مثل هكذا معاينات مأثورية فقط ( الملائكة قُبَل الله اللامرئية!!!) فأنا شخصياً بحاجة الى دعوة سعد جاسم لتفسير مثل هكذا ( دوال سائبة ) فما هو وجه القيمة الدلالية في قول مثل هذا ؟ هل مقصود هنا هو عملية ( الترابط المقصدي؟) ام ان المقصود هو اساءة فهم العملية الشعرية من لدن سعد جاسم ؟ في واقع الامر نحن بحاجة الى دليل شفروي وماهوي ونحن نقرأ سطحية قصيدة الشاعر ، لان ماوجدناه في سياق نص القصيدة ، قد لايوحي لنا بالشعر او الدلالة لا من قريب ولا من بعيد : وختاماً اقول انا شخصياً للشاعر سعد جاسم بكثير من الاسف : ان الاهتمام بالسياق الخطابي فقط قد لايوفر للقصيدة مساحة من السمو كأداة اجرائية تنحو مساراً اكثر عمقاً ودلالة مع معطيات التداولية الصوتية في مكونات افعال النص الشعري ، فأنا في واقع الامر؟ لا احبذ الكتابة بهذه الطريقة التي تكون فيها القصيدة في نهاية المطاف عبارة عن صوت رسائلي او صوت رخيص ضمن دلالة لغوية فاترة ترتبط بأفعال كلامية شبه ضالة وضليلة ، كذلك فأنا بعد كل هذا ، قد لايساورني الشك لحظة واحدة بأن عوالم قصيدة
( ثلاثون قبلة وقبلة ) ماهي الا افعال صورية وجمل مشتتة يعوزها العمق والتوظيف الدلالي وارهاصات عاطفية رصينة وموقرة ، من شأنها جعل ادوات الشاعر اكثر احتشاماً واتزان في ايصال المعاني الممكنة وعلى هذا اقول لسعد جاسم بشكل حدي وكاشف : نحن بهذه القراءة لانهدف للنيل من اسم الشاعر ولا ايضاً من مستوى ادائية القصيدة ، بقدر مايهمنا هنا هو اثبات الذات الشعرية وكيفية كتابة هذه الذات لعوالمها
،لا ان تسيىء هذه الذات كما الحال في قصيدة ( ثلاثون قبلة وقبلة ) لسياقية بوح الاشياء ووظيفية الاشياء وعلى هذا ايضا نذكر ( سعد جاسم) بسلسلة مراحله الكتابية الطويلة للقصيدة ، بيد اننا لانعرف سر هذا التراجع الرؤيوي والاداتي في كتابة القصيدة لديه مؤخراً ، وعلى حد علمي ، اتذكر بأن للشاعر اعمال شعرية متفردة في حصيلة السنوات الماضية والعقد الثمانيني ، الا انني وعلى حين غفلة عندما تسنى لي التعرف والقراءة على قصيدة ( ثلاثون قبلة وقبلة ) يقيناً اصبت بزمن عظيم من فعل الصدمة والاحباط ، كما ولا استطيع ان اعرب عن حجم دهشتي اذ قلت 🙁 ماسبب تراجع مستوى انتاج الشعراء حين يتقدمون في السن ؟ هل في هذا ارتباط مباشر بفعل التحسس مثلاً ؟ او بفعل الذاكرة ؟ ام ان هذا مرده لحيز تغايرات الامكنة والاهتمامات والطارىء الجديد؟) قد تبدو هذه المداخلة الاخيرة منا شبه طارئة ،الا ان ما دفعنا لهذا هو امر تراجع نصوص الشعراء والادباء والذي يبدو مؤخرا يظهر بشكل معقد وواسع ، ومايعيب قصيدتك سيدي العزيز ؟ هو انها لاتتوافر على ذلك الضرب من التماهي بين مستوى فعل الافكار ومستوى علاماتها الخطابية ، بيد ان القارىء لها يكتشف عدم تطابق ما بين ( صوت الدال ) ومابين ( علامة المدلول ) بل ان القارىء لها ايضا سوف يواجه مجالا عسيرا من مراوغات صورية الخطاب وانزلاقات الدلالات نحو علامات اسمية رخيصة ، قد لاتقدم الواقع الخطابي الشعري الا من جهة وصفه تجربة حسية مغرقة بالوضوح والمباشرة والمراهقة احياناً ( فيا للخيبة؟) وكلي اسف وحسرة اقول ياليتنا قد بقينا على ضفاف وحدود القصيدة العامودية حتى لايكون بمستطاع كل من اتى كتابة الشعر والقول ( انا شاعــــــر؟).