ليست هي المرة الأولى التي يطالب فيها البصريون بتحويل محافظتهم إلى إقليم فقد سبقتها دعوة تبناها النائب عن البصرة وائل عبد اللطيف في 2008 لكن نتيجة الاستفتاء الذي اجرته المفوضية وقتها كانت مخيبة للآمال.
من وجهة نظر المطالبين بالإقليم فإن المفوضية لم تكن جادة في الاستفتاء ولم تفتح مراكز انتخابية كثيرة لتمكّن البصريين من الإدلاء بأصواتهم دون عناء، هذا فضلا عن تصدي أحزاب شيعية ذات نفوذ واسع مثل المجلس الاعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري للفكرة واتهام القائمين عليها بالولاء للخارج ومحاولة تجزئة البلاد.
لكن الوضع مختلف اليوم على ما يبدو، فآلاف الناشطين البصريين على مواقع التواصل الاجتماعي يشنون حملة تثقيف واسعة للتعريف بالإقليم وأهميته، وتترافق هذه الحملة بتعرية الأحزاب الشيعية الحاكمة في البصرة ووضعها في خانة المناوئين للمدينة.
وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف البوسترات والمنشورات التي تحث البصريين على عدم الثقة بهذه الأحزاب لأنها لم تخدم البصرة والبصريين ولم تحل مشكلاتهم طيلة السنوات التي حكمت فيها البصرة.
وقد حكمت البصرة بشكل أساسي من قبل حزبي الدعوة والمجلس الأعلى مع أحزاب صغيرة أخرى. لكن المدينة الغنية بالنفط ماتزال غارقة في بحر من النفايات والمياه الآسنة، وتبلغ نسبة البطالة فيها أكثر من 36% فيما يبلغ التلوث معدلات قياسية، ويسيطر قادمون من محافظات أخرى على مراكز الإدارة المهمة فيها.
وقال أحد الاداريين في موقع خاص بالترويج لإقليم البصرة إن ” عدد زوار موقعه يبلغ نحو 30 الف زائرا يوميا، فيما يطلب المئات الانضمام الى الموقع أسبوعيا” وبينما يتواصل المئات من البصريين المؤيدين للإقليم التظاهر كل جمعة في ساحة الحرية وسط البصرة، تتسع ظاهرة الاجتماعات التي يشارك فيها شيوخ عشائر ومثقفون لتأسيس رابطات دعما لفكرة الإقليم.
لكن البصريين المطالبين بالإقليم بسبب التهميش الذي تعرضت له محافظتهم، مازالوا مختلفين على الطريقة التي تُدار بها تحركاتهم المطلبية، فمنهم من يعتقد أن الحراك الشعبي هو الطريق الأسلم للوصول الى الهدف، ومنهم من يعتقد أن هذا الحراك بحاجة الى غطاء سياسي وإعلامي يسنده.
وبين الفكرتين يُثار جدل واضح يتسع أحيانا ويأخذ طابعا حادا، فالمؤيدون للفكرة الأولى يتخوفون من بروز شخصيات سياسية تستحوذ على القرار البصري مجددا وتصادر جهودهم، فيما يذهب المؤيدون للفكرة الأخرى الى ان القيادة ضرورية لبلورة الجهود واضفاء الرصانة على التحرك الشعبي الذي سيبدو فضفاضا بدون هيئة قيادية.
بدوره اعتبر استاذ النظم السياسية، الدكتور فلاح مرتضى عباس، المطالبة الشعبية بالإقليم مشروعة من الناحية القانونية ولفت الى ان من حق البصريين تشكيل هيئة عليا لإدارة تحركهم الشعبي، وقال إن “تأسيس الهيئات الشعبية لا يحتاج الى موافقات قانونية وهناك آلاف الهيئات المشكلة”.
لكنه شدد على أهمية انبثاق قيادة سياسية واضحة لإدارة الحراك الشعبي في هذه المرحلة، وبين أن هذه القيادة يمكن أن تضم جمعا من الناشطين البارزين تتولى مهامها بشكل جماعي بعد توزيع الأدوار فيما بينهم.
ومع أن أعداد المندفعين لتبني فكرة إقليم البصرة تتزايد باستمرار، يقابلها زيادة بأعداد الموقعين على طلبات التحول الى اقليم، حيث تجاوزت هذه الطلبات ألـ 100 ألف استمارة، غير أن مسارات تحركهم تبدو ذاهبة في مسارين لا ثالث لهما.
الأول، هو الظفر بالاستفتاء على الدستور وتحويل المحافظة إلى إقليم بشكل قانوني ينسجم مع الدستور، على الرغم من التخوف مما قد تضعه الاحزاب الشيعية من مطبات لإجهاض هذا المسعى بطريقة أو بأخرى.
أما المسار الثاني، وبدت ملامحه واضحة، فيكمن في تراجع شعبية الاحزاب الشيعية بعدما سببته من استياء شعبي بين البصريين، ومن المرجح جدا انها ستخسر مقاعدها أو على الأقل عددا كبيرا من مقاعدها في مجلس المحافظة لصالح كتلة بصرية بدت تتبلور، وأمام هذا يبدو الحلم البصري بالإقليم أقرب مع الوقت، وإن تمكن البصريون من الجمع بين المسارين بذكاء وانسجام فإنهم سيتمكنون بقوة من نيل مطالبهم بالإقليم والظفر بامتيازات كتلك التي ظفرت بها كوردستان