((4))
عندما ذكرنا في القسم الاول من هذه البحوث ان مدرستنا الاجتماعية العراقية تفتقر الى الدراسات المعمقة العلمية والمكثفة لهذه الشخصية الكردية العراقية لم نكن نقصد بطبيعة الحال والمنهج انسدادالافق امام تناول هذه الشخصيةالمجتمعية العراقية بالبحث والاستقصاء والدراسة العلمية التاريخية والحاضرة المنتجة والمثمرة !!.
بل ان ماموجود تاريخيا ((لاسيما ان الانسان الكردي في هذه المنطقة لم يفارق / حضوره /اكمال نسيج المجتمع العربي الاسلامي والتكامل معه منذ وجود العراق ثم العرب والاسلام وحتى قيام الدولة والمجتمع العراقي الحديث اليوم )) وما مطروح بحثيا انثربولوجيا وكذا ما كتب سوسيولجيا اجتماعيا كرديا فيه من الغنى الشيئ الكثيرالذي يمّكن اي عالم اجتماع ، او اي مدرسة اجتماعية من تناول الشخصية الكردية العراقية الحديثة وماهية ((جذورتكوناتها الثقافية والدينية والاجتماعية والتربوية ..وغير ذالك)) وهذا هو ما دعانا((في مقدمة القسم الاول )) لتوجيه اللوم بالقصور ، لهذه المدرسة الاجتماعية العراقية بمؤسسيها والتي توفرت لديهاجميع مادة البحث العلمية ومفرداته الا انها تكاسلت او قصرت في بحث ودراسة الاجتماع الكردي العراقي الحديث بشكل موسع وعلمي !!.
ولهذا يمكن القول ان هناك (مادة علمية ثريّة) مهمة تتحدث عن تاريخ الشخصية الكردية ، بالاظافة لحديثها اليوم عن هذه الشخصية الكردية اجتماعيا ، ودينيا ، وسياسيا واقتصاديا وفنيا ، وتربويا واسريا …الخ حسب معطيات ومناهج البحث العلمي الحديث !!.
((5))
والحقيقة ان هذه البحوث التاريخية ، والانثربولوجية والسوسيولوجيا العلمية ،التي تناولت الشخصية الاجتماعية الكردية فيها من التنوع في وجهات النظر العلمية والسياسية والفكرية و … الشيئ الكثير والثري والمثمر في استكشاف قوانين واسرار وشيفرات الشخصية الكردية ما يدفعنا ، او يضطرنا قبل الحديث والتعرف وتناول الشخصية الكردية الى تقسيمات وادراك ماهيات هذه البحوث ومن ثم تصنيفها الى ثلاث محاوررئيسية :
الاول : المحور الاستشراقي العلمي، وهذا المحور كتب في الشخصية الكردية ، انطلاقا من رؤية بحثية علمية انثربولوجيه ممزوجة برؤية سياسية حديثة ، مَثلّها في الدراسات الكردية الحديثة ((باسيل نيكتين)) الروسي الكوردولوجي المتأثر ب (( مينورسكي )) ، وكذا (( ارشاك سافراستيان )) و((مارغريت كان في كتابها ابناء الجن )) و(( ويليام ايغلتون )) ومذكرات حاكم اربيل الانجليزي العسكري ، (( دبليو . ار . هي )) و ….. !.
ثانيا : المحور التاريخي العربي وغير العربي الاستشراقي الذي ارخ للتاريخ الانساني لسكان هذه الجغرافيا بصورة عامة وللتاريخ العربي
الاسلامي بصورة خاصة (( كالطبري ، وابن الاثير ، والمسعودي و .. وكذا الشرف نامه للبدليسي او البتليسي الكردي و…الخ)) وبما فيهم طبعا المجتمعية الكردية باعتبارها (من خلال صناعتها لهذا التاريخ) احد المساهمين في صناعة ومسارت هذه الامة .
ثالثا : محور الدراسات السوسيولوجيه التي اختص بها الكرد انفسهم (( اي كتبها اكراد ليعبروا عن انفسهم بانفسهم وليس من خلال كتابات الاخرين عنهم )) ، والتي تخصص بها مثلا (( احمد محمود الخليل ، سوسيولوجيا ، ومتخصصا ، ومترجما في كتابه/ الشخصية الكردية / والدكتور مهدي كاكائي وابراهيم الداقوق ، واحمد تاج الدين في كتابه / الاكراد تاريخ شعب وقضية وطن / و ….الخ )) !.
فمثل هذه المحاور البحثية العلمية والتوثيقية ، والتاريخية هي بالحقيقة المادة العلمية التي يمكن الرجوع ، والاتكاء ، والانطلاق منها لدراسة تكونات الشخصية الكردية الحديثة بكل اشكالياتها المعقدة !!.
((6))
طبيعي عند ذكرنا تنوعا ، وتوجهات مختلفة لهذه الدراسات التاريخية والعلمية الانثربولوجيه والسوسيولوجية في الشخصية الكردية الحديثة قصدنا منها الاشارة والتنبيه الى :
اولا: ان من هذه الدراسات ، والبحوث ما يغلب عليه او يمكن اطلاق صفة (( البحث والدراسة العلمية بشانه ))، وان مازجته بعض الرؤى السياسية اوالتحليلات الايدلوجية لتاريخ الاجتماع الكردي اوشخصيته
كما هو حاصل بالفعل في الدراسات الاستشراقية المذكورة اعلاه من قبل المستشرقين ولكن ومع ذالك لم تفقد هذه الدراسات روحها العلمية وتتميزايضاهذه الدراسات بنوع من الموضوعية كذالك حالها في ذالك حال المصادر التاريخية العربية التي دونت للشأن والشخصية الكرديه تاريخيا والتي تميل الى(الوصفية للواقعة التاريخية ) اكثر من ميلانها للتحليلات السياسية او الايدلوجية !!.
ونحن في الواقع في دراستنا الاستقصائية والاستكشافية هذه للشخصية الكردية نبحث عن ماهو علمي او قريب من مواصفات البحث العلمي الغير متاثر بتحليلات الجانب الايدلوجي السياسي بشكل كبير ، والذي يفقد البحوث والدراسات العلمية روحها وواقعيتها البحثية !!.
ثانيا : يغلب مع الاسف على معظم الكتابات التاريخية والسوسيولوجية التي سطرتها اقلام الكرد انفسهم ((الحديثة بالخصوص )) الطابع ، او التوجيه الايدلوجي السياسي ، المتأثر بشكل مباشر ب(( الفكر القومي العالمي الحديث )) ، مما افقد معظم الكتابات الكردية التي كتبها الكرد عن انفسهم طابع العلمية او الموضوعية في التناول للشخصية الكردية الحديثة !!.
بمعنى اخر يلاحظ القارئون ، والمتتبعون والمتأملون للمنتوج الفكري والعلمي والسياسي الكردي ، او الذي كتب بالشأن الكردي التاريخي بشكل عام والسوسيولوجي الاجتماعي بشكل خاص ان معظم ما كتب في هذا الاطاركرديا تفوح منه رائحة الادلجة ويمكن وصفه بانه ماهو الا محاولة (( لتوظيف البحث والدراسة العلمية )) لاغراض سياسية
وايدلوجيه وهذا في الواقع السمة البارزة (تقريبا) في معظم الكتابات الكردية التي كتبوها في العصرالحديث (عصر مابعد الحرب العالمية الاولى في مفهومنا الاصطلاحي لحداثة العصر)عن تاريخهم وواقعهم الاجتماعي والسياسي والعقدي وحتى الاسري مما افقد هذه الدراسات للبعد الواقعي او الموضوعي العلمي لبحث الشخصية الكردية !!.
ففكرة ( القومية الكردية / مثلا / او فكرة قيام دولة كردستان الكبرى / او فكرة الانسلاخ من واقع قومي / سامي او آري / ، والالتحاق بواقع قومي هندواوربي اخر) بارزة تماما في توجيه هذه الدراسات والتاثير على موضوعيتها العلمية ، بل لانغالي ان قلنا انها الفكرة التي شكلت البوصلةلمسارجميع ماكتب كرديابهذا الصدد مما ادخل هذه الدراسات الكردية للشخصية الاجتماعية الكردية في الغريب ، بل العجيب من التناقضات التي لها اول وليس لها اخر منها مثلا :
أ : مع ان ما من كاتب سوسيولوجي كردي كتب بالمجتمعية الكردية الا وخصص فصلا او شبه فصل في كتابه لبحث محور : (( لماذا لم تقم للكرد دولة ، على مدى الاف السنين في جغرافيتهم الجبلية الوعرة هذه ؟ .)) وبحثوا في الاسباب الداخلية (صراعات الكرد القبلية وحلهم وترحالهم الجبلي الدائم ) والخارجية (مؤامرات الغزاة الغرباء وارادة محو شخصيتهم) ولكن مع ذالك يتحدث نفس هؤلاء الكتاب والباحثون ويتغنون ، بين صفحة واخرى بقدرة ، وعبقرية الانسان الكردي في صناعة الحضارة البشرية من سومر ، الى الحضاة الاكدية ، والبابلية والكشية والحيثية والميدية و …الخ ، باعتبار ان كل هؤلاء هم اسلاف
الكرد (( او ان الكرد اسلافهم !! من منطلق ان اول انسان على وجه الكرة الارضية كان يحمل الجينات الكردية )) حسب اختلاف الباحثين الكرد بهذا الصدد منهم من يقول ان السومريين اصولهم كردية ومنهم من يقول ان الكرد اصولهم قوقازية ، او حورية ، او ميدية او كشية و …الخ !.
وهنا نحن فعلا في حيرة وتناقض : انه كيف اصحاب صناع حضارة البشر الاولى ومسني قوانين الدول ، وباني مشروعها انسانيا من ابناء سومر الذين هم ((حسب نظرية احمدمحمود خليل في كتابه الشخصية الكردية / ص 32 / )) ((ابناء للسلالة الكردية)) كيف ان هولاء القوم انفسهم لايتمكنو ان يصنعوا دولة ويقومون على رعايتها منذ وجودهم في جغرافية كردستان وحتى اليوم ؟.
ب : ايضا من متناقضات كتابات السوسيولوجيين المحدثين الكرد هو تلك التقييمية المتناقضة لسلوك ، وقيم الانسان الكردي (( ، الذي تتفق كلمة السوسيولجيين المستشرقين والكرد ايضا على غلبة القيم القبلية عنده على القيمية المدينية )) ، فبينما يحاول البعض من الكتاب الكرد اظهار غلبة قيم التسامح والايثار وحب الاخرين والعفو عنهم و…الخ على شخصية الاجتماع الكردي ، يذهب الاخر (( كما ذكره احمد تاج الدين/ في كتابه الاكراد تاريخ شعب وقضية وطن / ص 51 )) على ان الشخصية الكردية جبلت على التمرد … ، والاخذ بالثأر مهما طال الامد شأنه شأن اهل الصحراء في ذالك !!.
ولعلي لست بحاجة الى عناء كبير ، عندما اريد المقارنة بين الرؤيتين الكرديتين ، ومن هي الاقرب لروح العلم الاجتماعي الحديث و معرفة ماهية القيمية الجبلية القبلية لشخصية الاجتماع الكردي واختلافها عن القيمية المدينية التي تضعف في مثل هكذا اجتماع !!.
فمعروف : ان قيم الثأر والابتعاد عن التحضر ، وعدم احترام القانون والركون الى الخشونه في قضية اخذ الثار بالذات هي من اهم السمات للمجتمعات القبلية عربية صحراوية كانت او كردية جبلية وهذا يرجح رؤية الاستاذ ((احمد تاج الدين)) في تقيماته الواقعية العلمية لشخصية الاجتماع الكردي بعكس اؤلئك الذين ارادوا تركيبات ايدلوجية سياسية وفكرية تقدم للاخر على الشكل الذي ليس له اي صلة بواقع علمي او اجتماعي قائم !.
نعم ربما يتسائل البعض عن ماهية مثل هذه الافتعالات القيمية ومن ثم لماذية ارادة بعض الكتاب الكرد لابراز الجانب الغير واقعي من قيمية وسلوكيات الاجتماع الكردي القبلي الجبلي الحديث ؟.
الجواب ماذكرناه انفا من ان هناك(بوصلات قومية كردية) عند معظم الكتاب الكرد وخطاب((ايدلوجي مسيس)) يوجه سياسيا للعالم الغربي الحديث على اسس ( يعتقد الكتاب الكرد ) ان الغربيين يقيمونه سياسيا ومن ثم (يثبت) الاختلافات الجذرية ، بين سكان كردستان من الكرد المتسامحين قيميا وبين اقليمهم العربي والايراني والتركي المتعنصر والخشن بدويا صحراويا !.
ج : وهكذا لعدم الاطالة على قارئنا العزيز يمكن ، لاي باحث ومطلع على هذا المنتوج الكردي ، الذي كتب تحت مسمى ((العلم الاجتماعي والانثربولوجي )) في تناول الشخصية الكردية الحديثة يمكن له وضع اصبعه او يده على مثل هذه المتناقضات في مواضيع عديدة من قبيل : ((المراءة الكردية وكيفية انها متحررة كالمراءة الاوربية في العشق والحب والممارسة ؟!!.والقامة الكردية وعيونها الزرقاء او الخضراء التي تنتمي للجينات الهندواوربية ولاتمت بصلة للجينات لاالعربية ولا الايرانية ولا التركية، و الفلسفة الكردية الملقحة زرادشتيا باعتبار انها الديانه الكرديةالتي لاتمت بصلة للديانه الايرانية قبل الاسلام وبياضها ونقائها وسلامهاالمختلف عن سيف الدين الاسلامي وجهاده المخضب بالدماء والعنف والاكراه و ……..الخ )) وباقي الرسائل السياسية التي تحاول صناعة كل ماهو مختلف عن الاقليم والجغرافية والعالم دعما لصناعة (الاصل الفريد ) للعنصر الكردي ومن ثم الشخصية المستقلة والجينات والعادات والتقاليد و …… حتى المطالبة باعطاء دولة قومية للكرد حسب هذه الاختلافات الانثربولوجية والسوسيولوجية !!.
ان امثال هذه الدراسات (( المجيرة سياسيا مع الاسف )) لايمكن قبول فحواها الاجتماعي على اساس انها دراسات ، وابحاث يمكن احترامها وتقييمها علميا ، وكما اسس له (( دوركهايم)) في مدرسته الاجتماعية الفرنسية الحديثة ، فنحن معه وعلى منهجه : بحاجة علم الاجتماع الى دراسات موضوعية هدفها الاسمى ، والاكبر هو معرفة هيئة المجتمع فى وجوده وحركته ومتغيراته ،وقوانينه وثابته ومتغيره علميا لاغير