بعيدا عن السياسة
المشهد الاول – 1959 قرر الحزب الشيوعي العراقي استغلال احتفالات عيد العمال للاجهار بمطالبته بالحكم واظهار قوة الحزب في الشارع العراقي خصوصا بعد حركة الشواف القومية في اذار 1959 .. وكان العداء على اشده من جانب الحزب الشيوعي وانصاره ومن الجانب الاخر القوميون وهم حركة القوميون العرب وحزب البعث وكذلك الاحزاب الدينية السنية وكثير من الاسلاميين الشيعة بعد فتوى السيد محسن الحكيم بتكفير وتحريم الشيوعية .. بدأ الاستعداد للأحتفال بهذا المناسبة وتم صرف مبالغ تعتبر في ذلك الوقت كبيره لتزيين الشوارع .. وجاء الاول من ايار 1959 لتنزل الى شوارع بغداد وبالذات في باب الشرقي وشارع الرشيد مئات الالوف وهي ترقص وتهتف ( عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي ) واهم شعار كان ( الما يصفك عفلي ) يعني يعجبك ما يعجبك يجب ان تصفق .. وكان الزعيم عبد الكريم قاسم يقف في منصة في اطراف ساحة التحرير ( قبل تغيير معالمها ) يحي الجماهير.. المهم استمرت هذه الاحتفالات حتى صباح اليوم التالي وكانت أخر نقطة تصلها الاحتفالات هي وزارة الدفاع في باب المعظم والابتعاد عن العبور الى جانب الكرخ قدر الامكان … وفي الجانب الآخر سرت شائعات ان الشيوعيون سيهاجموا القوميون في معاقلهم الكرخ والاعظمية واستعدت هذه المناطق لهذا الهجوم … الا ان شئ من ذلك لم يحصل .. مايهمني في الامر ان عدد نفوس العراق في عام 1959 كانت قريب ال 7 مليون وكان عدد نفوس العاصمة بغداد لايزيد عن 900 الف باحسن الاحوال ومع ذلك بلغ عدد المحتفلون اكثر من مليون فمن اين جاءوا ؟ هل اصبح العراق كله شيوعيا ؟ سياتينا الجواب في المشهد الثاني !
المشهد الثاني – بعد تسلم حزب البعث الحكم في العراق في 8 شباط 1963 ( 14 رمضان ) .. ولاثبات جماهيريته دعا الحزب الى الاحتفال بمسيرات في 8 أذار بمناسبة ( ذكرى مرور شهر على ثورة 8 شباط ) وخرجت مئات الالوف من الناس ان لم يكن مليون او اكثر ومنذ الصباح الباكر وتوجهت الى القصر الجمهوري ( الحالي ) حيث استقبلهم ( ان لم تخن الذاكرة عبد السلام عارف وبعض قادة الدولة وسارت الحشود بعد ذلك عبورا لجسر الجمهورية وحول ساحة التحرير واختراقا الى شارع الرشيد وعندما وصلوا الى وسط الرشيد جاءتهم الاخبار ان ثورة قامت في سوريا قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي ( ومن الواضح ان كل شيء كان مرتبا وان ذكرى شهر كان مجرد سببا للاحتفال والاحتفال بثورة سوريا ) ولكم تصور الرقص والهتافات (( لحظة !!وكاني ارى هذا الشخص نفسه كان يرقص في عيد العمال 1959 )) وسارت الجماهير حتى الساحة المقابلة للبلاط الملكي في منطقة الكسرة ( اعتقد اصبح بعد ذاك نادي القادة ) حيث كانت قيادة حزب البعث تحي الجماهير … ولكم تصور العدد من القصر الجمهوري الى ساحة الكشافة !! المهم في الامر في عام 1963 اصبحت نفوس بغداد في احسن الاحوال مليون .. فمن اين جاءت هذه الملايين .. سؤال اين اصبح الشيوعيون ؟ وهل اصبح العراق كله بعثيا ؟ سؤال يحتاج الى جواب ؟
العبرة – لا في عام 1959 اصبح العراق شيوعيا ولا في عام 1963 اصبح العراق بعثيا .. ولكن الصحيح (ان الناس على دين ملوكهم ) مقوله صحيحة في كل زمان ومكان .. وعلى سبيل التقريب عندما مات الرئيس المصري جمال عبد الناصر خرجت مصر كلها لتشيعه وبكته الملايين ولكن بعد أشهر قليلة وعندما بدأت حركة في مصر تتكلم عن الفساد في عهد عبد الناصر شاركت الملايين في هذه الحمله وخرجت نفس تلك الملايين تساند انور السادات وتؤيد ذهابه الى اسرائيل فما الذي تغير ؟؟ … نعود كم نسبة الذين رقصوا في 1959 ونفسهم رقصوا في 1963 انا اقدرهم اكثر من 80% .. الذي اريد ان اقوله ان ليس كل من يصفق للحاكم من (عامة الناس ) معنى ذلك انه اصبح مواليا للحاكم ويجب قتله بعد ذهاب ذلك الحاكم .. فالحكام بدون استثناء ( الاستثناء هنا فقط للرسول عليه الصلاة والسلام واصحابه عليهم السلام ) الحكام يستهويهم التصفيق والنفس البشرية يستهويها المديح .. وعامة الناس ايضا يستهويها ان تصفق وتمدح حكامها .. والعاقل يفتهم