13 أكتوبر، 2024 7:26 م
Search
Close this search box.

مع ثقافة الاعتذار

مع ثقافة الاعتذار

-1-
يغصُ المشهد اليومي بألوان من النشاطات الفكرية والادبية والاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية والتجارية …

وليست كلُّ هذه النشاطات خالية من السلبيات …

-2-

ولابُدَّ من التفريق بين :

الإساءة المتعمدة التي يُراد من ورائها التعدي والاضرار بالآخر ،

وبين الاساءة غير المتعمدة ، التي تسوق اليها زلة لسان أو غفلة عن مراعاة ما تقتضيه اللياقة مما يتسبب في جرح المشاعر ،وتكدير الخواطر …

-3-

الاعتذار مستبعد بالكامل من قاموس مريدي الاساءة الى الآخرين .. فهؤلاء تأخذهم العزة بالإثم ..!!

انهم لم يريدوا العَمْرة وانما ارادوا الغَدَرة .

والى هؤلاء نقول ، كما قال الشاعر :

وليس كثيراً ألفُ خلٍ وصاحبٍ وإنَّ عدواً واحداً لكثيرُ

إنّ تعمد الاساءة، يحمل معنى العدوان والهجوم غير المبرر بكل المعايير والمقاييس، انسانيا وأخلاقيا، فضلاً عن أنه لايسوغ من الناحية الشرعية أيضاً .

انه تمزيق للنسيج الاجتماعي ، وإحداث لبؤر الفرقة والاختصام، بدلاً من السلام والوئام .

هذا اذا كانت الاساءة على المستوى الشخصي ،

أما اذا كانت الاساءة المتعمدة قد وجهّت الى جهة عامة، فانّ مخاطرها تتضاعف تبعا لمكانة وأهمية الجهة المستهدفة بالاساءة .

وعلى صعيديْ الاساءة المذكورَيْن تعظم الحاجة الى المبادرة لتسوية الخلاف، واسدال الستار عليه بكل الوسائل المتاحة .

ومفتاح الحل هو الاعتذار .

والاعتذار يستبطن التسليم بالخطأ من جانب ،

ويبشّر باعلان موقف جديد يقوم على اساس الالتزام بالمراعاة الكاملة لما تقتضيه الأعراف من لياقات وممارسات من جانب آخر .

-4-

وأمّا الاساءة غير المتعمدة، فانّ ازالة آثارها السلبية ليست بعملية صعبة، وليست معقدة …

انّ الإفصاح عن القصد الحقيقي الخالي من الشوائب ، مصحوباً بالاعتذار، كفيل بجعل القضية من التاريخ … اللهم الاّ اذا كان الطرف الآخر متعنتاً شديدا …

وهؤلاء نذكرّهم بما روي عن الرسول (ص) :

” مَنْ لم يقبل من مُتَنِصلٍ عُذراً لم يَرِدْ عليّ الحوض “

وبالقول المأثور الشائع :

” ما مسيءٌ مَنْ اعتذَر “

وهكذا يبرز ” الاعتذار ” مُطفئا للحرائق ، وداعياً لسلامة الأواصر والعلائق …

-5-

ثم إنّ هناك من يسء في (العلن) ويعتذر في السرّ ، وهذا الاعتذار لا يشفي الغليل …

انّ ” الاعتذار ” قرار جازم للتسوية الكاملة لملّف المشكلة العالقة

ومن هنا :

يجب المضيّ في إعلانه صريحاً دون تردد في العلن أيضاً .

ومن طريف ماجاء في كتب التاريخ :

انّ الفقيه أبا حامد أحمد بن محمد الشافعي الإسفراييني المتوفى سنة 406 هجرية، كان يحضر درسه سبعمائة متفقه – وهو عدد ضخم يشير الى مكانته العلمية –

” وقد قَابَلَهُ بعضُ الفقهاء في مجلس المناظرة بما لا يليق ، ثم أتاه في الليل معتذراً اليه ، فأنشدَهُ :

جفاءٌ جرى جهراً لدى الناس وانبسطْ

وعُذرٌ أتى سِرّاً فأكد ما فَرَطْ

وَمَنْ ظَنَّ أنْ يمحو جليّ جفائِهِ

خفيُّ اعتذارٍ فهو في أَعْظَمِ الغَلَطْ

-6-

إنّ الكثير من المشكلات التي تقع بين الزوجين ، انقدحت شرارتُها من “كلمةٍ” أغضبت أحدهما وسبّبت التشنج والاحتقان في العلاقة ما بينهما.

وبكلمة واحدة – وهي الاعتذار- يمكن ان تعود المياه الى مجاريها …

ليس صحيحاً على الاطلاق أنْ يستنكف ” الزوج ” من الإعتذار لزوجته متى ما أساء اليها …

كما أنها لابُدَّ ان تسارع الى الاعتذار منه متى ما ارتطمت باساءة اليه..

وما يجري داخل الأسرة (الصغيرة) لابُدَّ ان يجرى داخل الاسرة (الكبيرة).

-7-

وقد اعتذر احد كبار العلماء من ابنه، لأنه فتح الرسالة المرسلة الى ولده ظنّا منه أنها موجهة اليه …

انظر الى السموّ الأخلاقي كيف يتجلّى في تصرف (الاب) مع ولده، فلا غضاضةَ في أنْ تكون الريادة في هذا المضمار لأصحاب المقامات والشأن العالي، ليكونوا قدوة للناس ..

-8-

وحين يجيء (الاعتذار) من الكبير ، يكشف عن نفس صافية شفافة وبُعد عن العنجهية والكبر ، ويزيده هذا عند الناس رفعةً وعلوّا .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات