من المعروف تاريخيا إن العبودية والمجتمع العبودي هو أول مجتمع طبقي متناحر في التاريخ نشأ على أنقاض المجتمع المشاعي البدائي. وقد وجدت العبودية بدرجة أو أخرى في جميع المجتمعات البشرية. وقد بلغ هذا النظام اعلي أشكال تطوره في اليونان القديمة وروما القديمة, حيث كان العبيد قد أصبحوا القوى الإنتاجية الرئيسية للمجتمع. وكان ملاك العبيد في النظام العبودي يشكلون الطبقة الحاكمة. والعبيد في هذه المرحلة التاريخية هم جزء من ممتلكات سيدهم ولهم حق التصرف بهم والتدخل في ثنايا حياتهم جملة وتفصيلا بما فيه بيعهم وشرائهم وزجهم كوقود في معاركهم المختلفة من اجل التوسع والاستحواذ على أراضي الغير وأملاكهم, كما لا يمتلكون أي حقا مدنيا لتقرير شؤونهم إلا بموافقة المالك لهم, فهم جزء من ممتلكات السيد المالك !!!.
والعبودية أو الرق هو نوع من الأشغال الشاقة القسرية طوال الحياة للعبيد حيث يعملون بالسخرية القهرية في الأعمال الشاقة والحروب وكانت ملكيتهم تعود للأشخاص الذين يستعبدونهم وكانوا يباعون في أسواق النخاسة أو يشترون في تجارة الرقيق بعد اختطافهم من مواطنهم أو يهدي بهم مالكيهم. وممارسة العبودية موغلة في التاريخ العربي والأوربي والأمريكي, كما هناك اجتهاد في الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية في التعامل مع ظاهرة العبودية في محاولة للتخلص منها تدريجيا تحت وطأة ظروف الحياة المتغيرة التي لا تقبل بالعبودية كخيار للعيش !!!.
العبودية انتهت في أمريكا وأوربا كتشكيلة اجتماعية واقتصادية وفكرية وسلوكية وتركت ورائها فتات من متفرقات الظواهر وبقت في العالم العربي والإسلامي كجزء من منظومة قيم التخلف والرذيلة والخضوع والتي تعيد إنتاج نفسها بمختلف المظاهر في مجتمعات متناقضة ومتصارعة بين قيم التخلف وقيم التمدن والحضارة. ويكفي هنا الإشارة إلى تقرير منظمة “وولك فري ” والصادر في نهاية العام 2014 بالتعاون مع مركز العدالة لحقوق الإنسان للحد من العبودية الحديثة, والذي أكد أن ما يقارب 30 مليون فرد يعيشون في عبودية, نصفهم في الهند, فيما تنتشر أعلى نسبة في موريتانيا حيث تقدر ب 2.4% من السكان, ثم في بلدان عربية أخرى كتونس والمغرب وغيرها. وبحسب هذه الدراسة فأن الفساد هو السبب وراء انتشار الظاهرة وليس الفقر وتشمل الظاهرة الاتجار بالبشر والعمل الإجباري واستغلال الأطفال والزواج ألقسري والمبكر !!!.
كما تمارس العبودية على نطاق واسع في دول الخليج العربي كسلوكيات اجتماعية شائعة اتجاه الوافدين من القوى العاملة من مختلف دول العالم وبشكل خاص الافرواسيوي حيث يتم احتجاز جوازاتهم حين دخولهم مباشرة إلى بلد “الضيافة ” ثم ارتهانهم في الإقامة وتسير أمورهم حسب مزاج صاحب الدار ووضعهم تحت الإقامة الجبرية, فلا خروج من البلد إلا بأذن من ” المضيف “. وإذا كانت القادمة للعمل سيدة مضطرة بحكم ظروفها فأنها ستتعرض إلى مختلف صنوف القمع والإرهاب والعبودية الشخصية والمضايقات الشخصية واغلبها ذات الطابع الجنسي بفعل عوامل الكبت والحرمان والتخلف لدى “المضيف ” !!!.
أما إذا كان القادم من الدول الأخرى المصدرة للقوى العاملة ذكرا فأنه سينوء تحت وطأة مزيدا من التهديد والإرهاب والجلد وقطع الرقاب وخاصة إذا تجرئ على إقامة نوع من التواصل مع ربة دار المضيف. على العموم فأن العبودية كمرحلة تاريخية اقتصادية اجتماعية في طريقها إلى الزوال ولكنها باقية كنمط سلوكي قهري يشد المتخلف دوما إلى الإبقاء عليه !!!.