هل وضعت الدولة والقانون ضوابط في اختيار المخبر السري؟ وهل فعلا تم اختيارالمخبرالسري والتأكد من استقلاليته ووطنيته وعدم انتمائه لحزب او مكون..؟ ام هناك أجندة حزبية وراء اختياره..؟ ام هناك طبخة سياسية ..؟ ام هناك دوافع انتقامية او طائفية او غير مشروعة وراء ادعاءاته؟
والعراق مليء بالانتماءات والتيارات والأحزاب والصدامات والمشاكل والتناقضات ؟ فكيف سيكون شكل هذا المخبر من بين هؤلاء..؟
وماذا سيكون حال المخبر السري اذا اكتشفه المجني عليه او عرفه..؟ كيف سيكون حال المخبر السري إذا كان من أقرباء المجني عليه؟
وماذا سيكون حال المخبر السري في حال تغير رجالات الحكومة وتبدل الحال الى حال وكان الضحية بالأمس مسؤولا في الدولة ترى كيف سيتعامل مع هذه الموجودات الطفيلية أي المخبر السري..؟
وهل ستساعد المرحلة القادمة حلا لهذه الأزمة؟
إن مسألة تدقيق وتمحيص أقوال المخبر السري عملية معقدة ودقيقة وتحتاج لنباهة وقابلية قاضي التحقيق والمحكمة المختصة وفقاً لما يتمتع به القاضي من خبره وحنكة وتجربة قضائية لمعرفة مدى صدق المخبر السري وجدية شهادته والقضاء هو الفيصل في تقدير جدية تلك الشهادة للمخبرين السريين باعتبار إن القضاء مستقل بموجب الفصل بين السلطات الذي اعتمده الدستور العراقي وهناك أوامر قبض تصدر بناءاً على إفادة المخبر السري أمام الأجهزة الأمنية ويعد ذلك فوضى قانونية تنطوي على الإضرار بالمتهم وذويه وانتهاك للدستور وإزاء تلك المعوقات اصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق أعماما بالعدد 849/ مكتب/2007 في25/10/2007 ومؤكداً بالأعمام المرقم 62 / مكتب/2008 في 14/1/2008 الذي يؤكد فيه في حالة عدم حضور المخبر السري عند التبليغ ولأكثر من مرة من دون عذر مشروع إمكانية اعتبار الأمر قرينة للوصول إلى الحقيقية وكذلك التعميم الصادر من رئاسة هيئة الأشراف القضائي بتاريخ 30/10/2007 وما نصه ( 0000ان مجلس القضاء الأعلى يطمح أن تكون الإجراءات التحقيقية بعيدة عن كل المؤثرات من حيث سلامتها وحياديتها وموضوعيتها لتحقيق العدالة …. اما بالنسبة ما يتعلق بالمخبرين حيث يقتضي الآمر وجوب التثبت من سلامة شهاداتهم فان مسالة ( المخبر) أصبحت من الأمور التي يقتضي الوقوف عندها والتثبت من مصداقية المعلومات التي يدلي بها 0000سيما في الهيئات التحقيقية لغرض الوقوف على الدوافع الحقيقية للمخبر او الشاهد واتخاذ ظاهرة عدم حضوره عند التبليغ لأكثر من مرة دون عذر مشروع قرينة للوصول الى الحقيقة وعدم السماح لآية جهة بالتدخل في الشؤون القضائية تماشيا مع مبدأ فصل السلطات 000) وهذا التعميم يفصح ضمنا هناك تدخل بعمل القضاء، وكذلك هناك تعميم صدر من رئاسة استئناف النجف الاتحادية بالعدد ت/4/39 في 51/1/2008 وتعاميم أخرى وهي تصب في نفس الاتجاه 0
هناك معايير عدة يجب على القائمين بالتحقيق والقاضي المختص ملاحظتها عند تدوين إفادات المخبرين أو المصادر حتى يكونوا مقتنعين بصحتها ومطابقتها للحقيقة وهي كثيرة ومتعددة ومختلفة باختلاف ظروف كل قضية وحالة المصدر ومضمون إفادته (وهي عصارة خبرة عملي في المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد كرئيس غرفة المحامين لأكثر من سبع سنوات) وهي كما يلي:
أولا: تحكيم العقل والعرف ومتابعة الشكل العام للشخص الماثل أمام المحقق0
ثانيا: فحص سلامة حواس المخبر أو المصدر في أدراك الحقائق والمعلومات التي ضمنها أمامه بأفادته0
ثالثا: التأكد من حالة المخبر الثقافية والعلمية والأدبية ومركزه الاجتماعي اذ قد ترد في إفادة المخبر عبارات لا تتفق مع مكانته الاجتماعية آو العلمية آو الأدبية وقد لا يسمح مركزه الاجتماعي بالاطلاع عليها0
رابعا: ملاحظة التناقص الذي قد يحصل في إفادة المخبر ومواجهته مع المخبرين الآخرين فالمواجهة، من الوسائل التي تساعد المحقق على إظهار المتناقضات والتأكد من صحتها ومطابقتها للواقع، وتعريف المخبر بواجبه الديني والقانوني والأخلاقي بجانبه العقاب الذي ينتظره أذا ظلل القضاء.
خامسا: ملاحظة التطابق المتفق عليه في الإفادات مثل حالة تكرار خطأ مادي في لفظ أو عبارة معينة خلال أكثر من إفادة واحدة مما يؤكد اتفاق المخبرين أو المصادر فيما بينهم على الإفادة بشهادة متماثلة أو تلقينهم من جبهة واحدة على أداء إفادة معينة 0
سادسا: الاستفسار من المخبر أو المصدر عن التفاصيل للوقائع التي وردت في إفادته وملاحظة التردد أو العجز أو التلكؤ في الإجابة 0
سابعا: السؤال على الجزئيات والتفاصيل والاستفادة من لغة الجسد وجميع أعضاء جسم الشخص الذي يدلي بإفادته، بأن يذكر تفاصيل عن عمليات فنية في تصنيع العبوات الناسفة لا تتفق وظاهر ثقافته ومعلوماته على الإحاطة بها والمحقق أو القاضي يستطيع أن يجعل المخبر يتوقف عن سرد الوقائع وتركه لفترة وإعادة سؤاله عن الوقائع فإذا كانت الإفادة ملقنة حفظا لا يمكنه إعادة المواصلة كالسابق.
ثامنا: استعمال الحيل المشروعة كأن يقوم المحقق بعرض صورة المتهم المخبر عنه ويسأل المخبر إن كان هو المتهم الذي رآه ومعه عدة صور لمتهمين أو تكليف المخبر السري أن يدل على المخبر عنه بين أشخاص لا وجود للمتهم بينهم، والغاية من ذلك التأكد من صحة معلوماته وإخباره.
تاسعا: تكرار شهادة المخبر آو المصدر ومحاولة التمييز بين الحركات الطبيعية الدائمة لجسم المخبر وتلك التي تأتي طبيعيا كرد فعل أو قول.
عاشرا: التركيز الشديد على الحركات المفيدة ورصدها دون أن يشعر بها المخبر أو المصدر ويمكن الاستعانة بمحقق أخر، والانتباه للانفعالات النفسية التي قد تنعكس في تصرفات المخبر السري، وحركاته وتعابيره وعلى وجهه 0
احدى عشر: ترتيب الأسئلة الموجهة للمصدر أو المخبر ترتيباً يقود إلى نتائج منسجمة مع مراعاة أن تكون الأسئلة منتجة ومترابطة ومفهومة للمخبر أو المصدر0
اثنا عشر: السيطرة الكاملة على المعلومات الجنائية المتعلقة حول الجريمة أو المخبر والاستفادة منها في تكملة صفحات التحقيق ألأخرى0
ثلاثة عشر: تكليف مخبرين آو مصادر أخرى بالحصول على معلومات في موضوع واحد 0
أربعة عشر: إلقاء أسئلة عادية ثم مفاجئة المخبر السري بأسئلة غير متوقعة 0
خمسة عشر: توجيه النصح أثناء الاستجواب، وتذكير المخبر السري بلزوم إتباع الصدق والأمانة في إعطاء المعلومات، ولفت نظره إلى عواقب الكذب والخداع 0
ستة عشر: التأكد من هوية المخبر السري، فربما كان ينتحل صفة ما فيغير تبعا لذلك اسمه ومهنته وبلدته، لذلك كان على المحقق أن يفحص أوراقه ليتثبت من انطباقها على بعضها كبطاقته الشخصية أو إجازة سلاحه أو هويته النقابية أو المدرسية 000الخ ثم يسأله أسئلة دقيقة عن مهنته وبلدته وموقعها وأحيائها وأسماء أماكنها المشهورة، وأسماء الوجوه والنخب فيها0
سبعة عشر: عدم ترغيب المخبر السري في الكذب، مع إغداق الوعود بالمساعدة 0
ثمانية عشر: ضبط أقوال المخبر السري إذا كانت تمت لأحد الأطراف بصلة القربى، أو الصداقة أو العداوة، بحذر وتمحيصها والتأكد منها 0
تسعة عشر: فحص الصلة بين المخبر أو المصدر والشخص الذي أدلى عنه بالمعلومات لاحتمال وجود خلافات آو خصومات سابقة بينهما0
عشرون: مراقبة المخبر آو المصدر ومعرفة من يتصلون به من ذوي النشاط الإجرامي ومعرفة من يمد المخبر أو المصدر بمعلومات عنهم آو يتستر عليهم 0
احدى وعشرون: إيهام المخبر الكاذب بان من سبقه من المخبرين السريين قد ذكروا الحقيقة وعليه هو الأخر ذكرها دون أن يلجا إلى أساليب الكذب 0
وغالبية هذه النقاط تظاهرت لدينا نتيجة العمل الميداني في المحكمة الجنائية المركزية في ساعة بغداد(اكبر محكمة جنائية في العراق مختصة بقضايا الإرهاب) لأكثر من سبع سنوات كرئيس غرفة المحامين.