22 ديسمبر، 2024 9:50 م

إلى السيد رئيس مجلس النواب المحترم

إلى السيد رئيس مجلس النواب المحترم

اسمحوا لي ايها السيد الرئيس ان اقول لكم انني احاول دائما الهروب  من غربتي الهولندية  حين اشاهد على الشاشة التلفزيونية وقائع جلسات البرلمان العراقي. لكن اصارحكم القول انني سرعان ما احس بالوجع يلاحقني حال شعوري ان ضباب الديمقراطية وليس جوهرها هو المسيطر  وحده على فضاء القاعة.

 

اسباب التعب في البرلمان مثيرة وكثيرة  وقد ازدادت المحن في هذا الوطن بعد تأسيس البرلمان الذي لا نرى  ملامح التنظيم والنظام في قيام النواب وقعودهم. نظام الدخول والخروج الى المجلس غير متوفر. نظام منع النواب من التهامس و غمغمة هذا النائب او ذاك مع جاره الى اليمين او مع جارته الى اليسار غير محدد.  ربما هذه العوارض وغيرها من المشاهد العبثية المثيرة تشغل الرؤوس النيابية عن التركيز في الراي والاقتراح والتعقيب، ويضعف المناقشات البرلمانية ويحوّل هذا المكان المقدس الى مقهى أو شبه مقهى. بينما وصف القيادي الوطني الديمقراطي حسين جميل في مذكراته برلمان النظام الملكي السابق أنه مدرسة لتعليم الديمقراطية  بالرغم من كثرة الاعضاء الأميين فيه .

لا شك انكم يا سيادة الرئيس حققتم تمييزا عنْ مَن سبقكم في رئاسة المجلس الموقر. استطعتم حقا ان تخففوا الرياح العاصفة في خطابات كثير من أعضاء البرلمان. حققتم نجاحا اوليا بتهدئة ثورات الصياح والغضب المشهورة في الدورتين السابقتين. كما منحتم بعض القوة والعافية لصحة المجلس في مناقشة واقرار بعض القوانين المعطلة.  كل ذلك تستحقون عنه شكرا وتبجيلا.

ما هو جدير بالملاحظة والتعقيب انكم  وضعتم وصفا جديدا لعضو البرلمان العراقي حين جعلتموه (نائب الدقيقة الواحدة) فقد اعطيتم لكل نائب في زمان الديمقراطية العراقية حق الكلام لمدة (دقيقة واحدة) ولا يُسمح له بدقيقة اخرى الا بأمر منكم.

ربما اقول لكم اولا احسنتم يا سيادة الرئيس انكم استطعتم بالفعل والحقيقة ايقاف كلام الثرثرة والعراك ونثار الكلام المتكرر الممل وحققتم نوعاً من (الهدوء) داخل المجلس. غير أن ايقاف الغطس بالثرثرة لا يعني منع السباحة والغوص في الاعماق..! صحيح ان نظام ادارة واداء الشركات الرأسمالية الكبرى في امريكا وبريطانيا وهولندا والمانيا تعتمد على نظام إداري  يسمونه (نظام مدير الدقيقة الواحدة) وهو يعني اول ما يعني حث المدير الناجح على العمل ثماني ساعات كاملة مع حق الكلام دقيقة واحدة فقط .

ارجو من سيادتكم ان ترهقوا نفسكم قليلا بإعادة النظر بـ (نظام الدقيقة الواحدة) وهو نظام باهت من دون شك،  وتعزيز لجوء النواب إلى كلام ديمقراطي يحمل رحيق ازاهير منحتها شمس الحرية والديمقراطية  شموخاً أعلى وتجديداً اوسع  وفق أسلوب الحديث بطريقة (مع) أو (ضد). 

يمكن أن اسأل: ماذا يستطيع ان يتحدث عضو برلماني مختص بالاقتصاد والمال عن ميزانية عام 2015 مثلا بـ(دقيقة واحدة) لا شك ان مثل هذه الدقيقة ستظل مرتجفة متوجعة لأنها لا تستطيع ان تقدم للسامعين اية معلومة ، لا رياضية ولا عقلية، عن أرقام ومعادلات ميزانية محمومة فيها نفثة المريض برئتيه، خاصة بعد هبوط موارد النفط هبوطا  ملعوناً.

كلام (الدقيقة الواحدة) سيكون نشيجاً خافتاً لا يسمعه احد.  اذكركم ايها السيد رئيس البرلمان ان الخطيب العقلاني إذا وُجد في برلماننا سيكون باسقا اذا كلل اسماع اخوانه البرلمانيين بكلام يعبر عن مطالب الناس العراقيين برؤية عقلانية تمثل ملامح كل العراقيين.

علينا ان نطوف في تجارب البرلمانات الاوربية الاخرى لنقطف منها ما يفيدنا ويرفعنا. البرلمانات العالمية تسمع وتقرأ أكثر مما تتكلم، بعكس برلماننا الذي يتكلم أكثر مما يسمع ويقرأ . يمكن في بعض البرلمانات الاوربية ان يكون هناك متكلم واحد او اثنين او ثلاثة يأخذون حريتهم في الوقت والكلام لأن كل كلمة من كلامهم ليس مكررا. كل كلمة يقولها البرلماني الأوربي لا تحمل اي شكل من اشكال الطلاسم كما هو الحال عندنا حيث كل واحد يكرر ما قاله صاحبه.  كلام البرلماني الاوربي يحمل وهج التجديد بقصد الوصول مع الاخرين من زملائه الى بهجة تجديد بنيان المجتمع او قوانين تسيير الدولة

براعة الرئاسة البرلمانية في بلادنا يمكن ان تتطور لتجديد بنيان المجتمع عن طريق تسيير الدولة بقوانين ميسرة. مع تطور الفعل الديمقراطي يمكن ان يتحدث ثلاثة او خمسة نواب مع القضية المطروحة ثم يليهم ثلاثة او خمسة اخرون يتكلمون ضد القضية المطروحة مع تقديم براهين ودلائل تكشف نقاط ضعف القضية

من خلال الاراء المتعارضة او المتضادة يمكن للحاضرين من النواب ان يعرفوا اين هو الياقوت في الموقف البرلماني واين هو الشذر ليعطوا اصواتهم (مع) او (ضد) بلا متاهة ومن دون التواء الأصابع.