22 ديسمبر، 2024 9:50 م

تدوير نفايات الاقتصاد لتمرير موازنة 2015

تدوير نفايات الاقتصاد لتمرير موازنة 2015

بعد انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية لأقل من 50 دولار للبرميل , استشعر البعض الخطر القادم المحدق بالعراق حين ادركوا بان الاعتماد على مصدر واحد في تمويل النفقات كان من اكبر الاخطار , وقد عبر المخلصون اجمل تعبير عندما قالوا ( رب ضارة نافعة ) حيث اعتقدنا بان العقلاء قد ادركوا السبب وسيعملون على حل مشكلات البلد بأفضل الحلول , من خلال الاستثمار الفاعل للموارد الغنية الكبيرة التي يتمتع بها العراق من الثروات الزراعية والحيوانية والخبرات الصناعية والإمكانيات السياحية والموقع الجغرافي , وقبل ذلك الموارد البشرية التي يشار لها بالبنان من حيث الكفاءة والإخلاص والقدرة على التعلم والابتكار والإبداع , كما اعتقدنا بأنه سيتم العمل بالحديث الشريف ( لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) بحيث تذهب الحلول الناجعة الى ابعد مما كان يتم استسهاله في سنوات الموازنة الاتحادية السابقة من خلال الاعتماد على تصدير النفط وتوزيع النفقات بموجب حجم الايرادات , وهو ما ادى الى الاعتماد على الاستيرادات من الخارج لتغطية اغلب احتياجات السكان بجميع السلع والتي شملت الطماطة والبطاطا واللحوم والأجهزة والصناعات بمختلف انواعها , لدرجة ان البيت الواحد بات يمتلك ثلاث سيارات او اكثر وكل غرفة في البيت العراقي تحتوي على جهاز LCD وستلايت ومكيف يدار عن بعد , وكأننا خلقنا لكي لا نعمل لأننا نمتلك ثروة النفط , ولعل البعض لا يريد ان يصدق حقيقة ان ثروة النفط ستتحول الى نفايات في يوم من الايام , وما ادرانا فقد تكون لعنة او رحمة الله هي التي دفعت الاخرين للضغط على اسعار النفط بعد ان اصبحت القمامة مليئة بالمواد الغذائية التي تكفي لإطعام شعب بأكمله .

نعم لقد ظننا كمختصين , ان تستفيد دولتنا من كارثة انخفاض اسعار النفط فتذهب للحلول الصحيحة من خلال اعادة الهيبة للزراعة والصناعة والسياحة وتوسيع فرص الاستثمار , كما توقعنا بان تتفرغ لجان مجلس النواب لكي تجد حلولا جذرية لاقتصادنا باتجاه تفعيل القطاعات الاقتصادية والتركيز على غير النفط حالنا في ذلك حال الدول الاخرى المنتجة للنفط , التي لا تشكل ايرادات النفط فيها اكثر من ثلث مصادر الدخل , ولكننا فوجئنا بولوج الحلول الترقيعية السابقة التي تنقذ الموازنة بإبقائها على نفقاتها السابقة او بتخفيضات بسيطة وممارسة القسوة والتعسف على القطاعات المفروض احيائها وتشغيلها لإنتاج الدخل القومي وزيادة الناتج المحلي الاجمالي بالاعتماد على القدرات الانتاجية والخدمية , فقد خفضت الموازنة الاستثمارية وتم الانشغال بالجوانب التشغيلية , وبدلا من تقليل الاعتماد على ايرادات النفط فقد هب البعض للمطالبة بزيادة الصادرات النفطية من 2,5 برميل يوميا الى اربعة ملايين برميل , ولو كان الامر ممكنا لوجهوا الدعوة لزيادة الصادرات الى 10 ملايين برميل او اكثر انطلاقا من المقولة ( اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) متناسين ان النفط جزءا منه هو من حصة الاجيال التي لم نؤسس شيئا لها على الاطلاق , فحتى القذافي الذي كان يوصف سلوكه بالجنون انشأ الى ليبيا صندوق الاجيال , والأكثر من موضوع زيادة الصادرات فانه تم التشاور والاتفاق على تغطية النفقات من خلال تأجيل بعض المشتريات او تعويضها بالشراء الآجل وإرجاء نفقات خمسة وزارات إستثمارية الى العام القادم , ومن ( الابداعات ) التي خرجت بهذا الخصوص هو تطبيق ( النفط مقابل السلاح ) وعلى غرار النفط مقابل الغذاء مما يعني استنساخ أسوأ تجارب الماضي وبطريقة ( العذر أقبح من الفعل ) .

وعلى المستوى الرسمي , فقد تم تشكيل خلية أزمة حكومية بمستويات عالية وهدفها هو مراقبة الايرادات من النفط واتخاذ قرارات مناسبة بضوء ارتفاع او انخفاض ايرادات النفط , وان ما يثير القلق ازاء الاجراءات التي اشرنا لها انها تدور حول موضوع واحد لا غير , وهو النفط وهو ما يعني من الناحية العملية تدوير نفايات الاقتصاد العراقي والإصرار على عدم التحول من النمط الاستهلاكي الى النمط الانتاجي والتمسك بسياسة الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على الايرادات النفطية , فجميع الديون الداخلية والخارجية التي سيتم سبر غورها تعتمد على احتمال او أمل ارتفاع أسعار النفط في المستقبل القريب , فهناك من يروج بان الانخفاض في اسعار النفط هي مسألة وقتية وبعدها ستعاود الاسعار للارتفاع وتعود الايرادات الى ما كانت عليه او اقل منها بقليل , ووجه الاعتراض هنا هو ان الحريصين على مستقبل العراق كانوا يأملون بان يكون الظرف الحالي مسوغا لإعادة النظر في حجم الجهاز الاداري وجدواه , وإعادة هيكلته ليكون منتجا لمصروفاته فالرواتب الحالية هي بحدود 50 مليار دولار سنويا وهي لا تنتج تكاليفها كما ان النفقات الاخرى اغلبها غير منتجة , وكان من المفترض ان تتبع سياسات لاعتماد معايير معينة لرفع إنتاجية الدينار او الدولار باعتبار ان كل نفقة يجب ان يقابلها ايراد يزيد عن النفقة او يتساوى معها على الاقل , وان الجهود التي تبذل حاليا لتدبير الايرادات لموازنة 2015 محترمة لحفظ التوازن الداخلي لأن البلد في حالة دفاع شرعي , ولكن ما نقصده هو ما يفترض ان تتوجه به تلك الجهود نحو البداية الجدية والجديدة لمعالجات جذرية , بالاعتماد على اكثر من مصدر للدخل وتشغيل القطاعات الاقتصادية التي تم تعطيلها بقصد او بضعف او فشل الاجراءات التي اتبعت خلال العقود والسنوات الماضية , وهي قضية اقتصادية ووطنية بامتياز , فالمهم في هذه المرحلة ان لا يتم التركيز على المعالجات المالية التي تهتم بتدبير الموارد فحسب , وإنما التوجه للحلول الاقتصادية التي من شأنها تفعيل الموارد لتنويع مصادر الدخل والتحول من الاعتماد على الايرادات النفطية الى الايرادات الاخرى التي يتمتع بها العراق .