-1-
عانت البشرية عبر مسيرتها الطويلة من الفساد والمفسدين ، وأكبر اولئك الفاسدين المفسدين ، هم الطغاة الذين نَزَوا على السلطة وابتزوا الناس حقوقهم ،وصادروا كراماتهم، وعبثوا بمقدراتهم دون هوادة .
ومن ابرز صور فسادهم : تسليط الأشرار المفسدين من ذويهم وحواشيهم على الرقاب …
وضروب الفساد شتى :
وما الفساد المالي ، والاداري ، والاخلاقي ، والسياسي ، والعائلي، إلاّ نماذج من تلك الصور المتعددة التي يصعب حصرها …
-2-
والعراق الجديد ابتلي بعصابات فاسدة، مفسدة ابتلعت المليارات من الدولارات من ثروته الوطنية، وحوّلَتْها الى أرصدة في البنوك ، وعقارات واستثمارات، وأوصلت البلاد الى حافة الهاوية .
-3-
وها هو العراق الآن في ضائقة ماليه كبرى بسبب انخفاض أسعار النفط ، وكون اقتصاده ريعيا يعوّل على النفط بدرجة أساسيّة .
-4-
إنّ السُرّاق في العراق فاقوا كل السرّاق … قديما وحديثا ، إيغالا في الدناءة والخسة والانحطاط ، واصراراً على الاضرار بالبلاد والعباد ، وقد نُزعت من قلوبهم الرحمة ، فهم غلاظ قساة ، لايحسنون إلاّ الاقتناص والامتصاص ..!!
-5-
لم تسلم منهم حتى ” الأدوية” الطبيّة،
ولم يَنْجُ منهم المهجرّون والنازحون – الذين تحوّلوا بين عشية وضحاها بفعل الغدر (الداعشي) الى أُسر منكوبة بحاجة الى الغذاء والدواء، فضلاً عن السكن والدفء وهم يصارعون البرد الشديد – ،
ولم يتورعوا عن جلب المواد المسرطنة ايثاراً للأرباح على حساب الأرواح .
-6-
جاء في التاريخ :
ان المستنجد العباسي (يوسف بن محمد) الذي توّلى الحكم سنة 555 هجرية ، كان حاكما عادلاً .
وقد تتبع المفسدين بغية القاء القبض عليهم وزجّهم في السجون انقاذاً للعباد والبلاد منهم ،
وفي هذا السياق ، قيل :
إنّه امسك برجلٍ كثيرِ الإفساد وحَبَسهُ ،
فتقدّم رجلٌ يشفع له ،
ويعرض تقديم عشرة آلاف دينار للخليفة ، لقاء اطلاق سراحه ، فقال المستنجد :
أنا على استعداد لتقديم عشرة آلاف دينار لك ، على أنْ تأتيني بمثله ،
فأحبسه وأريحُ الناس من شرّه .
تتمه المتنهى في تاريخ الخلفاء/ص480
وهنا لابُدَّ لنا من وقفة نسلط فيها الضوء على بعض النقاط :
1 – لا يعدم الفاسدون المفسدون من يسعى لانقاذهم من قبضة العدالة.
وربما أعدَّ بعض المفسدين العدّة لليوم الأسود ، لأنطلاق أمثال الساعي لانقاذ المفسد الذي حبسه المستنجد .
2 – الساعون لانقاذ المفسدين هم ممن يحظون بالوجاهة الاجتماعية التي تمكنهم من الوصول الى قمة الهرم في الدولة .
وهم في مسعاهم المحموم لانقاذ المفسدين ، يكشفون عن أنهم مفسدون أيضا كأولئك الذين يدافعون عنهم ، فالمفسد لا يتخلى عن المفسد .
3 – انّ مساعي انقاذ المفسدين لا تكون خالية من الاغراءات، فقد تُقدّم الأموال والعُروض المغرية ، وقد يسيل لعابُ هذا أو ذاك من أشباه الرجال ..
4 – موقف المستنجد العباسي في رفض الشفاعة للمفسد، هو الموقف الذي يجب انْ يسير عليه المسؤولون العراقيون كافة للضرب بيد من حديد على الفساد وأهله .
5 – إنّ المستنجد قابَلَ العرض المالي المطروح عليه، بِعَرْضٍ مالي مماثل لمن يدله على المفسد الخطير المماثل للمفسد المقبوض عليه، لكي “يريح” الناس من شرّه .
وهذا موقف أصيل ، وهدف نبيل .
6 – ان المطلوب من المدعي العام العراقي ، التحرك السريع لاحالة كبار الحيتان الى القضاء، ليس من اجل ايداعهم السجون عقوبةً لهم فقط، بل لانتزاع ما نهبوه من الثروة الوطنية، لاسيما والعراق يئن من العجز الكبير في
موازنته لهذا العام .
7 – ونقترح ان تعلن الحكومة عن مكافاءات تشجيعية لمن يستطيع مساعدتها على استرجاع المال العام المنهوب الى خزانة الدولة .