تعودنا على آلية دفاعية إستكانية تعجيزية وتدميرية , عنوانها ” أهون الشرّين” , وهي منطق بائد وأسلوب جائر جرت على تسويغه الأنظمة المتسلطة التي تمتهن الشعوب , فعندما تقترف الخطايا والآثام يكون جوابها الذي يسوّغ لها عمل المزيد من البشائع , أنها لو لم تفعل هكذا لحصل الأسوأ , وهذه سفسطة بهتانية للخداع والتضليل ومواصلة الإمتهان , والإذلال والجور المُنافي للقيم المرفوعة أو المدّعاة.
وهي كما في القول “ترضى بالموت لو بالصخونة” , أما أن أميتك , أو أبقيك عليلا كسيحا مستعبَدا أسيرا , تحت سياط رغباتي وتوجهاتي وتصوراتي وأوهامي.
فهذا منهج لا تقره الديمقراطيات والأديان والمعتقدات والدساتير والقوانين, ولا يتفق مع أبسط حقوق الإنسان والحيوان , فكيف بربك إذا كان الفاعل من ذوي المذاهب والأديان؟!!
كما نتناسى أن الشر يلد شرا , والخير ينجب خيرا , والخير ينتصر على الشر دوما , والشر لا ينتصر على الشر أبدا , والصراع بين الخير والشر هو القائم منذ الأزل!!
تلك مقدمة للوصول إلى محاولة عرض بعض حقائق ما جرى – والتي سبقها إختراق أمني عند أحد الحواجز كما يُذكر , وقراءتها , وسط صمت إعلامي شديد – في مدينة تم حجز أطفالها ونسائها وشيوخها طوال الليل في جامع إسمه “جامع الإمام علي بن أبي طالب” , وهم يحتفلون بالمولد النبوي , فيُهانون , ويُعتقلون في الصباح ويُعذبون , ويحشرون في غرف صغيرة وبالعشرات , وهذه الغرف هي لفحص المرضى في بناية كانت مركزا صحيا وقائيا وعلاجيا , والمدينة يزيد عدد سكانها على النصف مليون بكثير , ولا توجد فيها إلا مستشفى متهالكة تفتقر لأبسط الخدمات المعاصرة , وبسعة مئة سرير أو أقل.
كما أن أول مدرسة إبتدائية فيها قد تحولت إلى معسكر أو مقر قيادة , وصارت المناطق القريبة من هاتين البنايتين تتعرضان لقصف عشوائي بالهاونات , وتحصل مداهمات ليلية تروّع الناس , وتصيب الأطفال بأنواع الشدائد النفسية والإنفعالية , لما يشاهدونه ويمرّون به من عناء ومخاوف جِسام.
ويُخشى أن يكون هذا السلوك من بنات الأجندات والمخططات الهادفة للإيقاع ما بين جميع القوى , التي تساند أبناء المدينة للدفاع عنها والحفاظ على الأمن والأمان , والذود عن مراقد الأئمة الأكرام , ويسعى إلى إيقاد الصراع والتفاعل السلبي , ودفعه بإتجاهات الفعل ورد الفعل , لتسويغ ما خفي من التطلعات والنوايا المبيتة.
ويبدو أن هناك مَن أخذ يروج لمغادرة أبناء المدينة وخصوصا محلة القاطول , التي تقطنها الغالبية من عشيرة البونيسان , الطيبة الكريمة الرحيمة ذات القيم والأخلاق والعراقة , والنخوة والعزة والكرامة.
فتحويل المركز الصحي الوقائي إلى مقر عسكري , في مدينة تعاني أصلا من تردي الخدمات الصحية , ومصادرة المدرسة الإبتدائية الأولى العريقة فيها , ومداهمة الناس وإعتقالهم , لهي إشارات واضحة ورسائل ترحيل معززة بالسلوك , كما أن المدن يتم حمايتها والدفاع عنها في محيطها , وليس في التعسكر داخلها وبين الناس.
ومن الحكمة والسياسة والصدق , أن لا تقع جميع الأطراف في هذا المطب الذي ُيضعف قدرات حماية المدينة , وتأمين سلامتها , ولا بد من سيادة القانون , وتدخل المرجعيات التقية وذوي الحلم والرشاد , لمنع التطورات والتداعيات التي قد تتمخض عمّا حصل , لأن هناك الكثيرون المتصيدون في الماء العكر , فالمدينة بما فيها تُلزِم الجميع أن يكونوا كالبنيان المرصوص , وأن يعتصموا بحبل المحبة والألفة والوحدة الدينية التي تمثلها المدينة على مرّ العصور.
ولابد من الجهود الخيرة الطيبة الرحيمة الغيورة , للحفاظ على العلاقة الأخوية الروحية ما بين الجميع , وأن تتحقق الإيجابية في التفاعل , ويتجاوز الناس ما حصل , والإنتقال إلى رؤية جديدة تؤمّن سلامة المدينة ومواطنيها.
أللهم أعِد لمدينة “سرّ مَن رأى” سرورها ونضارتها وبهجتها , ورمزيتها الحضارية والإسلامية المتميزة التي تصدح بها مآذنها , وتعبّر عنها بثقافتها وسلوكها , وإن مع العسر يسرا !!
“وكُلّ الحادثاتِ إذا تناهتْ….فمَوصولٌ بها فرجٌ قريبُ”