اختفاء قانون “من أين لك هذا؟” خلال حكم المالكي وسياسته الفاشلة أفرز نوعـًا من عدم المحاسبة أو المساءلة بشكل عام على مستوى جميع قطاعات ومؤسسات الدولة، حتى بدا اختفاء المساءلة أو غض الطرف عنها هو نوع من مباركة المالكي لانتشار الفساد وشرعنته ، وملّفات الفساد في العراق التي يعرفها العراقيون لا تعدّ ولا تحصى، وكلّها حالات في الفساد المالي والإداري بملايين ومليارات الدولارات. كلّها ذهبت إلى جيوب الفاسدين، ولم تزل الخدمات معطلة، والخزينة خاوية والملّفات مبعثرة.
اليوم، يجب أن يجتّث كلّ الفاسدين من مؤسسّات الدولة، ويحاسب الرؤوس الكبيرة السابقة، محاسبة عسيرة على كلّ ما اقترفوه من الآثام والجرائم في كلّ بقعة من أرض العراق، قبل إفلاتهم من العقاب، والعمل على معرفة من نهب المليارات من أموال البلاد والعباد؟ . والمطلوب إجماع عام ضد الفساد والفاسدين، وأن تتاح لهم الفرص للتظاهر والاعتراض على كلّ الأخطاء والجنايات التي حصلت بحقّ أبنائهم ونسائهم وبيوتهم، وبحق كلّ وطنهم الذي ساهم المالكي وأعوانه في ذبحه، وتسليم نصفه إلى المتوّحشين. أتمّنى أن يلتفت كلّ من يريد الإصلاح والتغيير إلى معالجة آثار وبقايا الحكومتين السابقتين الراحلتين ، قبل أن يعيد الفاسدون أوراقهم من جديد، والإبقاء على خراب العراق وانقسام العراقيين. وان أيّ تلكؤ، في هذه المهمّة الوطنيّة المقدّسة، سيمنح الفاسدين الإبقاء على مصالحهم وفسادهم.
لذلك تواجه حكومة السيد العبادي، اليوم، جملة من المشكلات التّي ستعيق عملها، في مقدمتها مكافحة الفساد “فساد في كل شيء” ، خصوصاً إذا ما عرفنا نوعيّة بعض الذين غدوا وزراء ومسؤولين، كونهم نصبّوا ضمن تقليد كريه، يتمثّل بالمحاصصة الطائفيّة والحزبيّة. وعليه، فإنّ الرجل المناسب ليس في مكانه المناسب، فكيف لرئيس حكومة يطمح في الإصلاح والتغيير، وبرفقته طاقم يرتبط هذا بحزبه، وذاك بأجندته، قبل أن يستمع إلى رئيس حكومة؟ فالخراب قد تمثل ببنود تضمّنها “دستور” أباح حصول الخطأ، ولم يصلّح حتّى اليوم، فالمشكلة ليست في الفساد نفسه، بل بمن خلق عوامله من الفاسدين، وجلس يأكل من جناياته على العراق والعراقيين.
ونجاح السيد العبادي مرهون بمحاكمة كل من تورط بتهم الفساد وهدر المال العام و كل من تسبب في قتل مئات الأرواح يوميا وكذلك من تسبب في سقوط المحافظات العراقية بيد العصابات الإجرامية وضياع ابرز ملامح الدولة العراقية وهي السيادة التي يسعى العبادي اليوم إثبات وجودها من خلال رحلاته المتكررة لعدد من الدول دون ان يكترث للمجاملات السياسية أو الخوف مما قد يسببه محاكمة هذا المسؤول أو ذاك بل العكس فمحاكمة البعض ستردع الآخرين و تجبرهم على العمل بصورة صحيحة و بالتالي سيحقق (العبادي) وعوده التي أطلقها.
والتأخير في محاسبة هؤلاء يعني استمرار الفساد ، وسوف يكون السبب أيضاً في استمرار تدهور الوضع الأمني ربما لسنوات، فمن هنا ندعو السيد العبادي ان لا يؤجل محاسبة كل فاسد مهما كان منصبه أو انتمائه الحزبي ، وأن الشعب العراقي لا يتجنى على أحد ولكن يريد الشعب أن يأخذ حقه المنهوب وحق الشهداء وبالقانون، القانون الذي وضع لمحاسبة الخارجين على هذا القانون، ليس أكثر من ذلك، وإن أي إنسان يتورط ويعطل تطبيق العدالة على هؤلاء الذين سرقوا أموال الشعب وقتلوا أبنائه يعد مشارك في هذا العمل الجنائي.
اليوم ،الشعب العراقي يطالب السيد العبادي بإحالة المالكي إلى القضاء ليس لأنه اضر بالمصلحة الوطنية العليا بل لأنه حول اقتصاد البلد إلى مديونية وحول العراقيين إلى طوابير من الفقراء لتحويلهم إلى مجموعات من الشحادين ، وهناك تسريبات تقول ” ان المالكي سوف لن يحاسب وفق تعهد خطي بتوقيع العبادي والجعفري والحكيم وانه لا يلاحق قانونيا ومعه أكثر من 25 شخصية مقربه منه “، لذلك ندعو السيد العبادي إلى مصارحة الشعب العراقي حول هذه “المعلومة”، لأنه لا استقرار في العراق إلا بمحاكمته عن ما حصل في العراق بسبب سياسته الفاشلة.
وما يثير الشعب العراقي هو عدم إحالته لحد ألان إلى القضاء ، بل تولدت قناعة ان في العراق “الديمقراطي الاتحادي” أصبح هناك قاعدة سلوكية وهي : كلما كان منصب الفاسد كبيراً، زادت نسبة براءته وابتعاده عن المحاكمة أو التحقيق .!
والشعب العراقي اليوم، لا يكتفي بتغيير الوجوه، بل يطالب بتغيير النهج والمضامين، بسنّ مبادئ وطنيّة جديدة، يمكن لها أن تدين، صراحةً وعلناً، من كان مسؤولاً عن الفساد والخراب في السنوات الماضية. ويجب أن يجتثّوا رؤوس الفساد، بدءا بالمالكي وكلّ من عمل في منظومته الجائرة، وما فعلوه بالعراق والعراقيين.
وعلى رئيس الوزراء الدكتور العبادي أن يطالب القضاء بالتحقيق مع المالكي، وكلّ أفراد عائلته وأزلامه الذين كانوا وراء كلّ الخراب والدمار والاختلاسات والسرقات وارتكاب كلّ الجرائم التي أودت بحياة نصف العراق. وان التستّر على المخربّين والفاسدين وكلّ الذين تآمروا سرّاً، وعملوا على ضياع نصف العراق، تعدّ مشاركة في الجريمة، لا بدّ أن يحاكموا ويعاقبوا، ليكونوا عبرة تاريخيّة لكلّ الفاسدين، وما أكثرهم اليوم في العراق. وثق ياسيدي يا صاحب تعهد ” سأحارب حيتان الفساد حتى لو كلف الأمر اغتيالي”،ان الشعب العراقي لن يهلل لك حتى محاكمة المالكي.