19 ديسمبر، 2024 5:48 ص

موسم الهجرة إلى الغرب

موسم الهجرة إلى الغرب

يعاني العراق منذ بداية تسعينيات  القرن الماضي  من حمى الهجرة إلى الغرب ، حتى تحول هذا الهاجس إلى طموح اغلب شبابنا اليوم ، سعيا منهم للهروب من الواقع المزري الذي يعيشه العراق وعلى جميع الأصعدة ، فبعد سلسة الحروب العبثية الطويلة التي خاضها هذا الشعب مرغما ، ومحنة الحصار الاقتصادي وظلم النظام الحاكم آنذاك ودمويته ، تنفس العراقيون الصعداء بعد ما حدث في التاسع من نيسان 2003 ، إلا انه سرعان ما ساءت الأمور بفعل الفوضى التي خلفها الاحتلال وطبيعة النظام السياسي الهش الذي نتج عن هذه الفوضى ، فعاث الإرهاب فسادا في البلاد وازدادت طوابير العاطلين عن العمل بفعل الفساد الإداري وريعية الدولة التي ظلت تعتاش على واردات النفط فقط وأهملت قطاعي الصناعة والزراعة ،  والغياب ألقسري الذي شهده الاستثمار بفعل الوضع الأمني الخطير الذي تعيشه البلاد ، فخلف هذا الوضع السيئ  تصاعدت في وتيرة طلب الهجرة وخصوصا لدى الشباب حتى تحول هذا الموضوع إلى ظاهرة اجتماعية تنذر بالخطر الكبير ، فالمدن التركية الآن تغص بهؤلاء الشباب الذين جعلوا من هذا البلد ممرا لهم للولوج إلى الدول الأوربية ، وتحولت إلى قاعدة لتقديم أوراقهم طلبا للجوء الإنساني ، العراق الآن يعيش ثنائية غريبة ومأساوية تتطلب تحرك سريع  من أصحاب القرار وعلى جميع المستويات ، شباب ينزفون دما وهم يقارعون الإرهاب دفاعا عن بلدهم ووجوده ، وآخرون أعطوا ظهورهم له وفضلوا الهرب والغربة التي يعتقدون إن وطأتها عليهم ستكون أهون بكثير من وطأة الموت والخوف والبطالة التي تلاحقهم في هذا الوطن الجريح ،  هنالك مخطط شيطاني خطط له بإتقان لاستهداف هذه الشريحة الفعالة والمنتجة في أي مجتمع أنساني ، وان شبابنا الذي يرحل عنا ألان من الصعب تعويضهم أو إعادتهم إلى أحضان الوطن مرة أخرى  ، فالأسباب الرئيسية التي  تجعلهم يعيدون النظر بقرارهم هذا قد تلاشت ، بغياب الحلول الآنية والسريعة للمشاكل التي يعانيها العراق الآن ، إضافة إلى طبيعة الأفكار التي يحملها هذا الجيل من الشباب والتي تقترب كثيرا من طبيعة تلك المجتمعات الغربية التي سحرهم ترفها وجمالها فقرروا الهجرة إليها ، بفعل الثورة الإعلامية التي يشهدها عالمنا اليوم ، وظاهرة تلاقح الثقافات والعادات الاجتماعية التي نتجت عن هذا التلاقح …  في عام 1965 ميلادي ، طرح الروائي السوداني الطيب الصالح روايته الكبيرة ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ،
وهي أول نتاج أدبي عربي يصور حالة الصراع الثقافي والاجتماعي بين الشرق والغرب ، ويتناول موضوع رغبة واندفاع الشباب العربي وحلمه بالهجرة إلى الغرب ، وكيف إن بطل روايته لم يستطيع التأقلم اجتماعيا مع حضارة الغرب بالرغم من امتلاكه الكثير من القدرات الذهنية والعلمية التي أهلته أن يكون أستاذا في إحدى جامعات بريطانيا ، لكن كانت هنالك حلقة مفقودة بينه وبين هذا المجتمع الغربي الغريب عنه بكثير من الثوابت والقيم الاجتماعية والاعتبارية ، مما اضطره للعودة مرة أخرى إلى بلده الأم … إن قرار العودة إلى الوطن قد اتخذه بطل رواية الطيب الصالح كونه نشأ في بلد ذا مجتمع تقليدي منغلق تطغى عليه عادات وأعراف الشرق بصورة كبيرة  ، ولا يعاني  من ظاهرة الموت المجاني بفعل الإرهاب ، ولا ينظر بأم عينه كيف يسرق بلده ومستقبله في وضح النهار دون رادع او حساب، فكيف بشبابنا وهم واقعون تحت تأثيرات العولمة الثقافية والدعائية ،  ويعانون من الهزيمة النفسية والإحباط ، وقد فقدوا الأمل بمستقبلهم … اعتقد إن الموضوع بحاجة إلى وقفة وتأمل وقرارات جادة لوقف هذا النزيف المستمر لأبنائنا. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات