19 ديسمبر، 2024 6:20 ص

الخارجية وعقيدة المسؤولية

الخارجية وعقيدة المسؤولية

للأسف الشديد.. لم تستطع الخارجية العراقية طيلة عقد من الزمن ان تمارس سياسة مكلفة وطموحة، ولم تستطع ان تعكس صورة واضحة عن المشهد العراقي يمكن الاعتماد عليه في بناء شراكات دولية تدعم الثقة في عراق ما بعد ٢٠٠٣ لدى الأعداء والأصدقاء على حد سواء، حتى ان بعثاتنا الدبلوماسية كثيراً ما كانت تقتطع جزء من الصورة العراقية وتنقلها إلى الآخر على إنها الصورة الكاملة؛ فأصبحت هذه البعثات عبئاً على العراق، عوضاً من أن تكون عوناً لنا أسهمت في أن تنتج أكثر من فرعونا علينا.

هذه السياسية الخارجية المشوشة ألقت بظلالها الثقيلة على العراق، لذلك واجهها السيد الجعفري بسياسة بديلة تستند إلى رؤية إستراتيجية مفادها: على العراق العمل على تشجيع أو دفع دول المنطقة لتحمل مسؤوليات اكبر فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب لتخفيف العبء على العراق من ناحية، وكوسيلة لاستيعاب العدد الأكبر من الفاعلين الذين أصبح لهم تأثير – شئنا أم أبينا – على الراهن السياسي العراقي؛ من ناحية أخرى .

رؤية الجعفري الإستراتيجية هي (عقيدة المسؤولية) التي تستند إلى إن بعض دول المنطقة استفادت بشكل كبير جداً من العراق في درء الخطر عن أمنها القومي بوصفه رأس الحربة في محاربة الإرهاب؛ وفي الوقت نفسه؛ تمتلك هذه الدول قدرات غير متوفرة للدول التي تعاني من الإرهاب، لا بل إنها أصبحت احد مصادر الإرهاب الذي يواجه العراق في الوقت الحالي. وعلى الرغم من ذلك فإن لهذه الدول اليوم مصلحة مباشرة في التوصل إلى حلول للقضاء على الإرهاب، وعليها تقديم إسهامات ملموسة، سواء على مستوى الأفكار؛ أو التمويل؛ أو استغلال العلاقات؛ للتوصل إلى حلول لإشكالية الإرهاب الذي يهدد المنطقة برمتها، مقابل حصولهم على امتيازات تتعلق بمشاركتهم في إعادة رسم وتشكيل القواعد والقوانين التي تحكم هذه المنطقة، وبذلك يصبحون أكثر اقتناعا بالعمل داخل الأطر الإقليمية القائمة وتحسينها.

تحميل دول المنطقة مسؤوليات دولية أسلوباً مستحدثاً في السياسة الخارجية العراقية، تستخدمه إدارة الجعفري على نطاق غير مسبوق لضرورته الملحة في هذه الفترة التاريخية. وتتطلب هذه العملية قدرا كبيرا من الصبر لنتمكن من التكيف مع الدور الجديد لدول المنطقة من جهة، ولكي تقتنع هذه الدول أيضا من خلال الممارسات العملية بفوائد التواصل مع العراق من جهة أخرى .
وعلى الرغم من إن الخلافات بين دول المنطقة عميقة ومتعددة إلا إن الجعفري يقود الجهود من اجل التوصل لعلاقات دولية قائمة على قواعد متفق عليها تستطيع تحقيق المصالح وحل المشكلات بشكل مشترك. لذا فدخول لاعبين جدد على الساحة العراقية لا يجب أن يعد دليل ضعف أو تراجع، بل دليل نجاح سياستها الخارجية، وعلى صياغتها لشكل جديد من القيادة للعلاقات الدولية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات