15 نوفمبر، 2024 5:55 م
Search
Close this search box.

الأخطاء المقصودة وتوزيع الأدوار

الأخطاء المقصودة وتوزيع الأدوار

في نهاية عقد الستينات وصلت أزمة ما يسمى في حينها بأزمة خليج الخنازير بين الاتحاد السوفيتي آنذاك والولايات المتحدة الأمريكية ، بخصوص تنصيب الصواريخ السوفيتية البعيدة المدى في الأراضي الكوبية باتجاه واشنطن وولايات أمريكية أخرى إبان الحرب الباردة ، وكان الزعيم السوفيتي خروشوف يهدد الولايات المتحدة ويتحداها ، كونه كان يعتبر نفسه زعيماً ثوريا مناهضاُ للامبريالية الجديدة التي نشأت على أنقاض المملكة الاستعمارية التي لا تغيب عنها الشمس والتي كانت تسمى ( بريطانيا العظمى ).

تمت تسوية المشكلة ، وأعلن الرئيس الكوبي فيدل كاسترو إن الصواريخ تم سحبها وإعادتها إلى موسكو ، ولكن السفارة الهولندية في هافانا التي كانت ترعى المصالح الأمريكية في كوبا ، سلمت وزارة الخارجية الكوبية صوراً من القمر الصناعي الأمريكي المرابط فوق الأجواء الكوبية ، وصلت عبر الفاكس من واشنطن تظهر صورة للزعيم الكوبي في حديقة القصر الجمهوري ، وأمامه كرة التنس وهو يدخن سيكارهِ الكوبي الشهير ، وأبلغته أن الصواريخ لا زالت رابضة في خليج الخنازير ولم تسحب وأن الولايات المتحدة تعلم وتراقب أدق التفاصيل وما الصورة التي بعثت إلا دليل على ذلك !!

نحن الآن في سنة 2015 وقد وصل الجبروت الأمريكي إلى أقصى حالاته ، نتيجة القوة الاقتصادية التي يحلبها الأمريكان من بيع الأسلحة بناء على دعم الحروب وإثارة الفتن واحتلال البلدان ومصادرة النفط والغاز بطرق مختلفة ، وهلم جره ، ووصل معها التطور العلمي والتقني والمعلوماتي الأمريكي إلى مراحل كبيرة جداً ، ولكن المضحك المبكي أن تتعامل الإدارة الأمريكية مع شعوب ودول تعتبر من العالم الثالث ، على أساس أنها دول قاصرة بالتفكير والتحليل نتيجة لقبول تلك الدول أو الشعوب لما تتلقاه من أوامر عبثية تصل أحيانا إلى حد الاستهانة بالتفكير للطرف الخاضع .

كلما ارتكبت أمريكا جريمة سياسية أو أمنية أو عسكرية ، أعلنت أنها مجرد خطأ غير مقصود ، وأنها تعتقد أو تريد أن تعتقد أن من حقها أن تخطأ كما تدعي ولكن ليس من حق المظلوم والذي دفع ثمن هذا الخطأ أن يئن أو يصرخ من الوجع !

لن نذهب بعيداً ونغور بتأريخ الجرائم الأمريكية ، ولكننا سنختار نماذج لمصائب تخص شعبنا وأمتنا ، ومن التأريخ القريب .

جمع الأمريكان شلة من العملاء من أصقاع الأرض وفتحت لهم نافذة القول والحديث للإدلاء بشهادات مزورة في منابر دولية وحكومية في واشنطن ولندن ومقر الاتحاد الأوربي ، كي تبرر لاحتلال العراق ، فوقف أحمد الجلبي وتلاه ممثل مسعود البرزاني ، في واشنطن ووقف معاون أياد علاوي مع يونادم كنه على منصة مجلس العموم البريطاني ، وجلس محمد باقر الحكيم مع وفد الاستخبارات الأمريكية بعدة لقاءات جمعتهم بالكويت ، وقدم شهادته عدنان الباججي في

زيورخ أمام وفد الأممية الدولية ، وقدم الياور شهادته في الرياض بلقائيين متلفزين مع وفد وكالة الاستخبارات الأمريكية ، بخصوص تعاون العراق مع منظمة القاعدة .

هذه وغيرها من الشهادات ، وغيرهم من الأشخاص اللذين يدعون أنهم عراقيون جميعها ، أصبحت ذريعة للمجرم جورج بوش وحلفائه ، لاحتلال العراق ، وتدمير كيان الدولة العراقية من الجذور ، وإباحة البلاد إلى كل من هب ودب .

وبعدما أوجعت أمريكا أسماع الدنيا ، بخصوص أسلحة الدمار الشامل العراقية ، وعلاقة منظمة القاعدة بالعراق ، بالاعتماد على تلك الشهادات المزيفة وغيرها العشرات ، صمتت ولم تعطي تبريراً واحداً غير كلمة أنها استلمت معلومات خاطئة !!

اللذين قتلوا ، وشردوا وفقدوا حياتهم ومستقبلهم وبيوتهم ، والبلد الذي تحطم وأعيد لقرون مضت ، والجيش الذي تم حله ، لتستباح الأعراض ، ويصبح الأقزام يهددون العراق وأرضه ، فتقوم الكويت باحتلال أراضي في أم قصر وحقول نفط ضمتها أليها وإيران تتوغل بمسافة 150كلم بعمق الأراضي العراق طولياً لتصبح لديها من دون مقدمات حقول نفطية مشتركة مع العراق ، وتركيا ، تتصرف بشمال العراق وكأنه ضيعة تركية ، كل ذلك أنه مجرد خطأ .

حينما أطلقت في أرضنا داعش وأفراخها ، تبنت الولايات المتحدة زعامة التحالف الدولي الجديد ، لضرب داعش ، والعودة لاحتلال العراق مجدداً بطريقة تعتقد أنها ذكية ، ولكنها مكشوفة التفاصيل والنوايا ، وبدأت الضربات الجوية ضد داعش ، ولكن الطائرات الأمريكية تخطأ أهدافها أحياناً فتضرب تجمعات للجيش العراقي ، وهي تجمعات معلومة لدى الأمريكان بأنها قوات عراقية نظامية ، وتعلن أنه مجرد خطأ!

وتقوم طائرات الشحن الأمريكية العملاقة بإنزال أسلحة ومعدات خفيفة ومتوسطة وحتى ثقيلة أحياناً وتجهيزات ومواد طبية وغذائية ، لتجمعات داعش ، معلوم تواجدها ، وتبرر الإدارة ألأمريكية بأنه خطأ ، ولكن السؤال كيف يتكرر هذا الخطأ مرات ومرات ، ولا صوت مندد يٌسمع لا دولياً ولا إقليميا ولا حتى محلياً !

كل ذلك وغيره الكثير يدعونا أن نحدد من هم أصدقائنا وحلفائنا ، ومن هم أعدائنا ؟ لا ينكر أحد بأن حجم المؤامرة كبير وأطرافه متعددة ، وكل جار من جيران العراق ، لديه ضغينة بسريرته جاءت الفرصة له ليستغل ضعف العراق وتشتت قراراته ، وإشغال شعبه بصراعات طائفية داخلية ، وكان رجال السياسة الجدد خير من نفذ ما طلب منه بجدارة وإخلاص ، ولم نرى أو نلمس رجل شجاع واحد من بين كل هؤلاء ، من السياسيين الإسلاميين أو العلمانيين أو اللذين يطالبون بدولة مدنية ديمقراطية ، أن يقف على منبر البرلمان أو الحكومات المتعاقبة ، ليقول كلمة حق ، ويفضح تلك الممارسات الأمريكية والإقليمية ، كي يرفع الظلم ولو بكلمة حق ، وذلك أضعف الأيمان ، أصبحت المصالح المتبادلة والحصول على المغانم السياسية والمالية هي الهدف ألأهم لجميع هؤلاء .

والشعب لا يزال مغيب ، والأدهى من كل ذلك أن يتراكض البعض كي يرتبط أو ينتمي لهذه الجهة أو تلك ، من دون التمعن بحقيقة أيدلوجيتها ، أو مصادر تمويلها أو ما تمثله من قيمة سياسية أو اجتماعية حقيقية .

لا أحد بدئاً من المرجعيات الدينية لدى الطائفتين مهما كانت منزلتها فهي متعمدة لا تضع أصبعها على موضع الألم ، وما جرى من دعوات دينية في بداية الانتخابات البرلمانية الأولى من دعوات لمراجع معروفين لانتخاب قائمة بعينها ، والتي فرخت لنا مجموعة من السياسيين دمروا البلاد وقتلوا العباد وضيعوا الأموال ، فضاع صوت تلك المرجعيات ، وتنصلت عن الاعتراف بدعوتها ، وصار الجميع يقول أنه كان خطأ غير مقصود !

وحينما يتراكض الناس كباراً وصغاراً كي يمنحون أصواتهم الانتخابية لأشخاص لا يعرفونهم أو يتمحصوا بخلفياتهم وتأريخهم المشبوه ، ويصبح هؤلاء رجال برلمان أو زعماء كتل ، أو وزراء ، ويغوصون بالفساد حتى جماجمهم ، يقوم من أنتخبهم بالصياح والنباح ليل نهار ولكنهم لا يلومون أنفسهم لأنهم بأصابعهم التي لطخوها بحبر الجريمة ، قد أوصلوا هؤلاء لتك الكراسي فاستغلوها ليصبحون لصوص وقتلة ، والذنب موصول لمن دفع بصوته لصاُ أو قاتلاً ، أو عميلاً .

أنها الأخطاء المتعمدة والأدوار التي وزعها المخرج بعناية مدروسة كي تنتج لنا وطناً يئن طويلاً ولن يجد من يضمد جراحاته .

أحدث المقالات

أحدث المقالات