19 ديسمبر، 2024 2:50 ص

العراق من أكثر دول العالم تضررا عند إنخفاض النفط لأقل من 30 دولار

العراق من أكثر دول العالم تضررا عند إنخفاض النفط لأقل من 30 دولار

قد يعتقد البعض ان وضع أقل من 30 دولارا كسعر لبرميل النفط بعد الربع الاول من العام الحالي هو إحتمالا متشائما , ولكن أسواق النفط العالمية تسير في هذا الاتجاه , فبعد ان انخفضت الاسعار الى اكثر من نصف اسعارها قبل نكسة حزيران 2014, لم نشهد اجراءات من الدول المنتجة لإنقاذ هيبة النفط في الاسواق العالمية , بل ان بعض الدول المنتجة عمدت لزيادة انتاجها لتعويض النقص في الايرادات وان كان هذا الاجراء على حساب الدول المنتجة الاخرى التي لا تستطيع زيادة انتاجها او ان زيادة الانتاج لا يأتي بمردودات اقتصادية لارتفاع تكاليف الانتاج , والعراق هو من اكثر الدول تضررا من انخفاض الاسعار لان الايرادات النفطية تشكل اكثر من90% لمجمل الايرادات التي تغطي النفقات التي تتزايد عاما بعد عام , وهي حالة تختلف عن الوضع في روسيا وإيران وفنزويلا المستهدفة بالانخفاض , لان تلك الدول تستطيع تدبير امورها بالتنوع الاقتصادي باستثناء العراق الذي أدمن على الصادرات النفطية كمصدر اساسي للحياة .

وتختلف حالة العراق عن جميع الدول المنتجة للنفط في مسألتين مهمتين , الاولى انه يخوض حرب ضروس مع عدو غير منظم فهو ليس دولة لكي تحل القضية في اطار القانون الدولي , كما انه ليس من مجموعة منتظمة او منضبطة لكي يتم التفاوض معها لإيجاد تسوية للنزاع , اما المسألة الثانية فأنها تتعلق بالطريقة التي يدار بها الاقتصاد , اذ لم يتم اعتماد منهجا محددا بهذا الخصوص والقاعدة الوحيدة التي تصلح للوصف هي ( اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ) , وهو ما جعل البلد لم يظفر بمصادر محددة لإنتاج الدخل القومي في قطاعات الزراعة او الصناعة او التجارة او غيرها من القطاعات , دون ان نهمل بان هناك نقصا واضحا في البنى التحتية والخدمات والاحتياجات الفعلية للشعب وبروز ازمات كبيرة في مجالات السكن والصحة والتعليم والطاقة والبطالة , بل ان هناك مشكلات اجتماعية تتعلق بالترمل والايتمة والطلاق والعنوسة والعزوبية ووجود نسب كبيرة للنازحين وللعاجزين والمعوقين والمرض وغيرها من الحالات .

وعندما نقول ان العراق من اكثر المتضررين فان القصد هو لتدارك التداعيات المتوقعة عن هذا الانخفاض قبل حلول الكارثة الاقتصادية , فلو بعنا النفط بثلاثين دولار للبرميل وبمعدل تصدير قدره ثلاثة ملايين برميل يوميا , فان الايرادات النفطية السنوية ستكون بحدود 33 مليار دولار وبعد ان تطرح منها حصة شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق , فان المتبقي لا يكفي لسد نفقات رواتب الموظفين العاملين في الدولة التي تصل الى 50 مليار دولار سنويا , وعند استخدام جميع الاحتياطيات من العملات الاجنبية والمحلية فان الاقتصاد الوطني سيكون داخل عاصفة الخطر الكبير , وفي مثل حالتنا سيكون من الخطأ الاعتماد على القروض الخارجية لأسباب تعود الى كيفية خدمتها وتسديدها فيما بعد , فالقروض تكون معقولة عندما يكون تسديدها مؤكدا في امدها المحدد . , وهو ما يتطلب تكريس كل الجهود لوضع المعالجات لما يجب فعله , وما يشير الى الخطر الفعلي والتكابر على المعالجات , هو تخصيص دقيقة واحدة فقط لكل عضو في جلسة مجلس النواب بتاريخ 12/ 1 لمناقشة مشروع قانون موازنة 2015 , وبعد كل هذا الاختصار في وقت المناقشة فقد منح المجلس لنفسه عطلة له لمدة اسبوع .

وقد يسأل احدا اذا كانت هذه التحديات قائمة فلماذا لم يتم حلها خلال السنوات التي شهدت ارتفاعا باسعار النفط وتدفق الايرادات العالية ؟ , والجواب عن هذا السؤال نقول ان البلد قد شهد عقود من الحروب المتتالية التي دمرت أغلب البنى التحتية وخلفت الفقر والحرمان , ومن جاء للحكم بعد ( التغيير ) لم يتبنى سياسات فاعلة لمعالجة آثار تلك العقود , فاغلب الحلول لم تكن صائبة وقد رافقتها ظهور ظروف جديدة تتعلق بازدهار الارهاب والسجالات السياسية مع انتشار واسع للفساد الاداري , مما ادى الى اعتماد حلول ارضائية وترقيعية لم ترقى الى معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية , كما ان من اوكلت اليهم مهمة المعالجات لم يميزوا بين السياسات النقدية والمالية والاقتصادية فاختلطت الامور في العديد من الحلول , ولكي لا نسهب كثيرا في الوصف فان الوضع الحالي والقادم يتطلب نقلة نوعية في ادارة الازمة الحالية , بطريقة تدرك الاخطار المحدقة وتضع اليد على الجرح لكي يتم استثمار كل دينار لتدارك الازمات القادمة التي ستتصف بضعف تدفق الدولارات من الايرادات النفطية التي كانت ولا تزال المصدر الاساسي لرفد ميزان المدفوعات .

والنقلة النوعية التي نقصدها , تتطلب من القيادات المعنية في الدولة ان تدرك ماذا يعني انخفاض اسعار النفط لأقل من 30 دولار لبرميل النفط وما هي تداعيات ذلك على الشعب و الاقتصاد الوطني , كما انها تتطلب ترك الاساليب السابقة التي اتبعت في ادارة الاقتصاد وعزل جميع التسلسلات الادارية التي اثبتت عدم كفاءتها , فمن يصف المشكلة الحالية ( رب ضارة نافعة ) عليه ان يعي لما يجب عمله بالفعل , ومن الضروري جدا اعادة النظر في الهياكل الادارية في الدولة كافة , من حيث جدوى وجودها ابتداءا من الرئاسات الثلاث وانتهاءا بكل التشكيلات , كهيئة النزاهة والمفتشون العموميون وبقية الهيئات وبعض الوزارات والدوائر والشركات المترهلة التي باتت تشكل عبئا على الدولة لا عوننا لها , ولغرض التحول الى الدولة اتي تنتج زادها , فيجب ولوج القطاعات التي يمكن من خلالها منافسة المنتج الخارجي بدلا من المنافسة غير المجدية للآخرين , ويمكن في هذا المجال استثمار السياحة الدينية وإنتاج الغاز وإيجاد فرص العمل للموارد البشرية في الخارج كي تجلب العملات لميزان المدفوعات , ويضيق المجال هنا في عرض جميع المقترحات فهي لا جدوى منها اذا لم تتوفر القناعة الجدية للتغيير الاقتصادي التي يمكن لها التصدي للأسعار الجديدة للنفط.

أحدث المقالات

أحدث المقالات