يتعرض من يلوم العبادي على تأخره في عملية الاصلاح ،ومحاسبة الفاسدين واستبعادهم من مناصبهم ،الى حملة شعواء من قبل سياسيين واعلاميين مؤيدين له.وحجة هؤلاء بأن الرجل حديث عهد بالحكم ويحتاج الى سنة فى الاقل لانجاز مهامه. ويضيف هؤلاء:صبرتم على المالكي ثماني سنوات،فأصبروا على خلفه سنة واحدة .والمفارقة هنا هي ان هؤلاء نفسهم كانوا يقولون للذين طالبوا المالكي فى بدء ولايته الاولى بالاصلاح،كانوا يقولون لهم : اعطوا دولته فرصة ثانية .. فقد صبرتم على صدام ثلاثين سنة ،فاصبروا على المالكي سنة واحدة . صحيح ان العبادي قد تسلم بلدا ممزقا ومدمرا، وتركة مثقلة بالمشاكل، وجهازاً ادارياً فاسداً، وطبقة حاكمة تنجس اكبر المحيطات لو رميت فيه.لكنه كان يعرف كل شي، ولم تخفه خافية.وهو نفسه تعهد بالاصلاح واستبعاد الفاسدين واسترداد المال الذى نهبوه.وهو لا غيره من وضع جدولا زمنياً لكل حالة، وألزم نفسه خطيا بمعالجة كل حالة بوقت حدده، من دون ان يتعرض للاجبار.
لكن…ما أن جد الجد ،حتى رأيناه يتلكأ ويتردد ويتشكي،وكأنه كان مغلوباً على امره يوم قبوله بتسلم الحكم، ويوم تعهد بالاصلاح ومحاربة الفساد .ففي الجانب الامني حاول امتصاص النقمة الشعبية تجاه القادة الذين هربوا فى اول مواجهة لهم مع داعش ،وتركوا له اسلحتهم فى الموصل والانبار وصلاح الدين وكركوك.اراد العبادي ان يتستر على هذه الفضيحة،فاصدر قرارا بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة باحالة بعضهم على التقاعد واستبعاد رئيس اركان الجيش واخرين من مناصبهم.ولكن هذا القرار ظل حبراً على ورق ،فما زال زيباري وغيره من الفاشلين والفاسدين يمارسون عملهم كالسابق. وقد شوهدوا مع العبادي فى اكثر من مناسبة.ولعل الاسوأ من هذا هو ان العبادي لم يلغى مكافأة المالكي للضباط الكبار المهزومين ،والتى تمثلت بتمليكهم قطع اراضي سكنية فى مناطق راقية ببغداد ،وكان يفترض به ان يسحبها منهم .كذلك لم يفرط العبادي بواحد من المئات من الضباط التنابلة، الذين يثقلون ميزانية وزارة الدفاع برواتبهم الخرافية ..اما الفساد والفاسدين فى وزارة الداخلية فكانوا بمنأى من الحساب، واكتفى رئيس الحكومة بابعاد وكيلها الاقدم عنها ليعينه مستشارا فى مكتبه بدرجة وزير.ثم اجرى مناقلات ودية وبالتراضي بين كبار قادة الشرطة ..وكفى الله العبادي شر القتال.
اما،ماذا انجز العبادي في (حربه)على الفساد فى الجانب المدني من الدولة العراقية؟فالامر مخيّب للأمال..وقد بذلت جهداً كبيراً لأضع يدي على انجاز واحد من دون جدوى.فالرجل يحكي كثيرا ولا يفعل شيئا.فالفساد المالي والاداري بيدأ من (البوزرجي)ولا ينتهي بمكاتب نواب رئيس الوزراء ،بل يصعد الى الاعلى.وكل ما نسمعه من تصريحات لرئيس الوزراء عن انتصاراته الدونكشوتية على الفساد لايصدقها احد، بل ان الفاسدين يعيشون اليوم في عصرهم الذهبي .واذا كان لصوص المال العام يخشون بطش(حمودي) عندما لا يعطونه حصته من كل مال سرقوه،فهم اليوم بامان ،ويشكرون الله لآن ابن العبادي لم يشاركهم فى المغانم.وكل واحد من السراق صار يدندن مع زميله اغنية((الدنيا ربيع ..والجو بديع…)).
وتأسيساً على كل هذا الذي ذكرته والذي ضاق المكان عن ذكره..اقول ان السيد العبادي حتى وان اراد مكافحة الفساد والفاسدين ،فأنه لن يستطيع ان ينجز شيئا ،ولو بحجم نملة.لآن الوزير فاسد(كل الوزراء)من دون استثناء،ووكيل الوزارة فاسد ايضا ،وكذلك المدراء العامين ومعاونيهم ومدراء الاقسام والشعب والملاحظ ومعاون الملاحظ وكاتب الاستعلامات والفراش ايضا.. وصار الفاسدون جبهة متراصة لن يستطيع أيا كان من اختراقها،فكيف الحال اذا كان العبادي يقدم رجلا ويؤخر الثانية؟…لااظننا ظلمنا الرجل ،فهو كان مطلعا على الصغيرة والكبيرة ولكنه مع هذا قد أختار ان يظلمنا ويظلم نفسه..أنا لله وأنا اليه راجعون .