كنا قد حذرنا قبل سنوات من خطورة اعتماد تقدير الموازنة على مصدر احادي يتمثل في النفط وأسعاره .
وقلنا سابقا اننا لسنا بخبراء في الاقتصاد ونظريات التوازن المالي والاقتصادي وما يترتب على تلك النظريات من تطبيقات مثالية تدفع بالاقتصاد الى الازدهار .
ولكننا بنينا تحليلنا حينها على الواقع المنظور وتفاعلات ذلك مع ما متاح امام الحكومة من امكانيات يمكن استغلالها لتنويع وتعدد مصادر التمويل والتعامل معه بأسلوب مدروس في عملية الانفاق .
واليوم نعود لنكرر كلامنا بان الفرصة ما زالت متاحة امامنا في تعزيز مصادر تمويل الموازنة لو اخذنا بنظر الاعتبار عدة جوانب اهملت عن قصد او عن غيره تمكننا ان نعتبر النفط كمصدر ثانوي لتمويل الميزانية
ولعل في مقدمة تلك الجوانب المهملة الزراعة والصناعة والضرائب والسياحة والاستثمار .
فالعراق المشهود له بخصوبة الارض ووجود نهرين كبيرين كدجلة والفرات والمعروف بأنه كان اول دولة في العالم من حيث عدد النخيل فيه ان يصبح المستورد الاول للتمور من بلدان اشترت نخل العراق لتبيع ثمره علينا بأغلى الاسعار .
وعلى الرغم من وجود ما يسمى بالمبادرة الزراعية وما قدمته تلك المبادرة من ترليونات من الدنانير للفلاحين كقروض مالية طويلة الامد وبدون فوائد من اجل تشجيع الزراعة .
إلا ان البعض من الفلاحين والعاملين في المؤسسات الزراعية استخدم تلك الاموال لإغراض شخصية ومفاسد ادارية .
حيث وجدنا الفلاح يستخدم تلك الاموال لشراء سيارات حديثة يقودها مختالا بين ابناء عشيرته ناسيا او متناسيا ان تلك الاموال هي اموال الشعب وعلية التزامات شرعية ومهنية وأخلاقية مترتبة تتمثل في مسؤوليته عن زيادة الغلة الزراعية التي تستخدم كغذاء للشعب .
وهذا الامر ارهق الميزانية واتى بنتائج مخيبة للآمال لذلك يتوجب على الحكومة ان تسترد تلك الاموال من الفلاحين الذين لم يوفوا بالتزاماتهم وبفوائد عالية وغرامات كبيرة.
وهنا يجب اعادة النظر في استيراتيجية تشجيع الزراعة من خلال دعم اقامة مشاريع زراعية يتكفل بها الشباب العاطلين عن العمل بعد توفير الاراضي والقروض المبسطة لهم ووضع اليات مشددة على نوعية تلك القروض واعتماد تسديدها على حجم الانتاج وإعفاء المنتج الاكثر من الضرائب والفوائد وتقليل الاقساط المترتبة علية كمكافأة له من اجل خلق حالة من المنافسة بين المزارعين من جهة وامتصاص البطالة من جهة اخرى .
كما يجب ان تقوم الحكومة بفرض رسوم استيراد على المنتجات الزراعية التي لها مثيل في البلد من اجل تشجيع المنتج الوطني وزيادة الموارد المالية لخزينة الدولة .
اما بخصوص الصناعة التي شهدت اندثارا غريبا ومريبا فعلى الحكومة ان تدرس بسرعة اسباب تدهور الصناعة وتعمل على اعادة الهيبة التي فقدتها بعض المنتجات التي كان يشهد لها بالكفاءة والتقنية مثل الصناعات الالكترونية والصناعات الجلدية والزيوت النباتية والغذائية والتبوغ.
وهنا يمكن الاعتماد على عدة اساليب للتعامل مع هذا الملف منها تحويلها للقطاع الخاص بصورة كاملة واستيفاء ضرائب مع مراقبة مشددة للإنتاج ونوعيته ومواصفاته ،
او الدخول بصفة مشاركة مع القطاع الخاص وتقديم التسهيلات المالية والتصديرية للمنتجات للدخول الى سوق المنافسة العالمي واعتماد التجهيز للدوائر الحكومية على المنتج الوطني بصورة اساسية ثم الاجنبي في حالات استثنائية لتحقيق عدة اهداف منها
تشجيع المنتج الوطني و تعزيز موارد الدولة من خلال استيفاء الضرائب ورسوم التصدير والمساهمة بحل جزء من مشكلة البطالة وتشجيع التمويل الذاتي للشركات الصناعية .
اما المنفذ الاخر والمهم لتعزيز موارد الميزانية فيتمثل بالضرائب والجبايات فنحن لحد هذه اللحظة لا يوجد لدينا جبايات منتظمة لأجور الماء والكهرباء وهو ما يشكل هدرا كبيرا لمليارات الدولارات التي يمكن ان تعزز الموازنة.
وعلى الحكومة الاهتمام بقطاع الكهرباء بصورة استثنائية اما عبر الاستثمار كما في اغلب دول العالم ، او من خلال الاسراع بتوفير الطاقة الكهربائية عبر المنافذ الحكومية المعروفة لتتمكن من استيفاء مبالغ التجهيز والحال هذا ينطبق على الماء ايضا .
ولو تفحصنا بعض الدول مثل الاردن لوجدنا ان دخلها القومي يعتمد بالأساس على الضرائب لعدم وجود النفط لديها ولكنها رغم ذلك تعد متطورة بالقياس الى ما نحن عليه .
ولا اريد ان اذكر هنا مصادر جباية الضرائب لان الحكومة اعلم من غيرها بالأمر وما تحققه لها تلك العملية من اموال طائلة لا يمكن تجاهلها بهذه البساطة المحيرة .
اما السياحة فلها حصة الاسد في تعزيز الموازنة على ضوء ما نمتلكه من امكانيات سياحية هائلة ولا ابالغ اذا ما قلت اننا البلد الوحيد في العالم الذي تصبح فيه وزارة السياحة وزارة انفاقية وليس ايرادية اي انها تنفق بلا ايرادات تجلبها للخزينة وهذا امر محير وخارج مسارات المألوف في دول العالم .
فمصر تعتمد 90% من موازنتها على الايرادت السياحية والاستثمارية على السياحة ونحن حتى اللحظة نعامل الاماكن السياحية بنوع من الاهمال المتعمد ، فلا متاحفنا وأثارنا نستفاد منها رغم اهميتها المعروفة للعالم ،ولا اماكننا المقدسة توفر دخلا ماليا للدولة بقدر ما توفره للقطاع الخاص .
فلو اخذنا على سبيل المثال المناسبات الدينية المهمة مثل عاشوراء وزيارة الاربعينية للامان الحسين (عليه السلام) ونقارن عدد الداخلين للعراق لهذه الزيارة فقط وهم بالملايين كما حدثت في العام الماضي وفرضنا دولارا واحدا (سمة دخول) لحققنا ملايين الدولارات فكيف اذا كان المبلغ المأخوذ كسمة للدخول أعلى .
ناهيك عن الطلبات الكثيرة لزيارة تلك المراقد المقدسة من جميع المسلمين في العالم وعلى مدار السنة والتي تنظمها شركات السفر او الجمعيات الاسلامية لزيارة الاماكن المقدسة والأثرية في العراق .
واني اكاد اجزم ان السياحة بكل مفاصلها لا تحظى بما يجب من رعاية واهتمام لأسباب لا يعرفها غير اهل الشأن وعلى الحكومة ان تتابع هذا الملف بعناية فائقة وتدرسه بما يستحق لكي تسد جزءا كبيرا من العجز في الموازنة .
اما الاستثمار فهو اكثر القطاعات التي تعرضت للسبات والركون بسبب الفساد الاداري والمالي المرعب حيث بات مألوفا انه لا يمكن اقامة اي مشروع استثماري ما لم يدفع القائم بالاستثمار حصة من المال تقدر بملايين الدولارات للشخص الفلاني او الكتلة الفلانية او الحزب الفلاني.
الامر الذي جعل اغلب المستثمرين ينفرون من الاستثمار في العراق يساعدهم في ذلك الوضع الامني الذي كان هامشيا انذاك وهو ما يدفعهم لعدم المجازفة برؤوس اموالهم خاصة وان القاعدة الاقتصادية تقول ( ان رأس المال جبان ) .
في حين نجد ان اغلب دول العالم تتسابق لتقديم المغريات والامتيازات مثل تقديم الاراضي والإعفاء الضريبي وتقديم التسهيلات المالية والكمركية بقصد جذب رؤوس الاموال ودخول المستثمرين ,
ولذلك يجب على الحكومة ان ان تتعامل مع الاستثمار بطريقة الاغراء ألامتيازي وان تضرب بيد من حديد كل مفاصل الفساد وفي كافة القطاعات وفق قاعدة( اذا وجد الفساد توقفت الحياة )
لقد آن الاوان لنفكر بان النفط يجب ان لا يكون اساس المعادلة المالية للدولة لكونه ثروة تنضب بعد سنوات.
وعلينا الاهتمام بالقطاعات الاخرى التي لا تنضب لتحقيق التوازن في الموارد والثروات والإبقاء على جميع مصادر التمويل بحالة استمرار وديمومة .