ليست مفارقة أنَّ نجد جهات ــ إسلاموية ــ تعيش بيننا تدين وتستنكر جريمة قتل رسامي الكاريكتير في فرنسا التي جرت احداثها يوم 7 / يناير كانون الثاني 2015،وسبق لبعض هذه الجهات أن هدَّدَت وتوعّدت ــ علناً ــ رسام الكاريكاتير أحمد الربيعي بالقتل،عقابا لرسمه صورة كاريكاتورية وجدت فيها تشابها بملامح رجل دين معروف في دولة مجاورة حسب تصورها،وعدَّت ذلك الرسم إساءة لتلك الشخصية،وقد لايوجد من شبه أصلا بين الاثنين،مع انَّه لم يكن هنالك ايّة إشارة صريحة تؤكد على أن الرسم يشير إلى شخصية محددة بعينها،علما بأن التخطيط جاء ليكون بمثابة ــ تفصيلة صغيرة ــ ضمن مقال سياسي لأحد كُتَّاب صحيفة الصباح الجديد التي كان الربيعي يعمل فيها. كانت النتيجة أنْ طاردت تلك الجهات الصحيفة والرسام في وضح النهار وأمام انظار جميع المسؤولين في السلطة والاجهزة الامنية،لأجل أن تنزل القصاص العادل،حتى أنَّّ الصحيفة بسبب ذلك اضطُرَّت لغلق ابوابها ازاء تقديرها لجدية وخطورة التهديدات التي طالتها اضافة الى الرسام.
هذا الحال دفع رئيس تحرير الصحيفة إلى أن يرضخ للأمر الواقع في حينها مستجيبا لأملاءات تلك الجهات المُهدِّدَة،فكتب مقالا أقل مايقال عنه في الاطار المهني مشينا،إعتذر فيه عن خطأ الصحيفة،ليؤكد بهذا التصرف ــ الذي لايمكن تبريره وقبوله تحت اي مسوّغات ــ أن ماقام به الرسام خطيئة كبرى وأن ردَّ فعل تلك الجهات التي هددت وتوعدت بالقتل كان سليما ولم يخرج عن جادة الصواب !
إزاء هذا الوضع وجد الربيعي نفسه وحيدا،لاأحد يقف إلى جانبه،فلم يجد سبيلا آخر سوى الهروب الى اربيل بعد أنْ تخلّت عنه ادارة الصحيفة ونقابة الصحفيين ــ إضافة الى السلطة ــ وكلُّ له اسبابه وتبريراته في هذا الموقف الذي يمكن وصفه إما بالعاجز أو اللامسؤول.
وفي لحظة مليئة بالمرارة بقدر ــ ما تحمل ادانة واضحة ــ يصحو الوسط الثقافي والصحفي بعد ايام معدودة على وصول الربيعي الى اربيل على خبر موته المفاجىء في 12 / 3 / 2014 خوفاً وهلعاً ورعباً ،خاصة إذا ماعلمنا انه كان يعاني منذ فترة بمرض في جهازه التنفسي،وهذا على مايبدو قد عجَّل بنهايته السريعة بعد أن وجد نفسه ملاحقا ومطاردا ومهددا بالقتل وهو الفنان المسالم الرقيق.
. ليست مفارقة إذن ،أنْ لانصاب بالدَّهشة عندما نجد جهات ذات واجهات دينية تقليدية منهجها الثابت يُشرعِن القتل بأسم الدين،عقابا لكل من يمارس حقه في حرية الرأي،أنْ يعلو صوتها عاليا وهي تدين وتستنكر جريمة قتل رسامي الكاريكتير في فرنسا دفاعا عن حرية الرأي !!!