الانسان الذي يعزّ الكلمة، مجرّد الكلمة، مجرّد نطق الكلمة الصحيحة الحقيقية الواعية العاقلة المنصفة في حق بلاده في حق أرضه في حق وطنه في حق شعبه في حق دينه في حق تاريخه في حق حضارته لهو انسان خائن بالضرورة، فكيف به لو تطلّب الأمر منه ان يفتدي وطنه بـ ماله او عياله او نفسه ليبذلها رخيصة دونه، او التضحية من اجل الحفاظ على هذه المفاهيم النبيلة. كيف بهذا الانسان وهو يخون وطنه وارضه وشعبه وقيمه دون وعي منه ولا شعور..؟. بل كيف لـ شعبٍ مثل شعب العراق يمتلك كل هذا الكم من الدوافع والحوافز الروحية والاخلاقية القيم والمفاهيم الثقافية التاريخية والدينية والحضارية يرضى لنفسه ويقبل ان يعيش بهذا المستوى من الحرمان والذلّة والانبطاح والخنوع؟.
هزّتني في الامس مقالة كنت قد قرأتها لأحدهم في احد الموقع الالكترونية يصف فيها الجيش العراقي السابق بأوصاف لايستحق جيش كـ الجيش العراقي السابق ان يوصف بها.. لأجله وانتصارا للجيش العراقي السابق واسمه ومكانته وتاريخه المشرّف ومرتبته الوطنية والقومية التي ستبقى عنوانا خالدا مشرّفا في صفحات التاريخ العراقي يفتخر به كل العراقيين الوطنيين. لابد من قول (أ(:
ممّا قاله هذا المتهجّم: (لو دققنا في مسيرة الجيش منذ تأسيسه 1921 حتى هروبه وزواله في عام 2003 لاتضح لنا بصورة واضحة وجلية انه جيش طائفي مناطقي كان مقتصر على طائفة واحدة بل على عشائر محددة ومناطق معينة في حين كان الاغلبية المطلقة من العراقيين كان لا يحق لهم الانتماء اليه كقادة وضباط(.
يعلم العقلاء والمنصفين واهل الخبرة والاختصاص العسكري في العراق والعالم ان الجيش العراقي السابق لم يكن في يوم من الايام ممثلا عن قيادة او جهة او منصب حكومي او سياسي او رئاسي معيّن او تابعا له، انما هو فقط ولائه وانتمائه للعراق وليس غير العراق، وهذا ما أثبتته مسيرة الجيش العراقي منذ تأسيسه 1921 والى حد حلّه وتفكيكه 2003 على يد الحاكم المدني الامريكي بول بريمر. كما هو (معيار ثابت في كل مقاييس المنظومات العسكرية في دول العالم) اي ان ولاء الجيوش لبلدانها وشعوبها وليس لحكوماتها. واذا صدف وجُيّرت ولاءات هذه المنظومة الى الحكومة ورئاسات الانظمة المستبدّة (كما استطاع نظام صدام حسين تجييره له) فـ ستكون حالة على نحو الشذوذ ليس إلا، وسيبقى الجيش هو الند الوحيد الاقوى الذي دائما تهابه وتخاف منه نفس هذه الانظمة. وحتى صدام بالرغم من جبروته وطغيانه إلا انه كان يخاف من الجيش العراقي ان ينقلب ضدّه ويطيح به.. بدليل: يروي العميد الركن نجيب الصالحي أمين سر حركة الضباط والمدنيين الأحرار -المعارضة لنظام صدام حسين- أن صدام حسين التقى عام 1986 مجموعة من الحزبيين العسكريين المشتركين في دورة خاصة في المكتب العسكري وعلى مستوى قيادة شعبة حزبية قبيل تعيينهم في مواقع عسكرية هامة، وكانوا في غالبيتهم جنودا تمت ترقيتهم إلى رتبة رائد، وقد خاطبهم قائلا: (اريد أن تعلموا جيدا أن الجيش العراقي كالأسد، مهما بلغ مروّضه من كفاءة وبذل معه من جهد فلابد للأسد أن يعود إلى طبيعته المتوحشة يوما ويطرح مروّضه ويلتهمه. ولذلك على المروض أن يقتلع أنياب الأسد لكي يأمن شره، وبما أن الطبيعة قد جعلت تلك الأنياب دائمة النمو وتتجدد بعد قلعها، مما يتطلب من المروض أن يكون دائم التفتيش في فم الأسد بحثا عن الأنياب النامية من جديد واقتلاعها، لأن أي تساهل أو تكاسل قد يؤدي بالمروض إلى التهلكة)(الشرق الاوسط).
لذلك (كما اخبرنا اهل الخبرة بالمجال العسكري ممّن عاش تلك الحقبة) كان صدام لايُبقي الضباط الكبار في مناصبهم اكثر من فترة محدودة، وكان دائم اصدار اوامر نقلهم من مكان الى آخر وتبديلهم بـ غيرهم ممّن هم اكثر ولاءا منهم له. مع ذلك وبصرف النظر عن كل شيء: هل كان الجيش العراقي جيشا هاربا وانهزاميا؟، وهل سجّل طوال تاريخه المشرّف موقفا واحدا هروبا وانهزامية؟.
نعم توجد بعض الثغرات في السياسة العسكرية، سياسة النظام فحسب، من قبيل تنصيبه اغلب قادة الجيش الكبار هم من ابناء العامة، لكن هذا لايغيّر شيئا في حقيقة الجيش العراقي كمنظومة عسكرية له استقلاليته ومكانته وهيبته الوطنية والذي اثبت تنظيمه وقوته وجدارته على المستوى الوطني والقومي.
)ب) هل يوجد منذ التغيير والى الآن اي مقياس ومعيار بين الجيش العراقي السابق وبين الجيش الحالي سواء على مستوى العدّة والعدد او على مستوى الولاء والتنظيم والقيادة والتدريب والتهيئة ووو الخ..؟ اكيد لايوجد.
(ج) في سنة 1980 أي بداية حرب الثمان سنوات، الحرب العراقية الايرانية التي سُمّيت حرب الخليج الاولى كان قوام الجيش العراقي 190000 مائة وتسعون ألف جندي، ومع انتهاء تلك الحرب كان قد وصل الى 1.000000 المليون جندي وتم بعدها هيكلته وتقليصه لاحقا ليصل الى 150000 مائة وخمسون الف جندي بشتى اختصاصاته.
(د) الآن احصائية الجيش الرسمية الحالية 300000 ثلاث مئة الف جندي، و وصل مع التحشيد الطائفي الاخير الى اكثر من 1.000000 المليون، لكنه في المقابل رغم هذا العدد الخرافي لم يُحقق اي انتصار وانجاز عسكري يذكر او يُحسب له في مواجهته قوى الارهاب التي تتألف من بضعة آلاف، بل سجّل اقبح مواقف الانهزامية والخذلان من انكسار الى انكسار آخر ومن هروب الى هروب امام تلك المجاميع القذرة. كيف بهذا الجيش (الجيش الحالي) لو واجه اعتداءا خارجيا، اي اعتداءا دوليا خارجيا..؟ مؤكد سيسلّم العراق على طبقٍ من ذهب
(هـ) الجيش العراقي السابق كان جيشا نظاميا بكل معنى الكلمة منظّم ومدرّب ومهيأ بكل المستويات والمعايير العسكرية، وعلى اكمل وجه. والجيش الحالي لايمكن ان يُسمى جيشا نظاميا بأي حال من الاحوال، لأنه مُجمّع من (سكراب)، عبارة عن خليط من مليشيات واجندة داخلية وخارجية عملاء ومرتزقة، تعمل لهذا وتعمل لذاك، في خدمة ولخدمة ذاك، لهذه الجهة ولتلك الجهة، ولا يمتلك اي قيمة لاعقيدية ولا وطنية، ولا يدين بأنتماء ولا ولاءا لا للشعب ولا للوطن، فضلا تأسس على الطائفية والمذهبية والمناطقية ولا دافع له لا روحي ولا تربوي سوى المادّة وليس غير المادّة. جيش دُرّب وتربّى على (المليشياوية) وتأسس على الانتماء المحاصصي والتوجّهي والحزبي ولا يخدم سوى مصلحة وتوجّهات الطائفية التي أُسس لأجلها.. لاغير. مليشيات يقودها وغد اجنبي أعجمي يدعى قاسم سليماني وربيبه المأجور هادي العامري، أهذا جيش يُسمّى جيش نظامي يمثّل العراق..؟. انها من سخريّات الزمان!!.
طوبى للعراق ولشهداء العراق السابقين واللاحقين، وطوبى لجيش العراق ولأحرار العراق ولشرفاء العراق ولوطنيي العراق ولمحبّي ومضحّي العراق، وهنيئا لتاريخ العراق الذي ضمّ بين طيّات صفحاته الصفحات والمواقف المشرّفة المشرقة من مسيرة جيش العراق…