تعرٌفت كوردستان على منظمات المجتمع المدني بعد انتفاضة اذار عام 1991، و كان مجيئها و دورها هذا غريبا على المجتمع، و لم يتم ما يهم المجتمع من قبل هذه المنظمات . و كما هو اسمها انها منظمات مدنية تؤدي دورا مدنيا هاما من النواحي التي تتخص فيها، وفق برامج و مشاريع، و هي عوامل مساعدة لنشر و ترسيخ الديموقراطية في المجتمع واسسها و يمكنها ان تمهد الطريق امام الملمين بالمجتمع مدنيا و ان كانت مستقلا سوف تساعد الاحزاب التقدمية على تحقيق اهدافهم المدنية . فتعرٌف العراق من جانبه على هذا الامر بعد سقوط الدكتاتورية تدريجيا، و برزت منظمات و لازالت منها مستمرة في عملها، و منها فشلت، و منها لم تدم لاسباب مادية، و لكن من المعلوم ان وراء كل منظمة قوى اما خارجية سرا كان ام علنا، ام داخلية جهة تستغلها لاهداف و مصالح حزبية، او تريد منها تنصيع الوجوه في الجانب المدني و ليس الهدف ذاته و تستغلها لاهداف حزبية قحة . ان المنظمات المدنية التي استقدمت و هي تقلد الدول الديموقراطية دون اي اعتبار لخصوصية للمجتمع العراقي او الكوردستاني، لازالت نظرية التاثير دون ان تخطو بشكل عملي، و لم تصنع او تخلف اي تاثير ايجابي وفق اهدافها المعلنة على المجتمع .
من الملاحظ ان هذه المنظمات المنتشرة في اقليم كوردستان و العراق، منها تخص الشباب بشكل خاص و منها ذات اهداف سياسية بحتة و ما وراءها ، و منها تعتبر نفسها سلطة مراقبة عامة و تريد بتسيسها ان تكون ورقة ضغط على السلطات او الاحزاب، ومنها ثقافية بحتة، و منها ارتبطت بالاحزاب و لم تنتج شيئا للصالح العام و انها تكسب موردا من اجل مجموعة ما بطرق شتى . و كلما خفضت نسبة مساعدة السلطة لاي منهم انقرض و لم يبق لها اثر يُذكر .
وفق المعروف عنهم و اهدافهم، انها منظمات مدنية ذات اهداف خاصة ثقافية كانت ام اجتماعية او رياضية او فنية، و ليست بمراكز و لا منظمات سياسية، الا ان استغلالها من قبل جهات تحولت الى تنظيمات حزبية من جهة و منفذة لمتطلبات من لها الفضل عليها من جهة اخرى .
حاولت امريكا منذ اسقاطها للدكتاتور العراقي ان تفرض ما تفكر به و تريد تقليد نظامها في العراق دون ان تعتبر للخصوصية الثقافية الاجتماعية السياسية في العراق، و تريد تطبيق الديموقراطية التي تتشدق بها نصا و روحا كما توجد لديها في كوردستان و العراق على حد سواء . و ان كانت تقدر على ما تهدف لابقت على حزبين ليتنافسا على السلطة في العراق و ابرزت منظمات تابعة لها لذاك الهدف .
ان الهدف الرئيسي من الغرب في اظهار المنظمات المدنية، هو تشغيل الشباب و الجيل الجديد بامور تخص النظام الديموقراطي الغربي نصا و تقليدا اكثر من تركهم و حريتهم في تاسيس منظمات من صلب تفكيرهم و كيفية نجاحهم في التاثير على الراي العام و المجتمع و الثقافة العامة، لذلك اختلط على الشباب ما هم بصدده من حصرهم بين ما هم موجودون فيه من العقلية و الارضية و ما يتطلب منهم و ما يمكن ان يكون هدف الغرب منه و هو من رسم الخيال السياسي الغربي، و مصالحه و تفكيره و اعتماده على فسلفته و اسسه الثقافية الفلسفية السياسية، و ما يؤمن به من صراع الحضارات و ما يمكنه من التغلب على الشرق و حضارته، و يفكر بانه يضمن مستقبله و يحقق هدفه الاهم و ينجح في استراتيجيته بفرض ما يؤمن به من هذه النواحي و ما يعتبره انتصارا في التغلب على الحضارات الشرقية و موروثاتها .
و على هذا، اننا لم نجد منظمة مستقلة نابعة من الظروف الذاتية و الثقافة و الفلسفة الشرقية، فاما تكون تابعة بشكل مطلق للغرب، او مقلدة لما موجود في الغرب و العالم الليبرالي الديموقراطي الغربي . انها بعيدة عن تطلعات و امنيات الشارع العراقي و خصوصياته . و يمكن ان نقول بانها لم تنجح في مهماتها، و اصبحت بينها و بين المجتمع مسافات لا يمكن ردمها بسهولة لانها ليست اصيلة و لم تلد من الرحم الموجود عراقيا و كوردستانيا . اي غريبة عن الواقع الموجود و انفلقت فجئة و جائت مع العملية العسكرية التي نفذتها امريكا و الغرب في العراق، و ما اصدره الغرب قبل السقوط بعد الانتفاضة الى كوردستان . و لم تؤد دورا معينا .
و لا يمكن مقارنة اية منظمة مدنية عراقية بما موجودة في مصر او تونس مثلا لانها انبثقت من الداخل و ان كانت ولادتها قيصرية ولم تكن طبيعية ايضا و لكنها اختلطت مع الاماني و الشعارات العام لبلدانهم، و شاهدنا دورهم المهم في ثورات الربيع الشرق الاوسطي او العربي . الا ان ما موجودة منها في العراق و كوردستان ليست من الحيمن و لا البيضة و لا الجنين العراقي الطبيعي ، و انما هي من نتاج حيمن و بيضة اصطناعية و جنين نامي في الانبوب الزجاجي الغربي الصنع و باشراف غربي . لذلك لم تفد الوضع العراقي و لم تنتج المنتظر منها لحد اليوم، و ان اسفادت بعضها ماليا من اشرف عليها او الحلقة العليا الادارية لها فقط .