يشهد الله على اننا لانفرق بين محافظة واخرى ونحترم ونحب ابناء العراق جميعاً تماماً كما لو كانوا بصريين ولم نعش حالة التفاضل بين ابن الجنوب والشمال او الوسط مدركين ان العراق بوحدة ارضه وشعبه اقوى واجمل واكثر راحة للظمير وطمأنة للقلب.
اسوق هذه المقدمة التي يشهد الله على صدقها كي لا يُتخذ من كلامنا الاتي الذي يحاول ان ينصف محافظة ظلمت على طول التاريخ ذريعةً لنعتنا بالانانية او المناطقية او حتى التحيز لمحافظة دون اخرى.
فمن نافلة القول ذكر ما للبصرة من سبق تاريخي في دورها لمد العراق بما يحتاجه مادياً لديمومة حياته او لدوران العجلة الاقتصادية بشكل عام حتى وصف بالاقتصاد الريعي او احادي المصدر والمعني به مصدر النفط. ولكن قد لايلام البعض بالمقابل عندما يعتبر نعمة النفط نقمة احلّت باهلها. فعندما لايرى الظمآن ماءً يبحث عنه ليروي هذا العطش ولكن عندما يكون عطشاناً والماء مبذول لشاربه ولايستطيع الارتواء فهذه قمة الاسى. فكيف اذا كانت البصرة تعيش جوعاً مستمراً منذ قرون وهي تهب الغذاء عن طيب خاطر لابناء جلدتها من العراقيين ولا ترتوي ماءً صافياً؟، فما تنعم به منهم الا ماءً مالحاً اضر بالكثير من المحاصيل سواء كانت الحيوانية ام الزراعية.
حال البصرة المحافظة التي عرفت بطبيبها ولم تذكر بصبرها على هذا الوضع طول الدهور غريب عن كل ما جبلت عليه الطبيعة البشرية، فالواهب لايمكن ان يكون اقل شأناً وسعادة وغبطة من الموهوب في كل الشرائع البشرية والسماوية ومنها ديننا الاسلام الحنيف بطبيعته المحمدية وليس بصيغته المذهبية المتعددة.
لهذا قال الشاعر وبشكل حميم وشفاف :
ان انت اكرمت الكريم ملكته … وان انت اكرمت اللئيم تمردا
وعندما يطالب اهل البصرة بما يسمى حقوقهم لايعني ان لهم حقاً مفصولاً عن ابناء العراق انما ندرك جيداً ان العراق الحبيب وحدة متكاملة واهله نسيجاً واحداً لافرق بين احدهم والاخر مهما كان موقعه مادام يحمل الهوية العراقية. ولكن من المنصف اولاً وما يصب في صالح العراق وسمعته الدولية ثانياً ان يرتقي وضع هذه المحافظة التي حباها الله تعالى بهذا الخير الى وضع يتناسب ليس فقط بما تقدمه للبلد انما وتاريخها الغني كذلك.
ولكن من المؤلم ان ناتي هنا على ذكر مواقف غير مشجعة ان لم تكن غير منصفة وهي بالتالي غير مشرفة بالتاكيد. فبالاضافة الى الواقع المزري الذي تعيشه المحافظة من تخلف في بنيتها التحتية والعمرانية والخدماتية لم تحظ هذه المحافظة صاحبة الحظ التعيس بالسياسيين الكرماء المنصفين الذين يثنون على دورها ويسلطون الضوء على ما تعانيه ليعملوا على انصافها.
ولا كلام لنا مع طواغيت العصور السابقة، ولكن ان نسمع كلاماً غريباً ممن كانوا نكرات في الامس القريب ويتحاملوا على شعب محافظة باكمله ويستنكرون عليه امتلاكه للكوادر فهذا شيء لم يكن بالحسبان لانه
ببساطة لايجب ان يصدر من اي كادر يمتهن السياسة وان كان بسيطاً ولكن في المقابل نراه يصرف الملايين التي لم يحصل عليها الا من هذه المحافظة على علاجه للبواسير، هذه الحالة التي وصفها الشاعر الشعبي :
كل الامراض تهون بس البواسير ….. هم جعبك يكشفوه هم مضحكة تصير
ولكنه لم يكن مضحكة بسبب المرض فلاشماتة في الابتلاءات واشدها الصحة فهي تاج على رؤوس الاصحاء ولكن فضيحته بتعديه على شعب محافظة بهذا الشكل وهو يتقلد موقع سياسي رفيع في البلد.
وقد شاهدنا احد النواب يقع في نفس المطب مع الاسف الشديد وهو يجيب باننا سنقطع الماء عنهم عندما سؤل ما هو رأيك بمن يطالب بقطع نفط البصرة عن البلاد؟. وكانه لم يستطع ايجاد اجابة اكثر كرماً من ذلك وبهذا يكشف حقيقته من حيث يشعر ومن حيث لايشعر بكل بساطة.
قد تكن المطالبة باقليم البصرة في اوجها الان، غير انني لم اندفع بقوة في هذا الوقت كما بدأنا قبل بضعة سنين لحسابات كسبناها من التجربة ومن لايستفيد من تجربته سيدفع الثمن عاجلاً ام آجلاً وقد يكون ثمناً باهضاً فلم تكن السياسة الا عبارة عن حسابات ربح وخسارة للصالح العام وعلى السياسي الناجح ان يكسب الربح في المنظور المستقبلي كما كان يفعل غلادستون عندما يوقع اي معاهدة بين بلده وبلد آخر.
فقد قمت انا ونخبة خيرة بادارة اول مؤتمر للفدرالية في البصرة وكان برعاية الدكتور وائل عبد اللطيف وبالاضافة الى ادارتي الجلسة الثانية للمؤتمر بحضور المرحوم محمد مصبح الوائلي قدمت بحثاً بعنوان ( نحو رسم اطار فدرالي للبصرة ).
ولكننا نعي الان ان وضعاً جديداً يعيشه العراق الحبيب واننا جميعاً في خطر مدركين جيداً عندما يكون ابن الرمادي في خطر فان البصرة في خطر سواء تقبل ذلك ابن الرمادي ام لم يتقبله وسواء كان موقفه نابع عن وعي او عن اسباب اخرى.
لقد وضع الدكتور العبادي النقاط على الحروف في زيارته للبصرة قبل بضعة ايام، ففي الوقت الذي عبّر عن موقفه الصريح عن عدم ممانعته لقيام الاقليم فهو حق مثبت في الدستور، دعّم هذا التاكيد بسحب الحكومة للطعن المقدم من الحكومة السابقة حول قانون المحافظات ( قانون 21 )، مؤكداً على العمل لنقل الصلاحيات ضمن هذا القانون بالسرعة الممكنة.
واكد سيادته لكي لايقع المشروع في المحضور يجب احرازه حالة من النضج السياسي والفهم الاجتماعي الذي لابد وان يؤدي الى نجاحه.
هذا ما نراه الان فنحن اول من طالب بالفدرالية ودعى اليها وهي بالتاكيد ليس تقسيماً كما يتوهم البعض وان غالبية الدول الفدرالية ان لم تكن جميعها دول غير متخلفة ان لم تكن متقدمة، ولكن لم تطبق حالة الفدرالية هذه الا بعد فهم متكامل لها، لذلك قمنا باصدار سلسلة اسميناها سلسلة الثقافة الفدرالية وبشكل مرقم فمثلاً حمل الرقم الاول عنوان ( ما هي الفدرالية) ورقم 2 ( لماذا الفدرالية ) وهكذا، ولكن لم يشأ لها الاستمرار بسبب ظروف غير ملائمة.
ان المخاوف المحفوفة بتطبيق الفدرالية حقيقية ولايمكن التغاضي عنها فلانريد ان نقع بنفس مشكلة الديمقراطية المفاجئة على واقعنا السياسي الامر الذي ادى الى هدر الكثير من طاقات البلد ووقته الثمين. فمن يضمن عدم وقوع صراعات كبرى بين الاطراف السياسية الشيعية التي قد تؤدي الى نتائج لايحمد عقباها وقد يوصلنا الامر الى جعلنا عرضة للتندر من قبل الاخرين تماماً كما حصل مع
ما يسمى الربيع العربي حينما استبشر العرب خيراً برياح التغيير العاصفة وها هي سوريا وليبيا ومصر واليمن لازالة تعاني الى يومنا هذا رغم تسليم الجميع بفساد حكام تلك الدول جميعاً قبل التغيير.
وبعد تاكيد الدكتور العبادي للعمل على تحقيق قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية نرى من الافضل مرور امر الاقليم بما يلي :
* جعل البصرة العاصمة الاقتصادية وهذا الامر يزيد البصرة نفعاً ولاينقصها فمن الممكن الذهاب الى المرحلة الثانية ان لمسنا ضرورة ذلك او الانتقال الى الثالثة دون ضرر انما سيؤدي ذلك الى تدرج في الفهم وزيادة الخبرة لنجاح المشروع.
* الذهاب لتطبيق الادارة اللامركزية وهو امر مرهون بتعاون المركز.
* الذهاب لتحقيق الاقليم حيث يصبح حينها امراً مفروضاً او ان شئت فقل ( آخر الدواء الكي ).
والله تعالى من وراء القصد.