يسير العالم بخطوات متسارعة، نحو تطوير أنظمتة الإدارية، ثم تخطي المسافات والفوارق الزمنية بإستثمار التكنلوجيا، والإستفادة من المبتكرات والأفكار لخدمة الشعوب، وزجها في القرار، وإستخدام مناهج تعطي الثقة بالنفس وتوزّع الصلاحيات والأختيارات، بدءاً من الطفولة وترك الطفل يختار ملابسه بنفسه، وصولاً الى قرية بسيطة لإعطاءها صلاحيات إدارة شؤونها.
إبتلينا منذ عقود بسوء الإدارة، وتسخير كل إمكانيات الدولةالى خدمة السلطة؛ بمركزية القهر ومصادرة الحقوق.
لم يُسمح طيلة تعاقب الحكومات؛ بإعطاء الشخصية العراقية دورها في قيادة أمورها؟! ولم يُسمح لمثقفيها ومنظريها، أن يُعرفونا بحجم أنفسنا وقدرتنا على بناء وطننا؛ كي نعمل بروح الفريق الواحد، ونعرف أن ما يعمله إبن الشمال يكمله إبن الجنوب، ويعاضدهما إبن الوسط والغرب.
الحكومات إستثمرت التكنلوجيا وتجارب غيرها، وعملت على تطوير الأنظمة الإدارية، وأزالت حلقات الروتين القاتل للدولة، والهادر لطاقاته وأمواله، وصار مفصل زبد المشاريع الى شركات وهمية، ووسيلة للكذب والخداع وغلبة المواطن، للإيقاع بالمدن المحرومة، بسلطة همجية متخلفة، وبدل أن تنظر الحكومة الى العالم الذي يطلق الصواريخ الى الفضاء، أطلق الفضائيون أسلحتهم الى صدر البلاد ونهبوا خيرات شعبه؟! بذرائع ونظريات بالية من عصور قادة الضرورة.
نحن إذن في جمهورية الخوف والبطالة، والقتل والتشرد والحرمان، وهنا يدور حديث في أروقة السياسة، صار وسيلة إستهزاء علني، وتضخيم لأمجاد مصطنعة، وفعل قاتم لا يثق بقدرة المدن العراقية على إنتاج كفاءات، فيما شعبه يملأ المعمورة بالعلماء والمفكرين.
العراق غارق في سياسة القهر المتوارثة، ومنع المحافظات من الصلاحيات، وخلال السنوات المنصرمة؛ تُقر الموازنة في منتصف السنة، وبين تقاطع الصلاحيات مع المركز، وتضارب تبعية الوزراء مع المحافظين، ومزاجية موظف يحجب الكتب الرسمية، في أدراج التآمر والفساد ودولة ضائعة، حتى ينتهي العام وتُعاد 75% من الأموال الى المركز، ولا يعرف مصيرها بدون حسابات ختامية؟!
كثيراً ما يتحدث الفاشلون، ويوهمون المواطن المحروم في مدن الجنوب والوسط، بأن سبب إرتفاع نسب الفقر والبطالة، هو حصول اقليم كردستان على 17%، وينفقها100%، في حين أنهم هم من يقف حجر عثرة، أمام قانون مجلس المحافظات المرقم 21 عام 2008، والمفترض أن يكون ساري المفعول، بعد نشره بالصحف الرسمية، وإذا كان هنالك إعتراض؛ فالأولى؛ تنفيذه أولاً، ثم النظر في الطعن، ولا يجوز إيقاف قانون أصبح نافذاً؟!
سحب النقض عن قانون 21، هو نجاح لرؤية إستراتيجية، طالما تحدثت عن خدمة المواطن، وإتهمتها الأطراف المستفيدة من مركزية الحكم والتشبث بالسلطة.
بناء الدولة بشكل عصري متحضر، لا يمكن ضمانه دون حقوق وحريات مدنية، تنبثق من واقع المجتمع، والإتجاه الى اللامركزية خطوة، تدل على أن التغيير المرجو، بدأت تظهر بوادر أيجابياته، ونجاح مرونة المجلس الأعلى في التعاطي مع الأزمات، وسياسة العبادي المنفتحة، ولا يسعى الطرفان؛ لبناء سلطة مركزية قوية متحكمة؛ تسلب الصلاحيات تدريجياً، ولا بيقى من بلاد النهرين سوى المسمى ومن قهر الى قهر، ويصح أن نسميها بلاد القهرين ؟!